مع تذبذب السياسة الأمريكية العالميةهل تصبح الصين البديل الاستراتيجي الاقتصادي للمملكة؟
الاحد / 17 / شعبان / 1443 هـ - 23:06 - الاحد 20 مارس 2022 23:06
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما صاحب ذلك من ارتفاع أسعار النفط بصورة كبيرة وتضاؤل الدور الاقتصادي والسياسي الأمريكي في العالم كنتيجة طبيعية لتولي الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن مُنذ 20 يناير 2021، ويعد بايدن الرئيس الأكبر سنا في تاريخ الولايات المتحدة، حيث يبلغ من العمر 77 عاما.
المتابع لسياسة بايدن منذ توليه رئاسة أمريكا يلاحظ انحسار الدور العالمي اقتصاديا وسياسيا للولايات المتحدة الأمريكية، وقد ولّدت استراتيجية لسلسلة من الأحداث المتسارعة، من خلال تحركات محفوفة بالمخاطر ومبادرات فاشلة، غيرت موازين القوى في بعض مناطق العالم، حيث تعتمد السياسة الأمريكية لبايدن على استراتيجية أكثر تقليدية وتتمحور حول اللعب بأنشودة حقوق الإنسان واستخدامها بما يخدم السياسة الأمريكية، لو كانت الدولة تسير في الركب الأمريكي فهنا تختفي المطالبات بحقوق الإنسان أو حتى الحيوان وعندما تخالف الدولة المنهج الأمريكي فإن حقوق الإنسان تصبح أولوية في التعامل مع هذه الدولة.
فمع بداية عصر بايدن السعيد راحت الولايات المتحدة، ثاني أكبر دولة في العالم مسؤولة عن الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، بتجديد التزامها المساهمة في مكافحة تغير المناخ، وقد فتحت الإدارة الجديدة جبهة مع شركات النفط الأمريكية وكبرى الدول المنتجة، واتضحت تداعيات هذا التحول في السياسة الأمريكية في قمة غلاسكو 2021، حيث هاجم الرئيس الأمريكي كلا من روسيا والصين والسعودية بسبب عدم جديتها تجاه التزامات المناخ، على حد رأيه.
الغريب والعجيب أن نفسه بايدن وأعوانه بعد وقوع الحرب الروسية الأوكرانية طالبوا المملكة وبقية دول أوبك بضخ مزيد من النفط لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما يمثل تناقضا حادا مع توجه السياسة الأمريكية بشأن المناخ، وبعد تصعيد أمريكي علني بشأن ارتفاع الأسعار استمر لفترة، فشلت محاولات إدارة بايدن في تغيير سياسة الإنتاج.
وبعد فشل السياسة الأمريكية لبايدن في السيطرة على الاقتصاد العالمي، هل تصبح الصين هي البديل الاستراتيجي الاقتصادي للمملكة؟
في واقع الأمر تضرب العلاقات السعودية الصينية في أعماق التاريخ، فقد تواصل العرب والصينيون منذ قرون عديدة، وتأخذ العلاقات السعودية الصينية مسارا تصاعديا قائما على الثقة والاحترام المتبادلين، والمصالح المشتركة، إلى جانب تعزيز مجالات التعاون في مجالات عدة.
وتبرز أهمية هذه العلاقة في رغبة قادة البلدين على تقوية الشراكة اقتصاديا وثقافيا، وتعود
العلاقات السعودية الصينية إلى أكثر من سبعة عقود خلت.
هنا نشير إلى أن الميزان التجاري يعكس قوة العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، حيث تعد المملكة من أهم شركاء الصين في التعاون الاقتصادي والتجاري، وأكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا وأفريقيا، وفي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة الاقتصادية والتجارية بين البلدين تطورا ملحوظا ومستقرا، ويتوسع نطاق التعاون باستمرار.
