هل تنتشل «رافعة الدولة» المؤسسات الصحفية من بئر النسيان؟
السبت / 18 / رجب / 1443 هـ - 22:57 - السبت 19 فبراير 2022 22:57
تشرفت الأسبوع الماضي بتلبية دعوة «جمعية إعلاميون»، للمشاركة مع نخبة من المهتمين بالشأن الإعلامي من ممارسين وأكاديميين، في مساحة الجمعية على تويتر لبحث «مستقبل مؤسسات الإعلام التقليدية في زمن الرقمنة».
ورغم قطعي وعدا لنفسي بعدم الخوض في الشأن الإعلامي حتى نهاية العام، إلا أن عنوان المساحة كان مغريا للمشاركة فيها، لتبادل الأفكار مع باقي المتحدثين من داخل المملكة وخارجها، وصولا لتصور أولي قد يكون حجر الزاوية الذي يستند إليه مشروع إصلاح منظومة المؤسسات الصحفية، الذي لا زال حبيسا لأدراج وزارة الإعلام وهيئاتها.
ولأن جدار المؤسسات الصحفية قصير، يستطيع أي كان التسلق عليه، وإلقاء نفاياته داخل فنائها، أجد نفسي مضطرا بعد كل نقاش أو جدل إعلامي حولها، الرد على كثير من المغالطات والاتهامات التي تختزل تخلفها عن ركب المقدمة في أفراد وليس منظومة إعلام كاملة.
لذلك إن أردنا تصحيح مسار تلك المؤسسات لتوافق متطلبات المرحلة الجديدة، يجب أولا معرفة الأسباب التي أدت إلى انحدارها في العقد الأخير، وكيف تحولت من كيانات «مليونيرية» إلى «مديونيرية»، ولماذا هي غير قادرة على النهوض من كبوتها اليوم، بافتراض أن المعوقات التي تسببت بهذا الخلل ما زالت قائمة.
بداية عاشت المؤسسات الصحفية أزهى سني عمرها في العقود الثلاثة التي سبقت العام 2012، نتيجة ضخامة كعكة الإعلان التجاري، ومحدودية قنوات النشر، وبالتالي جني أرباح سنوية من ذوات الـ7 أو 8 أصفار.
ولتضخيم الحصة الإعلانية وإقناع كبار المعلنين بـ»الأفضلية»، تبارت المؤسسات فيما بينها على قاعدة «الأكثر» انتشارا وتوزيعا ومشاهدة، وإن تطلب الأمر طباعة آلاف النسخ يوميا، وتوزيع جزء كبير منها بالمجان، واستعادة أكثرها في نهاية اليوم كنسخ غير مباعة.
هذه الحالة أحدثت انطباعا كاذبا لدى صناع القرار في تلك المؤسسات بصوابية ما يقومون به، والاعتقاد خطأ بديمومته، فحولوا جزءا من هذه الأرباح لشراء أصول عقارية، واستثمروا جزءا آخر في تنمية هذه الصناعة وفق قناعاتهم، وتوزيع الباقي على المساهمين.
ترتب على ذلك إهدار مئات الملايين على إنشاء مطابع عملاقة تفوق الحاجة (معظمها متوقف اليوم)، شراء مئات الأطنان من الورق والأحبار وصفائح الطباعة (البليتات) وتخزينها، تحمل نفقات شحن النسخ المطبوعة جوا وبرا بين مناطق المملكة، وبالتالي تعاظم تكاليف النقل والتوزيع.
في المقابل تم إغفال تطوير المحتوى التحريري باعتباره أساس العملية الصحفية، وإن طالته بعض النفحات التجميلية في الشكل، كالطباعة الملونة، واستخدام الورق اللماع، مع تجاهل لملف الاشتراكات السنوية وتنميته بمعزل عن الإعلان التجاري، باعتباره المورد الثاني للمؤسسات.
