الرأي

من رجال الإدارة والتربية والتعليم حمد بن مقحم الحبردي (1366-1442هـ) -رحمه الله-

محمد عبدالله السلومي
حينما أثنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قيمة الأخلاق وأهميتها بقوله: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) [صحيح الترمذي:2018]، فإن ذلك يعني أهمية الأخلاق في حياة الأمم ونهضتها ووحدة قيمها ونظافة سيرتها، وحسن الخلق هبة يهبها الله لمن يشاء من عباده، بل ويدرك المسلم أبعاد القيمة الكبرى لحسن التعامل وأهميته من خلال الأثر المشهور (الدين حسن المعاملة، أو الدين المعاملة) والذي علق عليه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله بقوله: إنه صحيح من حيث المعنى، وليس بحديث، ولهذا فغياب الأخلاق عن الإدارة أو ضعفها في أي عملية تربوية وتعليمية يعد من أكبر أزمات الحياة المعاصرة بين الأفراد والمجتمعات والأمم.

وأحسب أن شيخنا وحبيبنا حمد الحبردي المتوفى عام 1442هـ -رحمه الله- ممن تميز بأخلاق التعامل الفاضلة الحميدة التي جعلته أنموذجا في أوساط المعلمين والمربيين في حياته العملية الأولى في معهد الطائف العلمي حينما كان مديرا للمعهد (1393-1402هـ) وكنت أحد المعلمين فيه آنذاك، كما أن أستاذنا حمد كان المثال والأنموذج في خُلقه من خلال عمله الإداري الكبير حينما كان بمناصب إدارية تعليمية متعددة في إدارة فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم على مدى أكثر من عقدين (1402-1425هـ)، وكان العمل الإداري المتشعب يرتبط -عادة- بالمصالح العامة والخاصة للإداريين والأكاديميين والطلاب من منسوبي فرع الجامعة، حيث أهمية حسن العمل وإتقانه والتعاطي الأمثل مع ملفات الأعداد الكثيرة وقضاياهم، وهو ما يتطلب كذلك حسن التعامل والمرونة الإدارية في كل قضية من القضايا العامة والخاصة.

لقد كسب الإداري الناجح الأستاذ حمد عموم من تعاملوا معه فأحبوه وأثنوا عليه خيرا بما ميّزه عن غيره من رجالات الإدارة، والناس شهداء الله في أرضه عن الأحياء والأموات، ولم تكن محبة الناس له محبة عاطفية فحسب بقدر ما كان حبا لما تميز به من خُلق، وتقديرا لأعماله وإنجازاته في شؤون الجامعة وملفات الطلاب وقضايا الأساتذة وتحديات الإدارة والإداريين، فهو الرجل الذي بأعماله وإنجازاته جمع بين خُلق التواضع والهيبة! كما جمع بين صفة البساطة والقوة! ويسود هذا ويقوده احترام للآخرين وتقدير لهم، بل ومحبة لهم كما يحب لنفسه، وحاله كما وصف الشاعر في الشطر الأول من قوله:

ومن هاب الرجال تهيّبوه

ومن حقر الرجال فلن يُهابا

لقد جمع الأستاذ القدير حمد الحبردي بين ثلاث خصال، حيث الأخلاق الشخصية، وحسن التعامل، والإنجاز الإداري، وذلك حينما كان يحترم الطالب ويرى أنه هو المُخرَج الأساس للعملية التعليمية، وحينما كان يُقدِّر الأستاذ الذي يراه المانح والمعطي والمجاهد بعلمه، وهو بين هذا وذاك يولي عناية خاصة للإداريين والإدارة بمسؤولية إدارية وأمانة مالية عرف بها وعرفت عنه، وكان من مرونته في التسيير الإداري في عمله الوظيفي أنه يتعاطى مع الأنظمة بما يسمى روح النظام وليس بنصه، وكم يتجاوز الإداري الناجح من عقبات وعوائق وتحديات بهذه الروح الإدارية، بل كيف يكون حجم الإنجازات حينما يتعاطى المسؤول أو الموظف مع روح النظام بالتعامل مع أهداف هذا النظام أو ذاك من حيث مدخلاته ومخرجاته وما فيه من مصالح ومفاسد وسلبيات وإيجابيات، وتذكرت بهذه الصفة التي اتصف بها الأستاذ المتميز بالإدارة حمد ما كرر ذكره وإيراده معالي الشيخ صالح الحصين -رحمه الله- عن روح النظام والمرونة، وعن النظام والغلو في تطبيقاته، وذلك بقوله عن الإصلاح الإداري: «يكفي في هذا المقام الإشارة إلى ظاهرة الميل غير السوي إلى الإسراف في الاعتماد على القواعد التنظيمية –سواء ظهرت في شكل قانون أم لائحة أم إجراء إداري– في حل المشاكل. هذه الظاهرة يغذيها، أن التفكير في حل المشاكل عن طريق القانون والشرطي هو العمل الأكثر سهولة، فهو لا يتطلب كبير جهد ويعطي الشعور الوهمي بحل المشكلة...

إن القواعد التنظيمية مثل الأدوية مضادات حيوية تصحبها آثار جانبية ضارة، ولذا ينبغي التعامل معها كما يتعامل الطبيب الحكيم مع الأدوية (المضادات الحيوية) فلا يصفها إلا عند الضرورة وبقدر الضرورة وبعد الموازنة بين آثارها الموجبة وآثارها السالبة، وأن يصحب العلاج بها رقابة كافية لضمان تأثيرها الإيجابي ودرء تأثيرها السلبي».

[الإصلاح: الأصول الشرعية والمنطلقات العملية]

ومع هذا التميز لرجل النجاح الإداري الأستاذ حمد في أخلاقه الشخصية المثلى، ثم حسن تعامله، إضافة إلى تجاوزه البيروقراطية الإدارية القاتلة للمخرجات كان مع هذا يؤمن بأن التربية للطلاب لا تقل أهمية عن التعليم، فقد كان في فترتي عمله الرئيسيتين داعما للمحاضرات العامة والندوات والدورات الشرعية والإدارية خدمة للمجتمع، إضافة إلى ما عُرف عنه من دعم قوي لجمعيات التوعية والأنشطة الطلابية وربما ساعد بعض برامجها من تبرعه الخاص، وقد كان متبنيا مع زملائه من الأساتذة للرحلات الطلابية المفيدة ومراكزهم الصيفية ومخيماتهم التربوية، حيث إن هذه الأنشطة تعد ضمن أنظمة معظم الجامعات ولوائحها التنفيذية، ويشهد بهذا الدور التربوي التعليمي مخرجات المعهد العلمي وفرع الجامعة حينما خرجّت المئات والآلاف من الطلاب معلمين وموجهين وأساتذة وبمناصب متنوعة في أجهزة الدولة، وما أحوج الأجيال من أبنائه وأحفاده ومن أبناء المجتمع وأرباب الإدارة إلى القراءة عن هذه النماذج التي تجاوزت كثيرا من التحديات الإدارية وسمَتْ بأخلاقها وتعاملها فأصبحت من نبلاء المرحلة ورموز عصرهم -فرحم الله فقيد المجتمع والجامعة-.