الرأي

هاجس السعودة

يجب علينا جميعا أن نعلم يقينا أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين؛ ومما ينبني على هذا أن نعلم أنه يقسم الأرزاق كما يشاء فيبسط الرزق على من يشاء ويقبضه عمن يشاء، وليس لنا إلا ما كتبه الله لنا، وعلينا أن نسعى ونتعلم ونجتهد ونزاحم بالعمل، وليس لنا أن نحجر واسعا أو نضيق على الآخرين في معائشهم أو نحسدهم أو نحاول أخذ ما في أيديهم بالباطل وبالعنصرية والإقصاء. في الحقيقة يسوؤني هاجس بل هو هوس مجتمعنا السعودي في مسألة السعودة على حساب التضييق على غير السعوديين فقط لأنهم غير سعوديين؛ كأننا نقول بلسان الحال يا رب لا ترزقهم أو لا تجعلهم فوقنا لأنهم ليسوا أهلا لذلك لأنهم غير سعوديين! وهذا منطق فاسد ومنطلق سيئ وهو نذير شؤم على مجتمعنا؛ فما من دابة إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها؛ فنحن السعوديين وهم غير السعوديين جميعنا رزقنا مكتوب عند الله؛ فهم لن يستطيعوا أن ينقصوا شيئا كتبه الله لنا مهما عملوا، وبلدنا فيه خيرات كثيرة كثيرة جدا جدا تسعنا وتسعهم وفضل الله واسع. ثانيا: في العالم المتحضر لا تكاد تجد مثل هذا المنطق الأحادي الفوقي والفكر الإقصائي والتعامل العنصري؛ فمن واقع خبرتي العملية والعلمية في أمريكا ومعرفتي بحال بريطانيا وأستراليا بشأن نظام العمل والعمال؛ فإن هذا التوجه لم أجده أبدا خلال سنوات عملي ودراستي في أمريكا، فبمجرد دخولي لأمريكا وحصولي على تصريح عمل؛ كنت أعامل كأي إنسان مواطن، ولا أكاد أذكر أبدا أن أحدا سألني هل أنت مواطن أم لا، بل كنت أسافر وأتنقل من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، ومن الشمال إلى الجنوب حتى أعبر الحدود (المكسيك برا بسيارتي) ببطاقة الولاية التي كنت أعيش فيها دون الحاجة لجواز سفر. المشاركة مفتوحة في كل مجالات الحياة إلا في أمر واحد فقط ألا وهو حق التصويت في الانتخابات الرئاسية الذي هو حق للمواطنين فقط أما ما عدا ذلك فلا يكاد يوجد استثناء آخر. هناك فرص العمل متاحة للجميع سواء المواطنين أو غير المواطنين مع مراعاة نسبة الأقليات ومختلف شرائح المجتمع في التوظيف لدى الحكومة والشركات والمؤسسات، وهذه الأقليات وشرائح المجتمع مثل الآسيويين والأفارقة والهيسبانيك والهنود الحمر والمعاقين. ثالثا: هؤلاء الوافدون في بلدنا أعزها الله جاؤوا وتغربوا من بلادهم لطلب الرزق، ولهم أفضال علينا لأنهم بعد توفيق الله هم من أعانونا على بناء وإعمار وإدارة وتشغيل وصيانة مقدرات هذه الدولة الكريمة حفظها الله من كل سوء، وساهموا في رفع قدرها واسمها عاليا بين الأمم؛ فنحتاج أن ننظر إليهم نظرة شركاء في التنمية والنجاح، ولا ننظر إليهم أنهم متطفلون وسارقون لمقدرات الوطن وخيراته. فربما وسع الله علينا في الرزق بسبب وجودهم بين أظهرنا كما قال صلى الله عليه وسلم: إنما ترزقون بضعفائكم، وفي رواية تنصرون بضعفائكم. الخلاصة أن سوق العمل مفتوح للجميع، والناس تسعى وتجتهد وتزاحم من غير حسد ولا تضييق أو تعقيد لأهل الكفاءة؛ فالفرص ينالها الأفضل أو المجتهد أو المحظوظ، وليست حكرا على المواطن فقط! فيا ليت قومي يعلمون؛ ثم يعملون. وهؤلاء الوافدون عندنا هم بشر لهم حقوق البشر والإنسانية، ويجب علينا احترامهم ومعاملة الواحد منهم كإنسان كامل الإنسانية، ولا نسلبه إنسانيته أو ننتقصه فقط لأنه لم يقدر له أن يكون سعوديا. ولتسأل نفسك كيف أصبحت سعوديا؟ هل هو بكسب يدك أم هو فضل الله ومنته عليك؟ أعلم أن كلامي قد لا يروق لكثيرين ويصادم التوجه العام والرأي السائد في مجتمعنا الحبيب؛ لكني آمل أن نقرأ ونتمعن في هذه المعاني المطروحة والنظر بعين الشرع والعقل والحكمة، ولا تأخذنا العزة والعصبية في التعامل مع هذه المسألة الحساسة والمهمة جدا في حياتنا العملية والمجتمعية. وفق الله الجميع لاتباع الحق والعمل به والسداد في القول والعمل.