وهذا ما يفسر حجم المطالبات المتأخرة اليوم على جهات حكومية، بعد أن اختارت المؤسسات طوعا عدم التذمر من تقليص تلك الجهات لحصتها من الاشتراكات السنوية، وتخفيض سعرها بشكل منفرد بنحو 50%، وتأخرها في سداد ما هو مستحق عليها من نشر إعلاناتها واشتراكاتها لسنوات طويلة.
هذا المشهد السريالي، إضافة لغياب التنظيمات والتشريعات التي تواكب تطور الإعلام عالميا، ونضوب المورد الإعلاني، لأسباب ليس بوارد ذكرها الآن، تسبب في عجز الإدارات عن إيجاد بدائل تغطي تضخم نفقاتها، أو تحقيق ما يساعدها على الاستمرار بعيدا عن بيع أصولها، الذي أجبرت عليه في نهاية المطاف. لتكون النتيجة شح في الموارد، وتعثر في سداد المستحقات، يصاحبها غرامات، وتأخر في صرف الرواتب والالتزامات، تلا ذلك قفز أفضل كفاءاتها من مركبها قبل الغرق لصالح جهات حكومية، ما أدى إلى تعالي الأصوات بإغلاقها لحفظ ماء الوجه، أو إيقاف الطباعة لتقليص الخسائر والاكتفاء بالنسخة المصورة (بي دي إف)، وهؤلاء يجهلون حقيقة أن الجهات الحكومية لا تسدد ما عليها من مستحقات ما لم تكن النسخة الورقية من الصحيفة مرفقة بالفاتورة، أو «التحول رقميا» كخيار استراتيجي.
والأخير ظهر لأول مرة كمصطلح إعلامي قبل عقد من الزمن، إلا أنه لم يُلتفت له للأسباب السابق ذكرها.
ولكن عندما ظهر مرة أخرى بالتزامن مع سلسلة التحولات التي تشهدها «السعودية الجديدة» في تعاملاتها الالكترونية، أصبح مطلبا رسميا وشعبيا.
الفارق أن معظم الجهات الحكومية نجحت في توظيف التقنية لخدمة أهدافها، فيما لا يزال «الإعلام»، بصفته المشرع، عاجزا عن إيجاد الطريقة التي تساعد المؤسسات الصحفية على التحول من «التقليدية» إلى «الرقمية».
والسبب كما أراه أن مفهوم «الإعلام الرقمي» هبط على مسؤولي «الإعلام» الحكوميين من السماء كما هبط على المؤسسات الصحفية، دون أن يكون لهم سابق معرفة به أو بكنهه.
وأكاد أجزم أنه لو سألت 100 شخص من أصحاب العلاقة بالشأن الإعلامي سواء كانوا رؤساء تحرير، أو مدراء عموم، أو أعضاء مجالس إدارات، أو ملاك، أو حملة أسهم، أو ممارسين، أو متابعين، أو مسؤولين، أو منظرين، أو أكاديميين، عن مفهوم «الإعلام الرقمي»، لما اتفق 10 منهم على رأي واحد بشكل واضح وصريح.
ولو أردفته بتساؤل عن كيفية تحقيق مداخيل مالية وأرباح من هذا المجال، بعيدا عن الإعلان التجاري، سيفاجئك حجم التنظير الذي سيرد لمسامعك، ولا يربطه بالواقع أي رابط.
الأكيد أنه لا يمكن لوم أكثرهم على هذا القصور، كونهم لم يألفوا أن يكون هناك مورد رئيس آخر للكيانات الإعلامية غير الإعلان التجاري بشقيه الحكومي والخاص، وهو ما تفننوا في جلبه وتوزيعه.
