(العدو على الأبواب)
السبت / 2 / شعبان / 1443 هـ - 20:27 - السبت 5 مارس 2022 20:27
العنوان بعاليه اسم أحد الأفلام المشهورة والذي تناول حصار ستالينغراد إبان الحرب العالمية الثانية، صوّرت أحداث هذا الفيلم صراعا مباشرا بين قناصين، أحدهما روسي ويدعى فاسيلي زايتسيف والآخر ألماني واسمه إرفين كونيج.
الفيلم يذكرنا بضراوة تلك الحرب وبشاعتها، متضمنا تلك الصرعات والصراعات الإنسانية والسياسية والعسكرية التي تدور أحداثها تباعا في نسق درامي فريد، وفيه يتضح تأثير الإعلام الحربي في الأزمات وقدرته على صناعة رموز قومية تسهم في تدعيم الروابط الوطنية وزيادة مستوى اللحمة الداخلية لأي أمة وخاصة في أزمنة الكوارث والمحن والحروب.
عند استدعاء قصة هذا الفيلم الذي ما زلت أذكر جيدا أحداثه، وكيف كان يحكي صورة غزاة ألمان معتدين وشعب روسي يعاني مرارات القهر والحرب ليدافع عن أرضه، وقبل ذلك وجوده، نلحظ اليوم تكرار الصورة ذاتها، وإن انعكست وجهتها، كونها هذه المرة من الشرق إلى الغرب، عكس الصورة الأولى وإن بقي توجهها واحد، وهو السيطرة على الآخر والإمعان في ظلمه وقهره.
اليوم روسيا تدك أوكرانيا في خطوة كنت من المؤمنين بعدم حصولها معتمدا في تحليلي على سلسلة من الأحداث التاريخية السابقة التي أخذت القطبين العالميين في مناسبات عديدة إلى ذروة المواجهة وقمة التوتر إلا أن الوصول إلى التسوية كان مآلا حتميا لكل تلك الأزمات، واليوم روسيا البوتينية تعيد كتابة التاريخ من جديد وتعيد استنساخ بعض صوره المأساوية من خلال غزوها لجارتها الأضعف أوكرانيا، تلك الدولة التي كانت رقما صعبا على مستوى السلاح النووي إلا أنها جردت منه بمباركة غربية في التسعينيات الميلادية من القرن الماضي!
العالم الغربي يعيش حالة من الاستنفار لمواجهة روسيا، ويبدو أن الأمريكان ومن خلال ماكينتهم الإعلامية الضخمة قد عبدوا الطريق لكل المشاعر الواجب حضورها في مثل هذه المنعطفات، والتي ستؤدي في النهاية إلى حالة من الاصطفاف خلف المثل والقيم الغربية المعلبة، والتي تروّج وتسوق بصورة أكبر، زمن الأزمات والحروب، والأوكرانيون وضعتهم الظروف وربما الحسابات الخاطئة في مواجهة غير متكافئة مع الجارة العظمى روسيا، هذه المواجهة يفترض أن ساستها كانوا يتوقعون حدوثها قبل أن تقع، لكن آمالهم في الغرب خذلتهم حتى الآن، كون هذا العالم قد اكتفى بسلسلة من العقوبات التي لا تعني شيئا في حسابات الربح والخسارة الأممية، فشتان بين دولة تبتلع دولة بحجم أوكرانيا وتستفيد من مقدراتها الكبيرة والآخرون يكتفون بالعقوبات كوسيلة تثبت غضبهم وتجسد موقفهم الأخلاقي والعملي حتى الآن!
الروس أمام تحد كبير، وآلتهم العسكرية تخوض حربا لم تبدأ خسائرها الفادحة بعد، كون الغرب ينتظر حالة التموضع الروسية القادمة ليستفيد منها، والتي ستبدأ بإعلان سقوط الدولة الأوكرانية وهو ما يعرف بالاحتلال العسكري، لتبدأ بعد ذلك معاناة الروس المتوقعة في مرحلة ما يعرف بالسيطرة وممارسة سيادة الدولة على هذه الأرض الجديدة التي لن تخضع بسهولة وربما تؤول الأمور لما يتمناه الغرب المتربص، لتكون أوكرانيا اليوم الإصدار الأفغاني الجديد لروسيا العظمى الجديدة!
في العدو على الأبواب، كان أحد المشاهد الأخيرة في الفيلم أكثرها إثارة ومفارقة، فقد ضحى خبير الإعلام الحربي المحنك دانيلوف بحياته، تضحية لم تكن لبلاده ولا لمفاهيم الشيوعية والاشتراكية التي كان يدافع عنها على صفحات جريدته، بل كانت لذكرى حبيبته تانيا التي لم تحبه قط، ووفاء لحبها وخذلانها معا، اختار طائعا أن يكون في مرمى نيران القناص الألماني الذي اصطاده بإحدى طلقاته القاتلة، ليمهد الطريق لفاسيلي الأسطورة الروسية التي صنعها دانيلوف نفسه لينهي حكاية القناص الألماني وألمانيا الغازية، والذي بموته بدأت سيرة فخار روسي كان فاسيلي أحد علاماتها ومعالمها، فانعكست لاحقا على الفكرة الشيوعية ومبادئها. المفارقة الأخرى أن فاسيلي لاحقا وجد تانيا حبيبته التي أحبها رفيقه دانيلوف، وبهذا فاز فاسيلي بقلب تانيا، وخسرت القضية المزعومة دانيلوف الذي لم يكن يؤمن بها أصلا كما لم تؤمن به حبيبته التي لم تبادله الحب لتعيش معه الألم والأمل!