فقد استحوذت السعودية على نحو ربع (24.7 %) التجارة الخارجية للصين مع منطقة الشرق الأوسط البالغة 271.7 مليار دولار خلال العام الماضي، موزعة بين 143.4 صادرات لدول المنطقة و128.3 مليار دولار واردات، حيث بلغ التبادل التجاري بين المملكة والصين نحو 67.1 مليار دولار، بصادرات صينية 28.1 مليار دولار مقابل واردات بـ39 مليار دولار. وبذلك تكون السعودية قد سجلت فائضا في ميزانها التجاري مع الصين خلال 2020 بنحو 10.9 مليارات دولار.
كما تولي الصين اهتماما بالغا للتعاون في مجال الطاقة مع السعودية وتتمتع الرياض وبكين بإمكانات التكامل القوية في هذا المجال، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها، كما تشارك شركات المقاولات الصينية في تنفيذ مشاريع كبيرة بالمملكة، وتعمل أكثر من 70 شركة صينية، 62 منها في مجال الإنشاءات، وتستخدم حوالي 16 ألف عامل صيني وتأتي بالتقنيات والخبرات الناجحة من الصين، خاصة في مجالات السكك الحديدية والقطارات، حيث لدى الصين خبرة في بناء 10 آلاف كلم من خطوط سكك حديدية عالية السرعة، علما بأن السعودية وضعت الخطة الضخمة لبناء شبكة السكك الحديدية وترقيتها، ويمكن للطرفين زيادة تعزيز التعاون في هذا المجال.
من ناحية أخرى فإننا يجب أن نعرج على مبادرة بناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«طريق الحرير البحري في القرن الـ21» مع دول آسيا وأوروبا، حيث تقع المملكة في منطقة التلاقي بين طريقي الحرير البري والبحري، وذلك سيخلق فرصا وآفاقا جديدة للتنمية والازدهار المشتركة للبلدين، لذلك فهناك أهمية كبيرة لبذل جهود مشتركة لإحياء قيم طريق الحرير القديم، مما يعود على الشعبين السعودي والصيني وشعوب الدول العربية الأخرى بمزيد من المنافع الملموسة.
في الختام.. يجب أن نؤكد على أن العلاقات السعودية الصينية ذات عمق اقتصادي وتاريخي يضمن أن تكون الصين هي البديل الاستراتيجي الاقتصادي للمملكة بحكم التاريخ والموقع الجغرافي والمصير المشترك.
saadelsbeai@
المتابع لسياسة بايدن منذ توليه رئاسة أمريكا يلاحظ انحسار الدور العالمي اقتصاديا وسياسيا للولايات المتحدة الأمريكية، وقد ولّدت استراتيجية لسلسلة من الأحداث المتسارعة، من خلال تحركات محفوفة بالمخاطر ومبادرات فاشلة، غيرت موازين القوى في بعض مناطق العالم، حيث تعتمد السياسة الأمريكية لبايدن على استراتيجية أكثر تقليدية وتتمحور حول اللعب بأنشودة حقوق الإنسان واستخدامها بما يخدم السياسة الأمريكية، لو كانت الدولة تسير في الركب الأمريكي فهنا تختفي المطالبات بحقوق الإنسان أو حتى الحيوان وعندما تخالف الدولة المنهج الأمريكي فإن حقوق الإنسان تصبح أولوية في التعامل مع هذه الدولة.
فمع بداية عصر بايدن السعيد راحت الولايات المتحدة، ثاني أكبر دولة في العالم مسؤولة عن الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، بتجديد التزامها المساهمة في مكافحة تغير المناخ، وقد فتحت الإدارة الجديدة جبهة مع شركات النفط الأمريكية وكبرى الدول المنتجة، واتضحت تداعيات هذا التحول في السياسة الأمريكية في قمة غلاسكو 2021، حيث هاجم الرئيس الأمريكي كلا من روسيا والصين والسعودية بسبب عدم جديتها تجاه التزامات المناخ، على حد رأيه.