نأتي للسؤال الأهم، كيف يمكن تغيير واقع المؤسسات الصحفية وفق متطلبات المرحلة الجديدة، في ظل عدم وجود مؤشرات ملموسة لإصلاح نظامها الحالي، ورتق ما به من ثقوب تنظيمية وحقوقية؟
شخصيا لا أرى أن هناك رافعة تستطيع انتشال تلك المؤسسات من بئر النسيان القابعة فيه سوى «رافعة الدولة» -أعزها الله-، خاصة وأن النظام الحالي لا يلزم ملاكها على ضخ أي مبالغ لتصحيح أوضاعها، وإن دفعوا فهم بين نارين، إما سداد الرواتب المتأخرة للعاملين لديها، باعتبارهم عصب أي عملية تطويرية، أو توجيهها لبرنامج «التحول الرقمي» الذي لا يُجيدون لعبته، بدليل أن ما يقدم اليوم تحت مسمى «إعلام رقمي» هو في حقيقته «نشر رقمي»، وشتان بين الاثنين.
وبالتالي ليس هناك أفضل من استنساخ برنامج وزارة الرياضة عندما قررت تصحيح أوضاع أنديتها للنهوض برياضتها، برنامجا لم تستأذن فيه الدولة أحدا لتنفيذه، بل وضعت استراتيجية محكمة وفرضتها على الجميع، محددة فيها شكل الرياضة السعودية في 2030، وأردفته ببرنامج دعم هو الأكبر في تاريخها، يحصل بموجبه كل ناد بالدرجة الممتازة على مبلغ 50 مليون ريال سنويا، متبوعة بـ55 مليونا أخرى عند تنفيذ سلسلة من البرامج والمبادرات التي تطور الرياضات الأخرى وتساعد على انتشارها، وفق حوكمة تضبط آلية الصرف وتنمي المداخيل.
وبالرغم من ظهور بعض الثغرات خلال سنوات التنفيذ، إلا أنها لم تثن المسؤولين عن المضي قدما في تصحيح المسار لتحقيق أقصى درجات النجاح، لتكون النتيجة الأولية عودة الأندية والمنتخبات السعودية لمنصات التتويج، وتحقيق أبطالنا وبطلاتنا ميداليات عدة في المحافل العربية والقارية والأولمبية، إضافة إلى مشاركة بعضهم في بطولات كنا حتى وقت قريب نكتفي بمشاهدتها من خلف الشاشات، والقادم ينبئ بتقدم الرياضة السعودية تباعا في البطولات المقبلة.
وعليه نحن بحاجة لبرنامج جديد تتولاه وزارة الإعلام أو أي جهة في الدولة تعتقد أنها خبيرة بـ«الإعلام الرقمي» يعمل بالتوازي مع عمل المؤسسات الصحفية القائمة اليوم، يطور من قدرات الكفاءات الحالية، لتمارس دورها في إبراز مشروع الدولة بالطرق الحديثة، ويؤهل كوادر أخرى لبرنامج «الإعلام الرقمي».
على أن يسبق ذلك وجود خطة «معتمدة من الدولة» لآلية التحول الرقمي، تحدد فيها شكل مدراءها التنفيذيين، وآلية التحول، وأوجه الصرف، وبرامج التأهيل والتدريب المطلوبة، والنتائج المتوقع ظهورها وموعدها، وصولا لإيجاد إعلام لا يكتفي بالتأثير محليا وخارجيا، بل يحقق عوائد كفيلة باستمراره وديمومته.
وبعد اكتمال الجدول الزمني للمشروع، تخير المؤسسات بين تملكها للمنتج الجديد وفق سعر السوق وقت البيع، ليكون أحد أذرع منظومتها الإعلامية، أو بيعه لأي جهة أخرى ترغب بالشراء وإدارته بشكل منفرد.
في ظني أن هذه الاستراتيجية متى ما تمت بشكل صحيح، ستمكن المؤسسات الصحفية من الوقوف على قدميها من جديد، لتسهم بجهدها في إبراز مشروع الدولة باحترافية، مستثمرة إرثها وخبرتها في كيفية إدارة المشهد الإعلامي وفق احتياجات رجل الشارع وتحديدات المسؤول، بالطرق التي تلبي ما يحتاجه هذا الجيل، ويسهل عليها مواكبة تطوراته المتلاحقة.
