متى تسقط الحضارات؟
السبت / 16 / شعبان / 1443 هـ - 21:59 - السبت 19 مارس 2022 21:59
في ظل تصاعد وتيرة الحرب الروسية الأوكرانية وموقف الغرب اللاأخلاقي من تداعياتها الإنسانية والقيمية، التي كشف فيها عن ملمح عنصري مقيت، حيث لم يتردد بعض المعلقين عن كشف مكنون موقفهم المساند لأوكرانيا لمجرد أن الأوكرانيين ينتمون للعرق الأوروبي الأبيض، ثم كان انحيازهم جملة لدعم هذه الأفكار العنصرية وصولا إلى عدم ترحيبهم بقدوم لاجئين ملونين من أوكرانيا.
ناهيك عن وضوح حالة الازدواجية المهولة في المعايير، فما هو حق لهم، باطل لغيرهم، وما يجب أن يقوم به الآخر، ليس واجبا عليهم، ومن ذلك تبنيهم للحرية الإعلامية كمبدأ أعلوا من شأنه، واتخذوه سلاحا في محاربة خصومهم، ثم إذا مسهم الأمر، تخلوا عن هذا المبدأ وغيره بسهولة، فكان أن تواطؤوا على قطع وسائل الإعلام الروسية في مختلف منصات وسائط التواصل الاجتماعي التي من المفترض أن تكون غير حكومية، لكنها وبأمر غير أخلاقي بادرت تلك الوسائط الإعلامية إلى الاستجابة وقطعت حضور وسائل الإعلام الروسية عن الظهور في منصاتها، وحتما فذلك سقوط أخلاقي لا يغتفر.
أمام هذه التداعيات أخذت أتساءل عن عوامل سقوط الحضارات؟ وكيف تنزلق إلى حافة الهاوية؟ وأدركت بأن عدم التزامها بقانون البقاء الحضاري كان ولا يزال سببا رئيسا في سقوطها، ذلك القانون الذي عبر عنه الله بقوله تعالى {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}، وكنت قد كتبت مقالا في هذه الصحيفة أبنت فيه صفات عباد الله الصالحين الذين كتب الله أن يرثوا الأرض، وجعلهم مستخلفين فيها، وكانت الحضارة الغربية إلى نهاية القرن العشرين الميلادي محققة للشروط بقيمها المعلنة والمنفذة، إذ كانت ساعية إلى تعزيز مفهوم وسلوك الخيرية بالجملة، في مقابل تيه عديد من الحضارات عن ذلك، ووقوع مجتمعاتها في أتون سلطة مستبدة، كما هو الحال مع مجاميع منتمية للحضارة المشرقية جملة.
على أن ذلك قد أخذ في التلاشي كليا مع ابتداء الألفية الثالثة، حيث وضح تخلي المجتمع الغربي عن مضامين قيم الحرية والعدالة والمساواة، وأخذت مفاهيم العنصرية العرقية المشبعة بمنطلقات نازية في الانتشار بين ظهرانيهم، وهو ما وضح في تداعيات أزمة الحرب بين روسيا وأوكرانيا. فبالرغم من انتماء الروس للعرق الأبيض، إلا أن ذلك لم يكن شفيعا لهم في العقل الغربي الحاكم مجتمعيا وإعلاميا وحتى سياسيا، فكان النظر إليهم بدونية عرقية في مقابل الإعلاء من شأن الأوكرانيين الأوروبيين.
في هذا السياق وبحكم انتمائي لحقل التاريخ الفلسفي، أجدني ميالا إلى مبادئ ومفاهيم التفسير الحضاري لقراءة الواقعة السياسية، وفي ذلك فيهتم أصحاب التفسير الحضاري بتتبع نشأة وتكوين الحضارات الكونية، لاعتقادهم بالتشابه بين بعضها البعض، ويأتي على رأس هذه المدرسة المفكر والمؤرخ نيقولاي دانيفلفزكي المتوفى سنة 1885م الذي يرى بأن التاريخ الإنساني مكون من نماذج ثقافية مختلفة، تحتفظ كل منها بخصائص وسمات أهلتها لأن يكون لها دور في تقدم الإنسانية، وتتميز كل منها عن الأخرى بفكرة مغايرة أسهمت في نشر ثقافتها، وعليه فإنه يرى بأن الثقافة اليونانية قد ارتكزت فكرتها على الإدراك الحسي، من واقع حرصهم على إبراز الجماليات الفنية المحسوسة بالمجسمات والتماثيل المتعددة، في حين اهتمت الحضارة الرومانية بسيادة القانون واستتباب النظام السياسي، وفي المقابل فقد سيطرت قاعدة الخيرية على نشأة الحضارة الصينية بحيث جعلتها تفي بتحقيق منفعة الخير، ومالت الحضارة الهندية للغموض والخيال، وهكذا. والسؤال: إلى أي قيمة تنتمي إليه الحضارة الغربية؟
في يقيني أن قيمة الدفاع عن الحقوق التي من شأنها إعلاء عناوين رئيسة وهي الحرية والعدالة والمساواة، كانت هي المشكلة لوعي وإدراك ومضامين المجتمع الغربي بالجملة، ولا يعني ذلك أن أفراد مجتمعاتهم كانوا مثاليين، لكنهم كانوا يمثلون الفكرة ونقيضها كما يقول الفيلسوف هيجل، وبالتالي فحالة الصراع الإيجابي قائمة بين الخير والشر، وكلما كانت قيم الخير هي الأعلى بسبب كثرة المساندين لها، كلما كانت الحضارة في أعلى رفعتها التي يجب.