الغريب والعجيب أن نفسه بايدن وأعوانه بعد وقوع الحرب الروسية الأوكرانية طالبوا المملكة وبقية دول أوبك بضخ مزيد من النفط لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما يمثل تناقضا حادا مع توجه السياسة الأمريكية بشأن المناخ، وبعد تصعيد أمريكي علني بشأن ارتفاع الأسعار استمر لفترة، فشلت محاولات إدارة بايدن في تغيير سياسة الإنتاج.
وبعد فشل السياسة الأمريكية لبايدن في السيطرة على الاقتصاد العالمي، هل تصبح الصين هي البديل الاستراتيجي الاقتصادي للمملكة؟
في واقع الأمر تضرب العلاقات السعودية الصينية في أعماق التاريخ، فقد تواصل العرب والصينيون منذ قرون عديدة، وتأخذ العلاقات السعودية الصينية مسارا تصاعديا قائما على الثقة والاحترام المتبادلين، والمصالح المشتركة، إلى جانب تعزيز مجالات التعاون في مجالات عدة.
وتبرز أهمية هذه العلاقة في رغبة قادة البلدين على تقوية الشراكة اقتصاديا وثقافيا، وتعود
العلاقات السعودية الصينية إلى أكثر من سبعة عقود خلت.
هنا نشير إلى أن الميزان التجاري يعكس قوة العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، حيث تعد المملكة من أهم شركاء الصين في التعاون الاقتصادي والتجاري، وأكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا وأفريقيا، وفي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة الاقتصادية والتجارية بين البلدين تطورا ملحوظا ومستقرا، ويتوسع نطاق التعاون باستمرار.
فقد استحوذت السعودية على نحو ربع (24.7 %) التجارة الخارجية للصين مع منطقة الشرق الأوسط البالغة 271.7 مليار دولار خلال العام الماضي، موزعة بين 143.4 صادرات لدول المنطقة و128.3 مليار دولار واردات، حيث بلغ التبادل التجاري بين المملكة والصين نحو 67.1 مليار دولار، بصادرات صينية 28.1 مليار دولار مقابل واردات بـ39 مليار دولار. وبذلك تكون السعودية قد سجلت فائضا في ميزانها التجاري مع الصين خلال 2020 بنحو 10.9 مليارات دولار.
كما تولي الصين اهتماما بالغا للتعاون في مجال الطاقة مع السعودية وتتمتع الرياض وبكين بإمكانات التكامل القوية في هذا المجال، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها، كما تشارك شركات المقاولات الصينية في تنفيذ مشاريع كبيرة بالمملكة، وتعمل أكثر من 70 شركة صينية، 62 منها في مجال الإنشاءات، وتستخدم حوالي 16 ألف عامل صيني وتأتي بالتقنيات والخبرات الناجحة من الصين، خاصة في مجالات السكك الحديدية والقطارات، حيث لدى الصين خبرة في بناء 10 آلاف كلم من خطوط سكك حديدية عالية السرعة، علما بأن السعودية وضعت الخطة الضخمة لبناء شبكة السكك الحديدية وترقيتها، ويمكن للطرفين زيادة تعزيز التعاون في هذا المجال.
من ناحية أخرى فإننا يجب أن نعرج على مبادرة بناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«طريق الحرير البحري في القرن الـ21» مع دول آسيا وأوروبا، حيث تقع المملكة في منطقة التلاقي بين طريقي الحرير البري والبحري، وذلك سيخلق فرصا وآفاقا جديدة للتنمية والازدهار المشتركة للبلدين، لذلك فهناك أهمية كبيرة لبذل جهود مشتركة لإحياء قيم طريق الحرير القديم، مما يعود على الشعبين السعودي والصيني وشعوب الدول العربية الأخرى بمزيد من المنافع الملموسة.
في الختام.. يجب أن نؤكد على أن العلاقات السعودية الصينية ذات عمق اقتصادي وتاريخي يضمن أن تكون الصين هي البديل الاستراتيجي الاقتصادي للمملكة بحكم التاريخ والموقع الجغرافي والمصير المشترك.
saadelsbeai@