@alnowaisir
ورغم قطعي وعدا لنفسي بعدم الخوض في الشأن الإعلامي حتى نهاية العام، إلا أن عنوان المساحة كان مغريا للمشاركة فيها، لتبادل الأفكار مع باقي المتحدثين من داخل المملكة وخارجها، وصولا لتصور أولي قد يكون حجر الزاوية الذي يستند إليه مشروع إصلاح منظومة المؤسسات الصحفية، الذي لا زال حبيسا لأدراج وزارة الإعلام وهيئاتها.
ولأن جدار المؤسسات الصحفية قصير، يستطيع أي كان التسلق عليه، وإلقاء نفاياته داخل فنائها، أجد نفسي مضطرا بعد كل نقاش أو جدل إعلامي حولها، الرد على كثير من المغالطات والاتهامات التي تختزل تخلفها عن ركب المقدمة في أفراد وليس منظومة إعلام كاملة.
لذلك إن أردنا تصحيح مسار تلك المؤسسات لتوافق متطلبات المرحلة الجديدة، يجب أولا معرفة الأسباب التي أدت إلى انحدارها في العقد الأخير، وكيف تحولت من كيانات «مليونيرية» إلى «مديونيرية»، ولماذا هي غير قادرة على النهوض من كبوتها اليوم، بافتراض أن المعوقات التي تسببت بهذا الخلل ما زالت قائمة.
بداية عاشت المؤسسات الصحفية أزهى سني عمرها في العقود الثلاثة التي سبقت العام 2012، نتيجة ضخامة كعكة الإعلان التجاري، ومحدودية قنوات النشر، وبالتالي جني أرباح سنوية من ذوات الـ7 أو 8 أصفار.
ولتضخيم الحصة الإعلانية وإقناع كبار المعلنين بـ»الأفضلية»، تبارت المؤسسات فيما بينها على قاعدة «الأكثر» انتشارا وتوزيعا ومشاهدة، وإن تطلب الأمر طباعة آلاف النسخ يوميا، وتوزيع جزء كبير منها بالمجان، واستعادة أكثرها في نهاية اليوم كنسخ غير مباعة.
هذه الحالة أحدثت انطباعا كاذبا لدى صناع القرار في تلك المؤسسات بصوابية ما يقومون به، والاعتقاد خطأ بديمومته، فحولوا جزءا من هذه الأرباح لشراء أصول عقارية، واستثمروا جزءا آخر في تنمية هذه الصناعة وفق قناعاتهم، وتوزيع الباقي على المساهمين.
ترتب على ذلك إهدار مئات الملايين على إنشاء مطابع عملاقة تفوق الحاجة (معظمها متوقف اليوم)، شراء مئات الأطنان من الورق والأحبار وصفائح الطباعة (البليتات) وتخزينها، تحمل نفقات شحن النسخ المطبوعة جوا وبرا بين مناطق المملكة، وبالتالي تعاظم تكاليف النقل والتوزيع.
في المقابل تم إغفال تطوير المحتوى التحريري باعتباره أساس العملية الصحفية، وإن طالته بعض النفحات التجميلية في الشكل، كالطباعة الملونة، واستخدام الورق اللماع، مع تجاهل لملف الاشتراكات السنوية وتنميته بمعزل عن الإعلان التجاري، باعتباره المورد الثاني للمؤسسات.
وهذا ما يفسر حجم المطالبات المتأخرة اليوم على جهات حكومية، بعد أن اختارت المؤسسات طوعا عدم التذمر من تقليص تلك الجهات لحصتها من الاشتراكات السنوية، وتخفيض سعرها بشكل منفرد بنحو 50%، وتأخرها في سداد ما هو مستحق عليها من نشر إعلاناتها واشتراكاتها لسنوات طويلة.
