قمح وأفوكادو
الاثنين / 4 / شعبان / 1443 هـ - 22:40 - الاثنين 7 مارس 2022 22:40
كتبت في المقال السابق عن أهمية الأمن الغذائي وتفاقم المخاطر وتوفر المحاصيل الاستراتيجية، خاصة بالمنطقة العربية والشرق الأوسط وما تعانيه من جفاف وتدهور أراض وصراعات سياسية.
وأهمية التركيز على بناء التوجهات والسياسات الزراعية الفاعلة بما لا يغفل الأمن الغذائي خلال الأزمات العالمية وتحقيق الاكتفاء النسبي والتركيز على المحاصيل الاستراتيجية، وزيادة الاستفادة من الأراضي الزراعية محدودة المساحة والمزايا النسبية وتوفر المياه بما ينسجم مع البيئة. أمور بالغة الحساسية ومعقدة.
يجب عدم الركون إلى وفرة السيولة المالية التي لا تعني دوما القدرة على توفير الاحتياجات الغذائية وقت الأزمات. كما يحدث الآن من خطر يواجه الوفرة الغذائية من القمح وغيره من روسيا وأوكرانيا.
ويتحتم على الشرق الأوسط على النطاقين المحلي والإقليمي بعد النظر والبصيرة في التخطيط الزراعي والأمن الغذائي والمائي والاقتصادي والبيئي والموازنة بينهم، فمثلا يعاني القطاع الزراعي بالمنطقة العربية من تقلص المساحات الزراعية وشح المياه وزراعة محاصيل ثانوية والتوسع غير المقنن وعزوف بعض المزارعين عن إنتاج محاصيل استراتيجية أو غياب السياسات والتشريعات الممكنة.
ليس الموضوع أكواما من الورق بل سياسة منهجية متكاملة تنطبق على أرض الواقع، وتحديد الوضع الزراعي والخصائص الجغرافية والقيمة الاقتصادية، ومن بعد النظر تغليب المصالح المحلية والوطنية والإقليمية عن توصيات صندوق النقد الدولي أو منظمة التجارة العالمية.
فتغطية نقص احتياجات العالم من بعض المحاصيل؛ للأسف سياسة تجارية عالمية ليست عادلة بطبيعة الحال ولا تراعى إلا أنماط الاستهلاك، تزيد من خطر العجز الغذائي بالعالم وتعرض دولا للتصحر بإزالة الغابات أو اختيار محاصيل لا تتناسب مع قدرات الموارد الأرضية كقلة المياه وتؤثر على خصوبة التربة وزراعة محاصيل مكلفة مائيا مقابل الحصول على الربح المالي محدود النفع بأضرار جمة للنظام الأيكولوجي. وأيضا يعرض بعض الدول النامية والفقيرة لخلخلة استقرارها وأمنها.
من الضرورة تنويع التركيب المحصولي وفق سيل من العوامل وعدم إغفال زراعة المحاصيل الاستراتيجية التي تستطيع الموارد الأرضية الجودة بها وإنتاجها وزراعتها دون الأضرار بالنظام الأيكولوجي ووفرة المياه ونوعية التربة وتقييم دورات المحاصيل والاختلافات الموسمية، وحساب الاحتياجات المائية لها خلال فصلي الشتاء والصيف والطقس وطرق الري والابتعاد عن الري بالغمر.
للتوضيح المحاصيل الاستراتيجية واسعة الاستخدام التي لا يمكن الاستغناء عنها: القمح، الأرز، الشعير، الذرة، الشوفان.. إلخ، حسب الثقافة والتراث الغذائي بالدول فمثلا أوروبا تعتمد البطاطس بدل الأرز بما يتناسب مع ثقافتها.
لتبسيط المفاهيم ساحل العاجل تنتج ثلث الكاكاو بالعالم الذي يصدر لاحقا بقوالب فاخرة من دول أوروبا بأضعاف الأثمان، في حال ارتفاع قيمة الحبوب الرئيسة كالقمح وغيره وانخفاض المخزون العالمي لأي سبب كان، هل ينفعها الكاكاو لتحقيق أمنها الغذائي؟ أو المكسيك وهي أعلى الدول إنتاجا للأفوكادو هل سينهار النظام الغذائي بعدم وجوده على مائدة الطعام؟!
البرازيل من أكبر المنتجين للبن لو توقفت عن تصدير البن وضربتها موجات من الجفاف هل ستشهد الدول الأكثر استهلاكا أحداث شغب؟! ربما ستشاهد أمزجة سيئة!
لكن لو توقفت الهند عن إنتاج الأرز مثلا بسبب الجفاف والتغير المناخي أو لغيره من الأسباب، سيكون حجم التأثر العالمي كبيرا ولن ينحصر بالأضرار على النطاق المحلي.
