هل زال الخطر أو ملَّ البشر
الثلاثاء / 28 / رجب / 1443 هـ - 22:21 - الثلاثاء 1 مارس 2022 22:21
قد يتعرض إنسان لأزمة أو موقف صعب في حياته وقد تتعرض جماعة أو قرية أو حتى منطقة بكاملها لمواقف صعبة في حياتها بل قد تمر دولة من دول العالم أو حتى محور من الدول للخطر والخوف والحرب والمرض وغير ذلك من الصعوبات التي خلق لها الإنسان وخلقت له.
أما أن يتعرض العالم كله في شرقه وغربه وغنيه وفقيره لأزمة واحدة وحالات صعبة تواجهه مجتمعة وتحدث في شهر واحد ولا تترك مهلة لأحد أن يفكر أو يتدبر.
وإذا الناس كافة في بوتقة ملتهبة وفي خطر داهم، ويواجهون حالة واحدة في كل مكان كما حدث منذ سنتين أو تزيد عندما انتشر وباء كورونا وعم كوكب الأرض ومن عليها فذلك هو الاستثناء الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ.
كانت المواجهة مع الوباء لا بد منها وكان الاختلاف في علاجها لابد منه أيضا وسرعة الوباء وانتشاره أربك الناس وأفقدهم ميزة التعاون في أول الأمر فاعتمدت كل دولة على جهودها الخاصة وواجهت المرض باجتهادات كثيرة اعتمد في أغلبها على أحكام الضرورة واللحظة التي تواجه الدولة.
ولكن ذلك لم يطل كثيرا حتى اجتمعت كلمة العالم ووحدته على مواجهة المرض بما يشبه الاتفاق على الحد الأدنى من التعاون بين البشر وهو العزل والحجر على الحركة وتوقف التواصل في الدولة الواحدة وفيما بين الدول.
هذا العزل والحجر والانقطاع كانت أثاره خطيرة على الاقتصاد وعلى التواصل الذي لا يستغني عنه على كل المستويات وكان مبدأ السلامة أولا قد غلب على ما سواه من علاقات وتواصل وما كانت تقوم عليه حياتهم وما يفضلونه في اجتماعاتهم لكن أصبح للصبر حدود وحريات الناس غالية.
ولعل الذين يواجهون أنظمة الدول بالعصيان والخروج على ما تسنه خوفا على حياتهم وطمعا بسلامتهم كما يحدث في فرنسا وكندا وغيرهما من الدول التي تواجه التحدي من العامة مما أجبر بعض الدول الغربية على رفع الاحتياطات والاحترازات الأمنية ورفع القيود على حرياتهم كما يقول المحتجون منهم، وما زال المرض فاشيا ومنتشرا بينهم ولكنهم قارنوا بين حالين سلامتهم وحريتهم.
لقد ملوا العزلة والحجر الذي فرضته الظروف الصعبة وملوا القيد الذي وضعته المؤسسات الصحية عليهم خوفا من انتشار المرض وشيوعه وقارنوا بين الخطر على سلامة السكان أو التنازل عن حريتهم ولو كان لصالحهم فاختاروا الحرية وواجهوا الأمر بالعصيان وهنا كانت قيمة الحرية الشخصية أعلى من كل قيمة مهما كانت التضحية في سبيلها ولو كان الموت هو الاحتمال الممكن للتمتع بفضاء الحرية.
الشعوب التي ذاقت طعم الحرية وعرفت أهمية أن يكون الإنسان حرا في إرادته وحرا في تصرفه لا تقبل البدائل عنها ولا تساوم عليها حتى ولو كانت المعادلة صعبة والخيار بين فقدان الحرية وسلامة النفس قائم، لقد غلب طلب الحرية عند الغربيين الحذر والسلامة وما المعارضة والمظاهرات التي تغص بها الشوارع هناك إلا دليل على أهمية الحرية عند القوم وقيمتها التي يعرفونها ولا يتنازلون عنها تلك تربيتهم وذاك شأنهم في الصحة والمرض وفي الحياة والموت.
Mtenback@