هذا المشهد السريالي، إضافة لغياب التنظيمات والتشريعات التي تواكب تطور الإعلام عالميا، ونضوب المورد الإعلاني، لأسباب ليس بوارد ذكرها الآن، تسبب في عجز الإدارات عن إيجاد بدائل تغطي تضخم نفقاتها، أو تحقيق ما يساعدها على الاستمرار بعيدا عن بيع أصولها، الذي أجبرت عليه في نهاية المطاف. لتكون النتيجة شح في الموارد، وتعثر في سداد المستحقات، يصاحبها غرامات، وتأخر في صرف الرواتب والالتزامات، تلا ذلك قفز أفضل كفاءاتها من مركبها قبل الغرق لصالح جهات حكومية، ما أدى إلى تعالي الأصوات بإغلاقها لحفظ ماء الوجه، أو إيقاف الطباعة لتقليص الخسائر والاكتفاء بالنسخة المصورة (بي دي إف)، وهؤلاء يجهلون حقيقة أن الجهات الحكومية لا تسدد ما عليها من مستحقات ما لم تكن النسخة الورقية من الصحيفة مرفقة بالفاتورة، أو «التحول رقميا» كخيار استراتيجي.
والأخير ظهر لأول مرة كمصطلح إعلامي قبل عقد من الزمن، إلا أنه لم يُلتفت له للأسباب السابق ذكرها.
ولكن عندما ظهر مرة أخرى بالتزامن مع سلسلة التحولات التي تشهدها «السعودية الجديدة» في تعاملاتها الالكترونية، أصبح مطلبا رسميا وشعبيا.
الفارق أن معظم الجهات الحكومية نجحت في توظيف التقنية لخدمة أهدافها، فيما لا يزال «الإعلام»، بصفته المشرع، عاجزا عن إيجاد الطريقة التي تساعد المؤسسات الصحفية على التحول من «التقليدية» إلى «الرقمية».
والسبب كما أراه أن مفهوم «الإعلام الرقمي» هبط على مسؤولي «الإعلام» الحكوميين من السماء كما هبط على المؤسسات الصحفية، دون أن يكون لهم سابق معرفة به أو بكنهه.
وأكاد أجزم أنه لو سألت 100 شخص من أصحاب العلاقة بالشأن الإعلامي سواء كانوا رؤساء تحرير، أو مدراء عموم، أو أعضاء مجالس إدارات، أو ملاك، أو حملة أسهم، أو ممارسين، أو متابعين، أو مسؤولين، أو منظرين، أو أكاديميين، عن مفهوم «الإعلام الرقمي»، لما اتفق 10 منهم على رأي واحد بشكل واضح وصريح.
ولو أردفته بتساؤل عن كيفية تحقيق مداخيل مالية وأرباح من هذا المجال، بعيدا عن الإعلان التجاري، سيفاجئك حجم التنظير الذي سيرد لمسامعك، ولا يربطه بالواقع أي رابط.
الأكيد أنه لا يمكن لوم أكثرهم على هذا القصور، كونهم لم يألفوا أن يكون هناك مورد رئيس آخر للكيانات الإعلامية غير الإعلان التجاري بشقيه الحكومي والخاص، وهو ما تفننوا في جلبه وتوزيعه.