هل ينفع نيجيريا انشغالها بالنفط عن تطوير قدراتها الزراعية؟ ما حجم تضرر فنزويلا النفطية من تردي الاقتصاد وشح الغذاء واعتمادها الكامل على الاستيراد؟
الأمن الغذائي ومراعاة البعد الاقتصادي والبيئي والتقليل من الفقد والهدر أولوية إقليمية.
ومما يدل على أهمية الزراعة خلال أزمة كورونا وامتداد الحجر الصحي بعدد من الدول، ساهمت وفرة المنتجات الزراعية المحلية بفصلي الربيع والخريف بين شهر 3 – 9 حيث تنخفض الحرارة وينشط السوق المحلي للخضروات.
في حين لو كان الحجر صيفا لكان الأثر أبلغ ظهورا على كمية المنتجات وارتفاع أسعارها.
الأمن الغذائي جزء من الأمن والسيادة وقضية حياة؛ والتحدي باستدامة الإنتاج الزراعي بما يتكامل مع الموضع الجغرافي والمناخي والأمن المائي واستعادة خصوبة التربة؛ فالأراضي الزراعية المنتجة ثروة وفقدها خسارة لها آثار بيئية واجتماعية واقتصادية وسياسية.
ومن المهم حل الإشكاليات الزراعية كانخفاض خصوبة التربة وارتفاع مدخلات الإنتاج والتسويق وانخفاض الجدوى الاقتصادية لبعض المحاصيل ..إلخ، وتراجع القيمة الربحية أحد محددات الإنتاج الزراعي فمثلا إغراق الأسواق بمنتجات مستوردة يؤدي إلى زيادة كمية المعروض الذي يؤدي إلى انخفاض السعر وتدني الهامش الربحي.
لا حصر للتحديات ومن أهمها تحقيق التناغم بين الأداء الاقتصادي والبيئي، فالاقتصاد والبيئة كثيرا ما يتعارضان مما يحتم ضرورة أن تغير الدول سياستها وتقيم تأثيراتها بما يضمن الاستفادة الأمثل من الأراضي، والسيطرة على الخسائر في الإنتاج من الفقد؛ فمع كل التحديات التي تواجهنا في الإنتاج فهناك الفقد والهدر ولابد من الحد منه في كل مراحل سلاسل الأغذية من المزرعة إلى المائدة.
قال تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
وأهمية تبني تدابير تحد من الفاقد والمهدر من الأغذية وتشجيع مشاريع تعزز زيادة الوعي بآثارهما ووسائل الحد منهما وتشجيع الجهات القائمة بالتشغيل في قطاع أعمال الأغذية وتجارتها والمطاعم للتبرع مع وضع خطوط توجيهية بشأن سلامة التبرعات والحد من الهدر.
أختم: شارك بدورك في تخفيض الأغذية المهدرة إلى النصف.
AlaLabani_1@
وأهمية التركيز على بناء التوجهات والسياسات الزراعية الفاعلة بما لا يغفل الأمن الغذائي خلال الأزمات العالمية وتحقيق الاكتفاء النسبي والتركيز على المحاصيل الاستراتيجية، وزيادة الاستفادة من الأراضي الزراعية محدودة المساحة والمزايا النسبية وتوفر المياه بما ينسجم مع البيئة. أمور بالغة الحساسية ومعقدة.
يجب عدم الركون إلى وفرة السيولة المالية التي لا تعني دوما القدرة على توفير الاحتياجات الغذائية وقت الأزمات. كما يحدث الآن من خطر يواجه الوفرة الغذائية من القمح وغيره من روسيا وأوكرانيا.
ويتحتم على الشرق الأوسط على النطاقين المحلي والإقليمي بعد النظر والبصيرة في التخطيط الزراعي والأمن الغذائي والمائي والاقتصادي والبيئي والموازنة بينهم، فمثلا يعاني القطاع الزراعي بالمنطقة العربية من تقلص المساحات الزراعية وشح المياه وزراعة محاصيل ثانوية والتوسع غير المقنن وعزوف بعض المزارعين عن إنتاج محاصيل استراتيجية أو غياب السياسات والتشريعات الممكنة.
ليس الموضوع أكواما من الورق بل سياسة منهجية متكاملة تنطبق على أرض الواقع، وتحديد الوضع الزراعي والخصائص الجغرافية والقيمة الاقتصادية، ومن بعد النظر تغليب المصالح المحلية والوطنية والإقليمية عن توصيات صندوق النقد الدولي أو منظمة التجارة العالمية.
فتغطية نقص احتياجات العالم من بعض المحاصيل؛ للأسف سياسة تجارية عالمية ليست عادلة بطبيعة الحال ولا تراعى إلا أنماط الاستهلاك، تزيد من خطر العجز الغذائي بالعالم وتعرض دولا للتصحر بإزالة الغابات أو اختيار محاصيل لا تتناسب مع قدرات الموارد الأرضية كقلة المياه وتؤثر على خصوبة التربة وزراعة محاصيل مكلفة مائيا مقابل الحصول على الربح المالي محدود النفع بأضرار جمة للنظام الأيكولوجي. وأيضا يعرض بعض الدول النامية والفقيرة لخلخلة استقرارها وأمنها.
