القدوة الحسنة
الخميس / 14 / شعبان / 1443 هـ - 17:59 - الخميس 17 مارس 2022 17:59
إنها كارثة بمعنى الكلمة ومصيبة لا نشعر بقدرها وضررها إلا بعد زمن طويل، وربما يصعب أو يستحيل تدارك آثارها على الأبناء أبدا، تلك الكارثة ألا وهي: إهمال الأبناء في الصغر والانشغال عنهم والتقصير في احتضانهم والقرب منهم ونقل الشعور بدفء العلاقة معهم. لقد كانت هذه الفجوة بين الآباء والأبناء سببا أساسيا في ضياع مستقبل الكثير من الشباب، وانهيار مشروع جيل محترم وإنسان له قيمة، وتحول ذلك إلى مشروع شاب مجرم أو إنسان فاشل بمعنى الكلمة.
فإن انشغال الأبوين عن أبنائهما وانشغالهما في حياتهما الخاصة والعملية وانقطاع التواصل المباشر عن أبنائهما مما يؤدي إلى بحث الأبناء عن أحد يهتم بهم وبدائل أخرى يستمدون منها التوجيه، ليعوضوا ما حرموا منه من حيث المودة والتقدير والثناء والصديق مما يجعل انخداعهم سهلا ميسورا، ويكون أثره مضمونا لصديق السوء الذي تمكن من الشاب واقتياده إلى طريق الانحراف، وهناك من ينصاع إلى الأفكار المتطرفة واقتيادهم إلى طريق الإرهاب والمخدرات من حيث الإدمان أو الاتجار.
ليس هذا فقط فهناك أسباب أخرى لانحراف الأبناء وهي الشخصيات التي تعرض على شاشات التلفزيون وغيرها من الوسائل أو الوسائط، تلعب الدور المؤثر في تشكيل القدوة أو النموذج لدى الأطفال، نظرا إلى قدرتها البالغة للتأثير فيهم، وذلك فيما يتعلق بالتقنيات الفنية العالية والجاذبة التي تستخدم أثناء تقديمها للأطفال، وبمختلف مراحلهم العمرية، حيث يندمج الشاب أو الطفل مع شخصية البطل داخل القصة التي يشاهدها، سواء كانت عبر شاشة التلفزيون، أو من خلال الألعاب الالكترونية التي تتطلب من الطفل المحرك لهذه اللعبة أن يقوم بدور البطل، الذي غالبا ما يمارس أعمالا عدوانية، أو أعمالا بعيدة كل البعد عن تمثيل القيم الإنسانية العليا حقا، إننا نعاني من عدم وجود قدوة للشباب توجههم وتحميهم، فأين دور مراكز الشباب والنوادي؟ إن الله -عز وجل- أرسل لنا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوة للناس فينبغي أن نحتذي به وأن نستقي من توجيهاته، وأن نسير على هديه. ولكي نستعيد القدوة فلا بد من بناء الأجيال الجديدة بفكر جديد واع منذ الصغر ويجب على الآباء والأمهات والمدرسين والمدرسات تحسين أنفسهم وأن يكونوا نموذجا للعالم الإنساني كله، فيجب أن نرجع إلى قيمنا ومثلنا وأخلاقنا ولن يكون إلا بعودة المثل والنموذج في كل مراحل التربية والنشء.
ومما لن أنساه أبدا ما قرأت عن كيف يمكن أن تكون القدوة كأب أو أم أو مدرس أو قائد عن طريق موقف تتعلمه وتستخلص منه خبرة أو عظة أو قيمة إنسانية... هذا هو ما حدث لشارلي شابلن «في أحد الأيام عندما كنت صبيا ذهبت بصحبة والدي لمشاهدة عرض للسيرك، وحين كنا واقفين في صف قطع التذاكر كانت أمامنا عائلة واقفة بانتظار دورها في قطع التذاكر، كانوا ستة أولاد وأمهم وأباهم، كان الفقر باديا عليهم من ملابسهم القديمة وإن كانت نظيفة، كان الأولاد فرحين جدا وهم يتحدثون عن السيرك وعن الحركات والألعاب التي سوف يشاهدونها، وبعد أن جاء دورهم لقطع التذاكر تقدم الأب وقال للشخص المسؤول عن بيع التذاكر: لطفا أعطني ست تذاكر أطفال واثنتين للكبار، أجابه الرجل بكلمة حاضر وأبلغه بتكلفة التذاكر، فسأله الأب عفوا قلت كم؟ فأعاد عليه الرجل.. هنا تلعثم الأب وأخذ يهمس في أذن زوجته حينها أخرج والدي عملة ورقية فئة عشرين دولارا ورماها على الأرض وبعدها انحنى ورفعها ووضع يده على كتف الرجل وقال له لقد سقطت منك هذه النقود، نظر الرجل في عين والدي وقال له شكرا سيدي وعيناه مليئتان بالدموع، حيث كان مضطرا لأخذ المبلغ لكي لا يحرج أمام أبنائه.. ودخلوا قبلنا العرض.. قام أبي بسحب يدي وتراجع من الطابور، ومنذ ذلك اليوم وأنا فخور جدا بأبي وكان ذلك العرض أجمل عرض للسيرك وإن كنت لم أره».
