الرأي

لماذا دراسة التاريخ مهمة؟

فيصل الشمري
ومن المفارقات أن هذا السؤال قديم بقدم التاريخ نفسه. قبل الفين وخمسمئة عام، قال ثوسيديديس، المؤرخ العظيم للحروب البيلوبونيسية بين أثينا وصبارتا، والرجل الذي يسميه كثيرون المؤرخ الأول: «لقد قمت بعملي ليس لكسب الشهرة اللحظية، ولكن لتخليد اسمي في التاريخ». كان ثيوسيديدس يأمل في أن يساعد ما يكتبه الأجيال القادمة على فهم ما حدث في عصره؛ فإذا تمكنوا من التعلم منه واتخاذ قرارات أفضل، فلن تذهب جهوده سدى. بعد أكثر من ألفي عام، قال المفكر الاجتماعي الأمريكي جورج سانتايانا الشيء نفسه، «أولئك الذين لا يستطيعون التعلم من التاريخ محكوم عليهم بتكراره». ولكن في حين أن معرفة الماضي هي شرط أساسي للحكمة، إلا أنها لا تمنح المؤرخ كرة بلورية لمعرفة المستقبل. يجب أن نكون متواضعين في ادعاءاتنا، توفر دراسة التاريخ دليلا لا يقدر بثمن -ولكنه دليل فقط- للتحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية الحالية والمستقبلية. كما أنه من الخطر أن تكون جاهلا بأحداث الماضي، كذلك من الخطورة أيضا افتراض أن التاريخ عبر الزمان والمكان سوف يعيد نفسه بنفس الطريقة تماما، المعرفة التاريخية لا تعمل بهذا الشكل. مع توخي الحذر يمكن أن تحذرنا دراسة التاريخ من الأخطار المقبلة. على سبيل المثال، نادرا ما أثبتت استرضاء الأعداء أو تجاهلهم أنها استراتيجية حكيمة عبر العصور، عادة ما تكون كارثية. إن تدليل دول المدن اليونانية للملك المقدوني فيليب الثاني، ورد الفعل الضعيف للديمقراطيات الغربية على عدوان أدولف هتلر في الثلاثينيات، واللامبالاة التي أظهرها الغرب تجاه مخاطر النظام الراديكالي في طهران في عهد أوباما، والآن سياسة بايدن توضح هذه النقطة. هناك قيمة أخرى مهمة ربما غير معروفة للعامة في دراسة التاريخ، كل جيل ليس أكثر من جيلنا ولا يختلف عنه كثيرا في النرجسية بالتعامل مع الأجيال، الغطرسة التي خلقها الأحياء الآن في أكثر فترات التاريخ ازدهارا، نتيجتها أننا في كثير من الأحيان نحكم على ماض أكثر فقرا ماديا ومعرفيا ويختلف في معطياته الأخلاقية بنفس المعايير المعاصرة لحاضر ثري ومريح. الذين يدرسون التاريخ يمكنهم تجنب هذه المغالطات. بصرف النظر عن حقيقة أن الحاضر هو المستفيد من المساهمات الفكرية والأخلاقية والعلمية المتراكمة في الماضي، فإن المعرفة الصحيحة بمصاعب العصور السابقة والتعاطي معها وفق إطارها التاريخي الثقافي والاجتماعي ووفق إطارها الاخلاقي يعلمنا قيمة في الواقعية السياسية والتواضع في فهم واقعنا الأخلاقي والثقافي. لنأخذ مثالا عندما بدأ الملك عبدالعزيز رحمة الله حملته لتوحيد شبه الجزيرة العربية التي قاد المعارك من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها علينا تخيل هذه الحقبة التاريخية وفق واقعها الزماني، صحراء قاحلة شاسعة قاتلة، صعب التنقل فيها في عصر يواجه صعوبة في التطبيب، إنه لأمر مختلف تماما أن نتخيل كيف كافح الأجداد للبقاء على قيد الحياة يوما بعد يوم لتوحيد البلاد في عصر بدون أدوية فعالة أو آلات لتوفير أو غذاء جيد. تمنح دراسة التاريخ أيضا منظورا تشتد الحاجة إليه. ليس من العدل ولا الحكمة محاولة تطبيق المعايير الأخلاقية الحالية للقول، القرن السابع عشر الأكثر فتكا عندما كانت الحياة -على حد تعبير الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز- «منعزلة، فقيرة، بذيئة، وحشية، وقصيرة». أخيرا، تعلمنا دراسة التاريخ تقدير الحذر في التفصيل التاريخي والتعاطي مع الشخصيات التاريخية وإسقاط حاضرنا الأخلاقي عليهم، يجب أن نتجنب إصدار أحكام حول من هو جيد ومن هو السيئ كما لو كنا نشاهد قصة أخلاقية في الوقت الحاضر. كان اللاعبون التاريخيون الكبار مثل يوليوس قيصر وروبرت إي لي ونابليون رجالا معقدين قاموا ببعض الأشياء الجيدة في حياتهم والسيئة عندما نحكم عليهم علينا أن نحكم وفق إطارهم الزمني والأخلاقي ليس وفق واقعنا وحاضرنا. لهذا ندرس التاريخ. @mr_alshammeri