الرأي

أبها.. أم الفن

تفاعل

فايع آل مشيرة عسيري
كتبت أبها اسمها في خيالات الحالمين والعاشقين شعرا ونثرا وغناء وذكريات لم ولن تمحوها ذاكرة التاريخ وإن تباعدت بها الجغرافيا.. أبها بوصلة الحب القديم الجديد وإن غاب أو غُيِّب وجهها الفاتن وصوتها العذب فقد كانت لحن الحسناوات ورقصات الشمس يحاول فنان تشكيلي أن يرسم شمسها الناعسة وآخر فوتوجرافيا يحاول التقاط أشعتها وهي تقبَّل حبات القمح الصفراء وآخر ينفث في نايه بوحا يداعب روحا ترتق ثقوب المدن الكبيرة بصخبها. هكذا كانت تبدأ صباحاتها وهكذا يتنافس فيها عشَّاقهـا وكل يدعي وصلا بأبها..! تزداد أبها حسنا بثوبها العسيري ومنديلها الأصفر وبلهجتها اللذيذة «مرحبا ألف» كلما شاهدت محبيها يطيلون النظر فيها والمكوث بها فلاشات يسترقونها كأنهم يعلمون بأنها ستصبح ذكرى مدينة من حلم. رائحة الطين ومزارعها المدرَّجة والبرق والرعد وروايات المطر والسيل و»توليشة» شاب يتشبث ببقايا الأمس عصابة مفتولة بالبرك والكادي «طروقه» الشعبية تحاكي جمال الطبيعة وتردَّد صداه جبالها الشاهقة وتلوحيات الشمس تأخذ انكفاءاتها نحو المغيب هكذا تبدو لنا حكاية النهار لتبدأ رواية المساء هناك بين أزقتها وشوارعها ومبانيها وملامحها تسير الخطوات ببطء تود الاستمتاع بكل لحظاتها تعبر نحو مساءات الاشتهاء نحو ليلة انسكاب الحب فنا أصيلا يعيد فينا موسيقى الحياة بين النشوة والفرح تارة والوجد والحزن تارة أخرى يغازلها صوت الأرض الفنان طلال مداح: لا تلوموني في هواها قلبي ما يعشق سواها فيصدح فنان العرب محمد عبده: قلبي حبك والله يا أبها أنت أجمل م الخيال ثنائية تمنح المعادلة الفنية الغنائية فرصة الالتقاء بأبها الفاتنة في موعد الرومانسية وغوايات الإبهار.. يعانق الضباب أبها فتتوحَّد الصورة في الجبل الأخضر هياما أمام مرأى ومسمع الناظرين.. وينام السحاب على شرفات السودة الخضراء ويتسلل نحو متنزه أبوخيال بعدما بات أبا للخيال والجمال.. وفي أبها كل الأحلام يقظة فما زال الكثير من حكايات الماضي والتاريخ والجغرافيا حاضرة لا يسمعها إلا باحث موغل في تقاسيم أبها ونقوش الحناء في كفيها هكذا كانت أبها وكان قاصدوها من داخل الوطن وخارجه قبل أن تنزوي بعيدا في زوايا الانغلاق والعزلة والإملال، وتتوشح السواد وتعلن الحداد وتصبح رهينة أفكار رمادية لا تؤمن بالحياة وترفض الغناء والرقص وتؤمن بالتزهد والتقشف. فما كان منها إلا أن حطَّمت كل حُليها ومقتنياتها ومزَّقت كل فساتينها البيضاء والحمراء والصفراء وباتت مدينة تخيطُها العناكب وتسكنها الفئران مدينة فقدت جمالها وسُلبت ضحكاتها وصوتها فقد بات الضحك من ألبوماتها المتربة هكذا دون سابق إنذار سنوات مضت لا أعلم أين ذهبت مدينتنا الفاتنة..؟! ومضة: ختاما.. رأيت أبها تنظر في مرآتها وتلبس فساتينها في شارع الفن وهي «أم الفن» واللوحات التشكيلية ومسرح المفتاحة تعاود الركض مجدَّدا ترسم البهجة وتغني للقادمين وتنثر الفل ترسم لنا معها طريق العودة والانعتاق من الصورة الكئيبة، العودة التي حاول البعض إيقافها لكنهم لم يعودوا قادرين لأنها أبها أقوى وأعظم متى استنهضت إرثها وتاريخها وأصالتها ومكانتها إنسانا ومكانا.