في رأيي أن تلك هي القدوة.. قدوة حسنة تتعلمها من المواقف وتشعر بها على أرض الواقع، إن السلوك الذي يعتمده الأب والأم وأي شخص على قدر المسؤولية التي يحملها في حياتهما اليومية، ولا سيما مع الأبناء أنفسهم، فضلا عن تصرفاتهما وسلوكهما مع بقية أفراد المجتمع، من أهل وأصدقاء وغيرهم، هو عبارة عن معايشة يومية لهما، تقدم للأبناء الطريقة والأسلوب الأمثل -باعتقاد الأبناء- والكافي لتقليده، لذا علينا كأهل أن ننتبه لسلوكياتنا في أقوالنا وأفعالنا.
على الأهل أن يحرصوا على أن يرى فيهم الأولاد صدق المواقف والتربية، فقد نرى كثيرا أن الأهل يمنعون أولادهم من رؤية فيلم على التلفزيون لأنه غير أخلاقي، ولكن عندما يرى الأولاد أن آباءهم يحضرون هذه الأفلام مثلا، فسوف يكون كلامهم كالهباء المنثور، ليس له أي وقع في نفوسهم، وبالتالي، عندما تغيب عين الأهل عنهم، سوف يحضرون هذه الأفلام، مبررين ذلك بأنها لو كانت حراما لما فعلها أهلهم. على الأهل أن يراعوا هذه النقطة أشد المراعاة، لأن شاشات التلفزيون أصبحت رفيق كل بيت يدخل بيوتنا من غير استئذان، فكما تحرص أيها الأب على أن تختار لابنك أصدقاءه خوفا من الفلتان، فاختر لولدك الشاشة الملتزمة، وكن صادقا في فعلك وقولك، ليس ذلك فقط، إنما مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت عائقا بين الأسرة والأبناء والتي تشكل معظم سلوكيات الأبناء الآن. يعيش الشباب الآن حالة من الانفلات الأخلاقي والاستخفاف بالقيم والتقاليد، وغابت القدوة أو المثل الأعلى في كل المجالات، في التعليم والثقافة والسياسة، مما جعلهم أسيرين للمواقع وشات التواصل الاجتماعي على شاشة الإنترنت.
إن غياب القدوة الحسنة من أخطر الأمور التي تهدد استقرار وبناء المجتمعات، فيجب أن نقدم نماذج القدوة على كافة الأصعدة لينشأ الجیل الجدید متأثرا بنماذج إيجابية. لنبدأ بالأب والأم والمدرس وكل من هو في موقع مسؤولية؛ لنساعد الشباب لاختيار من هم أفضل لنكون أولا قدوة حسنة لأنفسنا حتى نستطيع أن نكون قدوة حسنة لهم، لنبدأ بأنفسنا أولا، نحتاج القدوة الحسنة في مجتمعنا، فكلما زادت كلما قل الفساد ونهض المجتمع، ونبذ صاحب السلوك السيئ، فليس هناك بين البشر من هو قدوة في كل شيء سوى النبي محمد، والذي جمع كل الخصال الحميدة، ولكن في المجتمع هناك من هو قدوة في الخير ومن هو قدوة في الشر، وعلينا البحث عن القدوة في الخير لجلب الخير. إن مجتمعنا مليء بالقدوات، ولكن حتى يختار الشخص القدوة الحسنة عليه اختيار الشخص حسن الصلاح.
@AliaaHu36898956