الرأي

حتمية إعادة ترتيب أولويات دول الخليج

شاهر النهاري
كانت وما تزال أحوال وارتباطات وصداقات دول الخليج مع العالم طوال الستة عقود الماضية، معتمدة على ما وهبها الله من ثروات الذهب الأسود، الذي يمثل أولويتها ودعامتها الأولى، وعنوانها، وسبيلها لخلق الصداقات والعلاقات الدبلوماسية والشراكات مع أهم دول العالم، وفي نفس الوقت كان رغده يشعرها بالقوة والأمان كون الدول العظمى تتسابق لنيل رضاها دبلوماسيا وعسكريا وتعبويا في قواعد أجنبية وأساطين بحرية وجوية وبطاريات دفاع جوي تأتي ضمن بعثات وحشود من تلك الدول العظمى بكامل عتادها وأسلحتها وتقنياتها، للقيام بعمليات حراسة ودفاع وتدريب ومناورات، وبمقابل حصص مغرية من البترول. وكانت الدول العظمى تنافس بعضها أثناء الرخاء البترولي، لنيل القرب والمحبة الخليجية، ولكن ما أكثر الأحباب حين تعدهم، لكنهم في النائبات قليل! دول الخليج كانت أولوياتها اقتصادية بحتة، ولم تكن تنظر للقادم بشكل استقرائي استراتيجي معتمد على الذات، ما يحتم عليها في الوقت الراهن إعادة ترتيب أولوياتها. التسليح الأمريكي يستمر الأفضل، ولكن أمريكا ظلت وتظل واعية حريصة، وليس مع دول الخليج فقط، فكان سلاحها عند عموم الدول الصديقة لها محاط بالسرية، ولا يمكن أن يترك كاملا بأيدي جيوش تلك الدول، ودون وجود حراس لصيقين لتقنيتها، ومحاذير، ومحرمات على أسلحتها، وحتى لو سمحت بصيانة بعض القطع، فعن طريق الاستبدال الكامل للقطعة، ودون محاولة فتحها واختبار دقائق تقنياتها. وكانت أمريكا ومثلها دول عظمى أخرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا لا تسمح لدول الخليج بتصنيع أسلحتها المتقدمة، حفاظا على التفرد، وخشية اكتفاء تلك الدول ذاتيا، فيقل الطلب على أسلحتها، وطواقمها الحربية والتدريبية! وكان ما سمحت به من تصنيع محلي في الخليج مجرد قطع متناثرة، من أجرام وإطارات ومصفحات وقطع خارجية لا تصنع كامل السلاح. وهذا ديدن الدول العظمى ليس فقط مع دول الخليج، ولكن حتى مع إسرائيل محظيتهم الأولى، فيظلون حريصين، خشية حلحلة مفاتيح أسرارهم، وبالتالي تصنيع السلاح بكامله. وطالما أن التصنيع الحربي المرتجى من الدول العظمى غير متحصل حاليا، فلا بد لدول الخليج من أن تجعله أولى أولويتها. ولو نظرنا إلى إيران، والتي كانت بداياتها شبيهة بدول الخليج، نجد أنها وبعد الثورة الخمينية أعادت ترتيب أولوياتها، وعرفت أن السلاح الذي تصنعه بذاتها ومهما كان مترديا في نوعه ودقته وتأثيره، إلا أنه يظل الأفضل آلاف المرات عن انتظار الدول العظمى لتأذن لها بالتصنيع الحربي. فتوجهت إيران لدول أقل في ترتيب سلم القوى العالمية، مثل الصين والبرازيل وفنزويلا، وفتات الاتحاد السوفيتي، وعقدت معهم اتفاقيات سرية لتصنيع أسلحتها بأيدي الإيرانيين، وفعلا حصل ذلك، بشكل تدريجي، يفشل مرات ويصيب، حتى أصبح لديها حاليا القدرة على صناعة صواريخ بالستية وطائرات مسيرة وزوارق تهدد بها الجيرة والبحار، بل أنها أصبحت تهدد العالم بقدرتها على تصنيع السلاح النووي. لقد استغلت إيران فترة الحرب الباردة وتفتت الاتحاد السوفيتي، وضغوطات تجربتها المريرة في حربها مع العراق، لتمتلك الكثير من الخبرات المقدرة، والمحترفين، وخلق أجيالا من صناع الأسلحة فيها، وبأرخص الأثمان. وقد لا يكون الوقت مناسبا للتحسر واللوم، كون الدنيا تستمر، ونحن نعرف عنت ومزاجية أمريكا، وإصرارها على بقاء دول الخليج ضعيفة أمام أعداء إقليميين يتضخمون لدرجات تدعو للقلق الشديد، ما يضع دول الخليج أمام مسألة حياة أو موت، وحاجة حثيثة لإعادة ترتيب أولوياتها، بإدراك أن الاقتصاد مهما، ولكنه يحتاج لحمايته بأيدي أبناء الوطن، وأن التصنيع الحربي أولوية أولى وعليا، ولو عن طريق أي دولة قادرة، مثل الهند أو باكستان، أو الصين والأرجنتين. وحتما سيعطي لذلك نتائج أعظم وأسرع مما نتصور، وبأثمان أقل بكثير مما تدفعه دول الخليج لكل قوة أو قاعدة أو مرحلة من مراحل الحماية الناقصة، ولدينا في الخليج أنجب الشعوب، وأجيال من الشباب لديهم القدرة على الفهم والتطوير والإبداع، ودليلنا على ذلك شبابنا المتميزون في البعثات العلمية والتقنية والاتصالات والترقي في الجامعات العالمية، ووجود النوابغ والمخترعين والمخترعات، ممن أدهشوا العالم وأثبتوا أهميتهم وقدراتهم في مراكز تقدم البشرية مثل ناسا، وغيرها من مراكز البحوث والتطور العلمي وبتمكن وكفاءة قادرة على قيادة مسار تصنيع حربي مستقبلي يثبت أقدامنا ويرهب أعدائنا، ويزيد احترامنا بين الأمم. @shaheralnahari