من الضرورة تنويع التركيب المحصولي وفق سيل من العوامل وعدم إغفال زراعة المحاصيل الاستراتيجية التي تستطيع الموارد الأرضية الجودة بها وإنتاجها وزراعتها دون الأضرار بالنظام الأيكولوجي ووفرة المياه ونوعية التربة وتقييم دورات المحاصيل والاختلافات الموسمية، وحساب الاحتياجات المائية لها خلال فصلي الشتاء والصيف والطقس وطرق الري والابتعاد عن الري بالغمر.
للتوضيح المحاصيل الاستراتيجية واسعة الاستخدام التي لا يمكن الاستغناء عنها: القمح، الأرز، الشعير، الذرة، الشوفان.. إلخ، حسب الثقافة والتراث الغذائي بالدول فمثلا أوروبا تعتمد البطاطس بدل الأرز بما يتناسب مع ثقافتها.
لتبسيط المفاهيم ساحل العاجل تنتج ثلث الكاكاو بالعالم الذي يصدر لاحقا بقوالب فاخرة من دول أوروبا بأضعاف الأثمان، في حال ارتفاع قيمة الحبوب الرئيسة كالقمح وغيره وانخفاض المخزون العالمي لأي سبب كان، هل ينفعها الكاكاو لتحقيق أمنها الغذائي؟ أو المكسيك وهي أعلى الدول إنتاجا للأفوكادو هل سينهار النظام الغذائي بعدم وجوده على مائدة الطعام؟!
البرازيل من أكبر المنتجين للبن لو توقفت عن تصدير البن وضربتها موجات من الجفاف هل ستشهد الدول الأكثر استهلاكا أحداث شغب؟! ربما ستشاهد أمزجة سيئة!
لكن لو توقفت الهند عن إنتاج الأرز مثلا بسبب الجفاف والتغير المناخي أو لغيره من الأسباب، سيكون حجم التأثر العالمي كبيرا ولن ينحصر بالأضرار على النطاق المحلي.
هل ينفع نيجيريا انشغالها بالنفط عن تطوير قدراتها الزراعية؟ ما حجم تضرر فنزويلا النفطية من تردي الاقتصاد وشح الغذاء واعتمادها الكامل على الاستيراد؟
الأمن الغذائي ومراعاة البعد الاقتصادي والبيئي والتقليل من الفقد والهدر أولوية إقليمية.
ومما يدل على أهمية الزراعة خلال أزمة كورونا وامتداد الحجر الصحي بعدد من الدول، ساهمت وفرة المنتجات الزراعية المحلية بفصلي الربيع والخريف بين شهر 3 – 9 حيث تنخفض الحرارة وينشط السوق المحلي للخضروات.
في حين لو كان الحجر صيفا لكان الأثر أبلغ ظهورا على كمية المنتجات وارتفاع أسعارها.
الأمن الغذائي جزء من الأمن والسيادة وقضية حياة؛ والتحدي باستدامة الإنتاج الزراعي بما يتكامل مع الموضع الجغرافي والمناخي والأمن المائي واستعادة خصوبة التربة؛ فالأراضي الزراعية المنتجة ثروة وفقدها خسارة لها آثار بيئية واجتماعية واقتصادية وسياسية.
ومن المهم حل الإشكاليات الزراعية كانخفاض خصوبة التربة وارتفاع مدخلات الإنتاج والتسويق وانخفاض الجدوى الاقتصادية لبعض المحاصيل ..إلخ، وتراجع القيمة الربحية أحد محددات الإنتاج الزراعي فمثلا إغراق الأسواق بمنتجات مستوردة يؤدي إلى زيادة كمية المعروض الذي يؤدي إلى انخفاض السعر وتدني الهامش الربحي.
لا حصر للتحديات ومن أهمها تحقيق التناغم بين الأداء الاقتصادي والبيئي، فالاقتصاد والبيئة كثيرا ما يتعارضان مما يحتم ضرورة أن تغير الدول سياستها وتقيم تأثيراتها بما يضمن الاستفادة الأمثل من الأراضي، والسيطرة على الخسائر في الإنتاج من الفقد؛ فمع كل التحديات التي تواجهنا في الإنتاج فهناك الفقد والهدر ولابد من الحد منه في كل مراحل سلاسل الأغذية من المزرعة إلى المائدة.
قال تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
وأهمية تبني تدابير تحد من الفاقد والمهدر من الأغذية وتشجيع مشاريع تعزز زيادة الوعي بآثارهما ووسائل الحد منهما وتشجيع الجهات القائمة بالتشغيل في قطاع أعمال الأغذية وتجارتها والمطاعم للتبرع مع وضع خطوط توجيهية بشأن سلامة التبرعات والحد من الهدر.
أختم: شارك بدورك في تخفيض الأغذية المهدرة إلى النصف.
AlaLabani_1@