الرأي

كشف الوجه في الميدان الوظيفي حق أم واجب؟

أحمد بن قروش
من معضلات فهم المتغيرات الجارية حاليا في وطننا الغالي قيام بعضا من أبنائه وبناته بممارسة سلوكيات أو تبني قناعات يرون بجهلهم أن التوجه المحلي الحالي يخدمها ويدعو لها ولا يعاقب عليها.

ونلمس هذا الأمر جليا سواء في بيئة الحياة العامة أو الخاصة دون أن يعترض طريق هؤلاء أي ضابط يضبط ممارساتهم ممّا تسبب في ظهور ممارسات تتبناها بعض المؤسسات خاصة الأهلية منها تحرم الكثير من حقوقهم المكتسبة وتمنحها لغيرهم دون أن يُقدم أو يُبرز هؤلاء ما يشفع أو يُبرّر لهم اللجوء لهذه السياسة والعمل على تطبيقها.

بعد هذا التمهيد أُحرّر هدف المقال الذي ينصب في معظمه على طرح معضلة اجتماعية تعيشها الكثير من الفتيات المُنقّبات الراغبات في العمل واللاتي غالبا ما يتم رفضهن لا لشيء سوى لتمسكهن بالنقاب الذي أصبح أمر التخلي عنه أو عدم ارتدائه في نظر البعض من أرباب العمل ضرورة قصوى يجب مراعاتها بل وفرضها أحيانا سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

وللتفصيل أكثر في مسألة كشف الوجه من ناحية شرعية نقول صحيح إن قضية كشف الوجه قضية خلافية بين العلماء فنحن نعلم بأن هنالك علماء كبار كالإمام الشافعي والذي يُعد مذهبه أحد المذاهب الأربعة الكبار التي يعمل بها أهل السنّة، فهو يقول بجواز كشف الفتاة لوجهها بينما هنالك علماء آخرون لا يقلون قدرا عنه لا يجيزون ذلك كالإمام أحمد بن حنبل.

إلا أن اللافت في هذا الشأن أن جميع المذاهب الأربعة تتقبل هذا الاختلاف وتقبله ولا تكفر صاحبه أو تنال من دينه، وهنا يتبين لنا أن الكشف عن الوجه عند المرأة حق مشروع لا غضاضة فيه رغم تباين آراء الفقهاء حوله، ممّا يجعلني أطرح تساؤلا مهما وهو هل كشف الوجه في عرف المطالبين به واجب شرعي يجب التقيد به وعدم مخالفته؟ إن كانت الإجابة بالنفي. فإذن لماذا يتم الركون إليه والاهتمام به والتركيز عليه من قبل أرباب العمل؟

إن المتأمل في الواقع الوظيفي الحالي بالنسبة للفتيات يقول بأن هنالك بعض الجهات ترفض تعيين المُنقّبة فقط لأنها مُنقّبة الأمر الذي يترتب عليه حرمانها من حقها في الحصول على وظيفة تتمتع بمنافعها على غرار الفتاة التي تقوم بكشف وجهها، وهذه المفارقة نراها بوضوح عند متابعة قنواتنا التلفزيونية مثلا التي لا يوجد فيها مُنقّبة واحدة تقوم مثلا بقراءة نشرة الأخبار أو تقديم أي برنامج ممّا يعزز الصورة الذهنية الحالية التي تقول بأن الأفضلية الوظيفية هي في الأغلب للفتيات اللاتي يكشفن عن وجوههن الأمر الذي أدّى إلى تخلي الجهات المعنيّة بتوظيف النساء عن قاعدة مهنية عادلة ومنصفة تقول هذه القاعدة بأن الفيصل الواجب إتباعه في قبول أي متقدمة لأي وظيفة أيا كانت طبيعتها هو الفيصل الذي يعتمد حصرا على عوامل الكفاءة والجودة وليس عوامل الشكل والمظهر ككشف الوجه.

وهذا ما يجعلني أخيرا أتساءل عن سرّ وجود هذا الوضع الأعوج؟ ولماذا يفضل بعض أرباب العمل تعيين صاحبة الوجه المكشوف بينما يتحفظون على توظيف المُنقّبة؟ هل يعني هذا أن المُنقّبة غير قادرة على أداء المهام المنوطة بها بينما كاشفة الوجه هي وحدها القادرة على ذلك؟ أنا أؤمن بأن اشتراط كشف الوجه كعامل رئيس عند بعض الجهات يكون في أحيان كثيرة عاملا سلبيا؛ لأن دلالته فيها امتهان حقيقي للمرأة وفيها أيضا خلق انطباع مشوه عنها وعن الغرض من عملها في تلك الجهات واللوم هنا لا يطال الفتاة مطلقا فهي في نهاية المطاف ليست من تسببت في هذا الخلل وليست من أمرت باتباع هذه الاستراتيجية وإنما اللوم كل اللوم يقع على عاتق المؤسسات والجهات المعنية بتوظيف النساء والتي تمارس مثل هذا النوع من التمييز غير العادل واللاقانوني والذي فيه تشويه صريح وواضح لصورة المرأة وتشويه كبير للهدف الرئيسي من توظيفها.

@bingroosh507