ولذلك فحين اختل الميزان مؤخرا، وصار طبيعيا أن نرى الشواذ يتقلدون مناصب رسمية عالية معلنين شذوذهم، وتخلى المجتمع عن منظومة قيمه المعلنة، فلا غرابة أن نشهد مؤخرا تداعيات سقوط حضارتهم، وظهور حضارات أخرى بديلة، فقطار الحضارة لن يتوقف عند أمة أو زمن. إنها {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا}.
zash113@
ناهيك عن وضوح حالة الازدواجية المهولة في المعايير، فما هو حق لهم، باطل لغيرهم، وما يجب أن يقوم به الآخر، ليس واجبا عليهم، ومن ذلك تبنيهم للحرية الإعلامية كمبدأ أعلوا من شأنه، واتخذوه سلاحا في محاربة خصومهم، ثم إذا مسهم الأمر، تخلوا عن هذا المبدأ وغيره بسهولة، فكان أن تواطؤوا على قطع وسائل الإعلام الروسية في مختلف منصات وسائط التواصل الاجتماعي التي من المفترض أن تكون غير حكومية، لكنها وبأمر غير أخلاقي بادرت تلك الوسائط الإعلامية إلى الاستجابة وقطعت حضور وسائل الإعلام الروسية عن الظهور في منصاتها، وحتما فذلك سقوط أخلاقي لا يغتفر.
أمام هذه التداعيات أخذت أتساءل عن عوامل سقوط الحضارات؟ وكيف تنزلق إلى حافة الهاوية؟ وأدركت بأن عدم التزامها بقانون البقاء الحضاري كان ولا يزال سببا رئيسا في سقوطها، ذلك القانون الذي عبر عنه الله بقوله تعالى {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}، وكنت قد كتبت مقالا في هذه الصحيفة أبنت فيه صفات عباد الله الصالحين الذين كتب الله أن يرثوا الأرض، وجعلهم مستخلفين فيها، وكانت الحضارة الغربية إلى نهاية القرن العشرين الميلادي محققة للشروط بقيمها المعلنة والمنفذة، إذ كانت ساعية إلى تعزيز مفهوم وسلوك الخيرية بالجملة، في مقابل تيه عديد من الحضارات عن ذلك، ووقوع مجتمعاتها في أتون سلطة مستبدة، كما هو الحال مع مجاميع منتمية للحضارة المشرقية جملة.
على أن ذلك قد أخذ في التلاشي كليا مع ابتداء الألفية الثالثة، حيث وضح تخلي المجتمع الغربي عن مضامين قيم الحرية والعدالة والمساواة، وأخذت مفاهيم العنصرية العرقية المشبعة بمنطلقات نازية في الانتشار بين ظهرانيهم، وهو ما وضح في تداعيات أزمة الحرب بين روسيا وأوكرانيا. فبالرغم من انتماء الروس للعرق الأبيض، إلا أن ذلك لم يكن شفيعا لهم في العقل الغربي الحاكم مجتمعيا وإعلاميا وحتى سياسيا، فكان النظر إليهم بدونية عرقية في مقابل الإعلاء من شأن الأوكرانيين الأوروبيين.
في هذا السياق وبحكم انتمائي لحقل التاريخ الفلسفي، أجدني ميالا إلى مبادئ ومفاهيم التفسير الحضاري لقراءة الواقعة السياسية، وفي ذلك فيهتم أصحاب التفسير الحضاري بتتبع نشأة وتكوين الحضارات الكونية، لاعتقادهم بالتشابه بين بعضها البعض، ويأتي على رأس هذه المدرسة المفكر والمؤرخ نيقولاي دانيفلفزكي المتوفى سنة 1885م الذي يرى بأن التاريخ الإنساني مكون من نماذج ثقافية مختلفة، تحتفظ كل منها بخصائص وسمات أهلتها لأن يكون لها دور في تقدم الإنسانية، وتتميز كل منها عن الأخرى بفكرة مغايرة أسهمت في نشر ثقافتها، وعليه فإنه يرى بأن الثقافة اليونانية قد ارتكزت فكرتها على الإدراك الحسي، من واقع حرصهم على إبراز الجماليات الفنية المحسوسة بالمجسمات والتماثيل المتعددة، في حين اهتمت الحضارة الرومانية بسيادة القانون واستتباب النظام السياسي، وفي المقابل فقد سيطرت قاعدة الخيرية على نشأة الحضارة الصينية بحيث جعلتها تفي بتحقيق منفعة الخير، ومالت الحضارة الهندية للغموض والخيال، وهكذا. والسؤال: إلى أي قيمة تنتمي إليه الحضارة الغربية؟
في يقيني أن قيمة الدفاع عن الحقوق التي من شأنها إعلاء عناوين رئيسة وهي الحرية والعدالة والمساواة، كانت هي المشكلة لوعي وإدراك ومضامين المجتمع الغربي بالجملة، ولا يعني ذلك أن أفراد مجتمعاتهم كانوا مثاليين، لكنهم كانوا يمثلون الفكرة ونقيضها كما يقول الفيلسوف هيجل، وبالتالي فحالة الصراع الإيجابي قائمة بين الخير والشر، وكلما كانت قيم الخير هي الأعلى بسبب كثرة المساندين لها، كلما كانت الحضارة في أعلى رفعتها التي يجب.
ولذلك فحين اختل الميزان مؤخرا، وصار طبيعيا أن نرى الشواذ يتقلدون مناصب رسمية عالية معلنين شذوذهم، وتخلى المجتمع عن منظومة قيمه المعلنة، فلا غرابة أن نشهد مؤخرا تداعيات سقوط حضارتهم، وظهور حضارات أخرى بديلة، فقطار الحضارة لن يتوقف عند أمة أو زمن. إنها {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا}.
zash113@