الرأي

الأدب الوجيز طفرة أم استجابة لروح العصر؟

طامي الشمراني
قد لا يكون من مهمات هذه المقالة البحث عن جذور تراثية أو عالمية لأدب بات يشكل ظاهرة في حياتنا الثقافية ويتمثل فيما يمكن تسميته بالأدب الوجيز، أو الأدب الوامض، وهو نمط من الكتابة التي غزت الأجناس الأدبية جميعها، وباتت سمة واضحة في تشكيلها، وربما كانت تمظهراته الكبرى تبرز في نمطين منتشرين في المنشورات الورقية، والنشر الالكتروني عبر الشابكة (الإنترنت)، هما: القصيدة الوجيزة/ قصيدة الومضة، القصة القصيرة جدا. وهنا لا بد من الاعتراف أن هذا النمط من الكتابة قد حظي بتنظيرات نقدية كثيرة، ربما سبقت المنتج الإبداعي من خلال وضع أسس لكل نمط كتابي وقواعد تميزه في محاولة تأصيله وتأكيد مشروعيته.

يسعى هذا الأدب بأجناسه المختلفة، كما يجمع المنظرون له، إلى التعبير عن الحالة الإنسانية بموضوعاتها المختلفة بعمق وبأقل قدر من الكلمات والفقرات، كي يحقق تواصلا أعمق مع المتلقي، وقد ازدهر هذا الأدب وانتشر، انتشار النار في الهشيم في عصر الشابكة، إذ إن حجة الأدب الوجيز باتت الراية التي يرفعها كل من يريد أن يطرق باب الأدب، فلاحظنا الاستسهال في الكتابة، وارتياد كثير من مدعي الأدب إلى حقل الكتابة الأدبية، من دون أن يمتلك القدرة على الكتابة، عزز ذلك انتشار النقد المجامل، أو نقد الأصدقاء عبر الصفحات الالكترونية التي همها الأساسي كتابة المدائح في نصوص لا تستحق النظر فيها، فباتت المجاملة الاجتماعية رافعة زور لكثير من المبدعين.

وبغض النظر عن خيبة الأمل التي تعززها مواقع التواصل الاجتماعي، والصفحات الأدبية الكثيرة المنتشرة عبر الشابكة، يبدو أن سمع السرعة والاختزال وتبدل أشكال القراءة، وربما بداية تحولنا من عصر الكتاب الورقي إلى عصر الكتاب الالكتروني، وغير ذلك مما يسم عصرنا الذي نعيش فيه، هو ميال إلى تعزيز ظاهرة الأدب الوجيز، ويبدو أن التشدد في قبول هذا الأدب، أو التشدد في رفضه ليس المدخل المناسب، ومن هنا لابد من الدراسة العلمية الوصفية والتحليلية التي تحاول رصد أشكال هذا الأدب، وخصائصه، ودراستها الدراسة المنصفة التي نبين ما لها وما عليها، ونعزز أصالة بعض أشكالها، وتفرز الغث من الثمين، وفي الطريق إلى ذلك لا بد من تشريح مصطلحات رئيسة والبحث عن مرجعياتها الثقافية، ويأتي في مقدمة ذلك المصطلحات الدالة على السمات المشتركة لهذا الفن، من مثل مصطلحات: الاختزال والتكثيف، والمفاجأة وكسر أفق التوقع، وربما هذا المصطلح بات سمة لنهايات نصوص الأدب الوجيز، وعلى الرغم من أنني لا أطمئن إلى أن هذه السمات ملاصقة فقط للأدب الوجيز، بل هي تنطبق على الوجيز وغيره، فلا شك أن اختبار هذه السمات في الأدب الوجيز والكشف عن تمثلاتها في تشكيل هذه النصوص، في حاجة إلى ترو ودقة وفحص وتحليل دقيق للوصول إلى نتائج يطمئن لها.

لا شك أننا لسنا مع من يحاول محاربة هذا الشكل الأدبي، أو يدعو إلى الإقبال عليه، حاله كحال أية كتابة أخرى، فإن الدراسة الموضوعية ستفضي بنا إلى نتائج مهمة، على الأقل قد تعزز من مقولة أن هذا الأدب طفرة آنية ستختفي، أو أنه الأدب الذي يستجيب لروح العصر، وسيكون أدب المستقبل كما يروج كثير من كتاب هذا النمط؟

@tamidghilib1404