ويبقى السؤال الأخير، إذا كانت كييف اليوم هي ستالينغراد الأمس، فمن هو فاسيلي أوكرانيا الجديد، ومن هي تانيا، ومن هو دانيلوف صانع الإعلام، كل ذلك من أجل أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء ويعيد التاريخ نفسه ليعاد إصدار تلك الدراما الدموية من جديد؟
alaseery2@
الفيلم يذكرنا بضراوة تلك الحرب وبشاعتها، متضمنا تلك الصرعات والصراعات الإنسانية والسياسية والعسكرية التي تدور أحداثها تباعا في نسق درامي فريد، وفيه يتضح تأثير الإعلام الحربي في الأزمات وقدرته على صناعة رموز قومية تسهم في تدعيم الروابط الوطنية وزيادة مستوى اللحمة الداخلية لأي أمة وخاصة في أزمنة الكوارث والمحن والحروب.
عند استدعاء قصة هذا الفيلم الذي ما زلت أذكر جيدا أحداثه، وكيف كان يحكي صورة غزاة ألمان معتدين وشعب روسي يعاني مرارات القهر والحرب ليدافع عن أرضه، وقبل ذلك وجوده، نلحظ اليوم تكرار الصورة ذاتها، وإن انعكست وجهتها، كونها هذه المرة من الشرق إلى الغرب، عكس الصورة الأولى وإن بقي توجهها واحد، وهو السيطرة على الآخر والإمعان في ظلمه وقهره.
اليوم روسيا تدك أوكرانيا في خطوة كنت من المؤمنين بعدم حصولها معتمدا في تحليلي على سلسلة من الأحداث التاريخية السابقة التي أخذت القطبين العالميين في مناسبات عديدة إلى ذروة المواجهة وقمة التوتر إلا أن الوصول إلى التسوية كان مآلا حتميا لكل تلك الأزمات، واليوم روسيا البوتينية تعيد كتابة التاريخ من جديد وتعيد استنساخ بعض صوره المأساوية من خلال غزوها لجارتها الأضعف أوكرانيا، تلك الدولة التي كانت رقما صعبا على مستوى السلاح النووي إلا أنها جردت منه بمباركة غربية في التسعينيات الميلادية من القرن الماضي!
العالم الغربي يعيش حالة من الاستنفار لمواجهة روسيا، ويبدو أن الأمريكان ومن خلال ماكينتهم الإعلامية الضخمة قد عبدوا الطريق لكل المشاعر الواجب حضورها في مثل هذه المنعطفات، والتي ستؤدي في النهاية إلى حالة من الاصطفاف خلف المثل والقيم الغربية المعلبة، والتي تروّج وتسوق بصورة أكبر، زمن الأزمات والحروب، والأوكرانيون وضعتهم الظروف وربما الحسابات الخاطئة في مواجهة غير متكافئة مع الجارة العظمى روسيا، هذه المواجهة يفترض أن ساستها كانوا يتوقعون حدوثها قبل أن تقع، لكن آمالهم في الغرب خذلتهم حتى الآن، كون هذا العالم قد اكتفى بسلسلة من العقوبات التي لا تعني شيئا في حسابات الربح والخسارة الأممية، فشتان بين دولة تبتلع دولة بحجم أوكرانيا وتستفيد من مقدراتها الكبيرة والآخرون يكتفون بالعقوبات كوسيلة تثبت غضبهم وتجسد موقفهم الأخلاقي والعملي حتى الآن!
الروس أمام تحد كبير، وآلتهم العسكرية تخوض حربا لم تبدأ خسائرها الفادحة بعد، كون الغرب ينتظر حالة التموضع الروسية القادمة ليستفيد منها، والتي ستبدأ بإعلان سقوط الدولة الأوكرانية وهو ما يعرف بالاحتلال العسكري، لتبدأ بعد ذلك معاناة الروس المتوقعة في مرحلة ما يعرف بالسيطرة وممارسة سيادة الدولة على هذه الأرض الجديدة التي لن تخضع بسهولة وربما تؤول الأمور لما يتمناه الغرب المتربص، لتكون أوكرانيا اليوم الإصدار الأفغاني الجديد لروسيا العظمى الجديدة!
في العدو على الأبواب، كان أحد المشاهد الأخيرة في الفيلم أكثرها إثارة ومفارقة، فقد ضحى خبير الإعلام الحربي المحنك دانيلوف بحياته، تضحية لم تكن لبلاده ولا لمفاهيم الشيوعية والاشتراكية التي كان يدافع عنها على صفحات جريدته، بل كانت لذكرى حبيبته تانيا التي لم تحبه قط، ووفاء لحبها وخذلانها معا، اختار طائعا أن يكون في مرمى نيران القناص الألماني الذي اصطاده بإحدى طلقاته القاتلة، ليمهد الطريق لفاسيلي الأسطورة الروسية التي صنعها دانيلوف نفسه لينهي حكاية القناص الألماني وألمانيا الغازية، والذي بموته بدأت سيرة فخار روسي كان فاسيلي أحد علاماتها ومعالمها، فانعكست لاحقا على الفكرة الشيوعية ومبادئها. المفارقة الأخرى أن فاسيلي لاحقا وجد تانيا حبيبته التي أحبها رفيقه دانيلوف، وبهذا فاز فاسيلي بقلب تانيا، وخسرت القضية المزعومة دانيلوف الذي لم يكن يؤمن بها أصلا كما لم تؤمن به حبيبته التي لم تبادله الحب لتعيش معه الألم والأمل!
ويبقى السؤال الأخير، إذا كانت كييف اليوم هي ستالينغراد الأمس، فمن هو فاسيلي أوكرانيا الجديد، ومن هي تانيا، ومن هو دانيلوف صانع الإعلام، كل ذلك من أجل أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء ويعيد التاريخ نفسه ليعاد إصدار تلك الدراما الدموية من جديد؟
alaseery2@