نأتي للسؤال الأهم، كيف يمكن تغيير واقع المؤسسات الصحفية وفق متطلبات المرحلة الجديدة، في ظل عدم وجود مؤشرات ملموسة لإصلاح نظامها الحالي، ورتق ما به من ثقوب تنظيمية وحقوقية؟
شخصيا لا أرى أن هناك رافعة تستطيع انتشال تلك المؤسسات من بئر النسيان القابعة فيه سوى «رافعة الدولة» -أعزها الله-، خاصة وأن النظام الحالي لا يلزم ملاكها على ضخ أي مبالغ لتصحيح أوضاعها، وإن دفعوا فهم بين نارين، إما سداد الرواتب المتأخرة للعاملين لديها، باعتبارهم عصب أي عملية تطويرية، أو توجيهها لبرنامج «التحول الرقمي» الذي لا يُجيدون لعبته، بدليل أن ما يقدم اليوم تحت مسمى «إعلام رقمي» هو في حقيقته «نشر رقمي»، وشتان بين الاثنين.
وبالتالي ليس هناك أفضل من استنساخ برنامج وزارة الرياضة عندما قررت تصحيح أوضاع أنديتها للنهوض برياضتها، برنامجا لم تستأذن فيه الدولة أحدا لتنفيذه، بل وضعت استراتيجية محكمة وفرضتها على الجميع، محددة فيها شكل الرياضة السعودية في 2030، وأردفته ببرنامج دعم هو الأكبر في تاريخها، يحصل بموجبه كل ناد بالدرجة الممتازة على مبلغ 50 مليون ريال سنويا، متبوعة بـ55 مليونا أخرى عند تنفيذ سلسلة من البرامج والمبادرات التي تطور الرياضات الأخرى وتساعد على انتشارها، وفق حوكمة تضبط آلية الصرف وتنمي المداخيل.
وبالرغم من ظهور بعض الثغرات خلال سنوات التنفيذ، إلا أنها لم تثن المسؤولين عن المضي قدما في تصحيح المسار لتحقيق أقصى درجات النجاح، لتكون النتيجة الأولية عودة الأندية والمنتخبات السعودية لمنصات التتويج، وتحقيق أبطالنا وبطلاتنا ميداليات عدة في المحافل العربية والقارية والأولمبية، إضافة إلى مشاركة بعضهم في بطولات كنا حتى وقت قريب نكتفي بمشاهدتها من خلف الشاشات، والقادم ينبئ بتقدم الرياضة السعودية تباعا في البطولات المقبلة.
وعليه نحن بحاجة لبرنامج جديد تتولاه وزارة الإعلام أو أي جهة في الدولة تعتقد أنها خبيرة بـ«الإعلام الرقمي» يعمل بالتوازي مع عمل المؤسسات الصحفية القائمة اليوم، يطور من قدرات الكفاءات الحالية، لتمارس دورها في إبراز مشروع الدولة بالطرق الحديثة، ويؤهل كوادر أخرى لبرنامج «الإعلام الرقمي».
على أن يسبق ذلك وجود خطة «معتمدة من الدولة» لآلية التحول الرقمي، تحدد فيها شكل مدراءها التنفيذيين، وآلية التحول، وأوجه الصرف، وبرامج التأهيل والتدريب المطلوبة، والنتائج المتوقع ظهورها وموعدها، وصولا لإيجاد إعلام لا يكتفي بالتأثير محليا وخارجيا، بل يحقق عوائد كفيلة باستمراره وديمومته.
وبعد اكتمال الجدول الزمني للمشروع، تخير المؤسسات بين تملكها للمنتج الجديد وفق سعر السوق وقت البيع، ليكون أحد أذرع منظومتها الإعلامية، أو بيعه لأي جهة أخرى ترغب بالشراء وإدارته بشكل منفرد.
في ظني أن هذه الاستراتيجية متى ما تمت بشكل صحيح، ستمكن المؤسسات الصحفية من الوقوف على قدميها من جديد، لتسهم بجهدها في إبراز مشروع الدولة باحترافية، مستثمرة إرثها وخبرتها في كيفية إدارة المشهد الإعلامي وفق احتياجات رجل الشارع وتحديدات المسؤول، بالطرق التي تلبي ما يحتاجه هذا الجيل، ويسهل عليها مواكبة تطوراته المتلاحقة.
@alnowaisir