الرأي

صرخة بلا صوت!

بسام فتيني
كل ما أتمناه أن يصل صراخ الصارخين بصمت إلى من يجب أن يسمعهم وما أنا إلا صدى أحاول أن أردد ما يقولونه حتى أحافظ على ما تبقى من كرامتهم التي خدشها الزمن فآثروا التواري والصمت بعيدا عن الأعين، وحتى أختصر سأحكي لكم قصتين لشخصيتين مختلفتين فرقهما الزمان والمكان لكن جمعهما نفس القدر المحتوم! قصتي الأولى لفنانة تشكيلية قديرة بل وقديرة جدا كلمتني قبل سنوات وصوتها يعج بفوضى العبرة مع محاولة عدم البكاء فتحشرجت كلماتها على شفتيها ثم ما لبثت أن انفجرت وانهمرت دون توقف لتشكي سوء حالها الذي آلت إليه بعد أن كانت وكانت وكانت! لم يسعفها فنها وإرثها العريقان أن يجعلاها في خانة الكفاف فاختارت التعفف لكنها انهارت حين وصلت لمرحلة عدم قدرتها على سداد إيجار منزلها! نعم فنانة من جيل الرواد تسكن في شقة مستأجرة وتعجز عن سداد الأجرة. أما قصتي الأخرى فهي لرجل كان ولا زال يتنفس الفن والرسم الكاريكاتوري بل وصُنف سابقا بأنه إعلامي قدير راسلني عن طريق إعلامي آخر وقد أضنته هذه الحياة وتقلبت به تضاريس جبال الظروف ليجد نفسه في خانة إيقاف الخدمات بسبب تراكم المطالبات، ولأنه عزيز نفس عفيف القلب طلب مني في البداية أن أجد له مشتريا للوحاته التي لا تقدر بثمن لو كان هناك من يعرف هذا الثمن فحاولت التنسيق مع إحدى الجهات لإقامة معرض لعرض لوحاته وبالتالي محاولة إبراز جمالها وكنت أعتقد أن هذا سبب تواصله معي، ثم كانت الصدمة حين تم إيقاف خدماته فصارحني بالحقيقة وقال إن سبب تفكيره ببيع لوحاته هو حاجته للمال لكن تعففه يمنعه من التصريح بذلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله. انتهت القصتان دون الدخول في كثير من التفاصيل لكن يبقى السؤال ما مصير من أفنى حياته خدمة لمجاله ثم ينتهي به الحال ليكون محاصرا دون جهة تحتضنه خاصة ممن يمكن تصنيفهم تحت خانة الرواد أو الرعيل الثاني؟ يعلم الله كم حاولت وحاولت وحاولت لأقدم لهما شيئا، وأخشى أن أكون قد قصرت؛ لذلك كتبت الآن ما كتبت فلعلي بذلك أبرئ ذمتي أمام الله وأحاول إيصال صوتهما لمن بيده الأمر فنحن في وطن عظيم يحتوي كبار السن فما بالكم بمن قدموا الكثير عبر مجالهم وفنهم وحان الوقت للوقوف معهم وحمايتهم من السقوط في آخر أعمارهم، وأعلم جيدا أن لوزير الثقافة -حفظه الله- مواقف لا تنسى في قصص سابقة؛ فلعل هاتين القصتين تصل له ويضع فيها بصمته، فهل يكون؟ @BASSAM_FATINY