كلنا تغيرنا
تفاعل
الخميس / 8 / ذو القعدة / 1437 هـ - 19:00 - الخميس 11 أغسطس 2016 19:00
عندما كنا صغارا كانت أولى اهتماماتنا اللعب في الشارع على الرمال الحارقة، أو تحت زخات المطر المتلاحقة، تتعالى فيها ضحكاتنا ببراءة الطفولة، ونملأ المكان فرحا وحبورا، كانت أقوى أمنياتنا امتلاك قطعة حلوى ونتقاسمها سويا بحب، كانت أمهاتنا يجتمعن في باحة أحد المنازل، يتسامرن بعد الانتهاء من واجباتهن المنزلية، كل منهن تحضر ما تجود به نفسها دون تكلف.
كانت «القهوة» سيدة الضيافة مع التمر ولا بأس بقطعة كيك البرتقال المصنع محليا في بيت أم خالد، وأم عبدالله انتقصت من عشاء العائلة «جريش»، كان حديث الجلسة في لذاذته وسر الخلطة السرية المستخدمة به. كان الجار يتفقد جاره، يعرف أحواله وأدق أموره واحتياجاته، كانت البساطة في أبهى صورها، وكانت السعادة في أبسط حالاتها، الكل كان سعيدا بما يملك وقانعا بما قسمه الله له، كانت الطفولة سليمة خالية من العقد والمنغصات، وكانت العلاقات الإنسانية تتمتع بوافر من الصحة، خالية من الأمراض الاجتماعية، ببساطة كانت الحياة أسهل وأجمل.
في وقتنا الحاضر تعددت وسائل الترفيه وتنوعت البدائل، وأصبح الكل حائرا في ما يختار من المتع والملذات، وكثرت المقارنات، لأن حياتنا أصبحت مكشوفة، وبيوتنا مصنوعة من زجاج أو إذا صدقنا القول أسرارنا وأدق تفاصيل حياتنا، ماذا أكلنا وأين ذهبنا ومع من اجتمعنا وماذا اشترينا، أصبحت كلها في متناول الجميع، ومع كثرة الترفيه والتسابق له انشغلنا عن بعضنا في محيط الأسرة نفسها دون ذكر تفاصيل هذه الأشغال المعروفة لدى الجميع، كثرت الضغوطات والأمراض النفسية، لأن الأغلب انشغل بأشياء لم يخلق لأجلها، ضاعت الأوقات وأهدرت بشكليات عقيمة.
أصبح غياب «شاحن الجوال» مصدرا للمشاحنات والمشاجرات بين أفراد الأسرة «وانقطاع النت» المسبب الرئيس للاكتئاب، وعلى رب الأسرة تفادي انقطاعه، وإلا يكون عرضة للمساءلة الأسرية، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي إحدى وسائل القطيعة بين المعارف والأصحاب، نظرا لسوء استخدامها.
قبل بضعة أشهر، قرأت أن أختين تسكنان في أحد أحياء مدينة الرياض القديمة تم اكتشاف أمرهما من قبل إحدى الجمعيات الخيرية أثناء رحلة البحث عن المحتاجين في تلك الأحياء، وعند مقابلتهما كانت المفاجأة أنهما اختارتا بإرادتهما هذه الحياة البسيطة البعيدة عن صخب الحياة وتكلفها، حيث أكدتا أنهما تمتلكان قصورا وأبناء ولله الحمد في أحد أحياء الرياض الراقية، ما دفعهما لهذا الاختيار هو الحنين لبساطة الماضي، والبعد عن ترف العيش، حيث القرآن وسجادة الصلاة والنوم بعد صلاة العشاء والاستيقاظ باكرا لصلاة الفجر، حياة مفعمة بذكر الله مليئة بالبركات.
تغيرنا بكل تفاصيل حياتنا وتغيرت أنماط سلوكنا، غاب الجوهر وطفت على السطح شكليات لوثت بريق حياتنا، ومع هذا التغير فقدنا الكثير من المبهجات، وضاع منا أمل الألفة والتلاحم، وسرق منا السلام النفسي في رحلة البحث عن الأفضل.