الرأي

الحبر الروماني.. وحديث العقل

كان الصحفيون على موعد إذن بالدخول إلى الطائرة البابوية للحبر الأعظم لدى المسيحيين الكاثوليك أو أسقف روما البابا فرانسيس سيد الفاتيكان عند مغادرته بولندا، إذ سألوه عن أعمال الإرهاب الحاصلة في العالم وخاصة ما حدث مؤخرا في أوربا، حيث يدين بطريرك الغرب ما يحصل من تلك الأحداث من متشددين ولا يذكر دينا بعينه، سألوه لماذا لا تذكر الإسلام حينما يكون ذلك الإرهاب حاصلا من متشددين!؟ ما كان حديث الصحفيين بهذا السؤال إلا محاولة لاستنطاق سيد الفاتيكان بإثارة تصريح جديد ومثير يزيد حالة العالم على ما فيه من الاحتقان الديني، وهي مهمة بعضهم في البحث عن الإثارة، إلا أن الرد الذي أدلى به سيد الفاتيكان كان اعتقادا منه أنه ليس من الصواب الربط بين الإسلام والعنف، وكان تفصيلا لتصريحه أن أعمال عنف ترتكب في إيطاليا ومن كاثوليك كذلك، وخلص إلى أن الدين ليس الدافع الحقيقي وراء العنف. فكان اعترافا قل أن يصدر من قامة مؤثرة لدى المسيحيين وخاصة من مرجعهم الديني سيد الفاتيكان، مبينا أن صعود الأحزاب المتطرفة الشعبوية التي تنشر العنصرية والعداء ليس على بعضهم بل حتى على الأجانب، وتحسر على الشباب الأوربيين الذي تركوا من دون مثل أعلى يحتذون به، فما كان من تلك الأحزاب إلا أن تلقفتهم وأخذتهم إلى التطرف والعداء أو إلى الطريق المغاير؛ طريق الانفلات الأخلاقي وطريق المخدرات وغيرها. حينها يتكشف الأمر للعاقل الحصيف أن الإسلام وإن رمي بالتشدد بسبب تلك الجماعات المتطرفة التي نالت من المسلمين وغيرهم فهو بريء من ذلك، وقد قال بذلك من المسلمين وغيرهم من قيادات العالم وعلمائهم ومفكريهم، وهنا يأتي سيد الفاتيكان بهذا التصريح المهم واعترافه بأن ما سمي عنفا لا يمكن ربطه بالدين. إذ بقوله هذا ينهي الجدل في أن قيام الجماعات المتطرفة التي تدعي التصاقها بالدين إنما صورتها الظاهرة لفطرة الناس نصرة دين وباطنها هدم الدين. ونختم بما قاله المؤلف الفرنسي جوستاف لوبون في قول منصف في مقدمة كتابه حضارة العرب «إن القوة لم تكن عاملا في انتشار القرآن، فإذا حدث أن اعتنق بعض الأقوام النصرانية الإسلام، واتخذوا العربية لغة لهم فذلك لما رأوه من عدل العرب الغالبين مما لم يروا مثله من سادتهم السابقين، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفوها من قبل ولم ينتشر القرآن إذن بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب».