الرأي

تجريم خطاب الخمينية مطلب وطني!

أحمد الهلالي
الخمينية داء أزمن في الوطن العربي، وسرطان شديد الخطورة، مبني على إيديولوجيا سياسية توسعية منزوعة الرحمة تجاه خصومها، وتجاه أنصارها الذين تضحي بهم في سبيل تحقيق غاياتها، تغولت إلى درجة جهرها بالعداء لكل ما هو عربي، وتوحشت بكيفية مرعبة، فلم يعد اللعب على الأوتار العاطفية أو تحريك مقابس الطائفية كافيا في نظرها، بل حشدت لأذرعها في الأوطان العربية المحتلة أفتك أنواع الأسلحة، وحصنتها سياسيا حتى أصبحت دولا داخل الدول، وعسكريا حتى كونت ميليشيات عسكرية ضاربة تفوق في تنظيمها وقوتها القوات المسلحة الرسمية!

نحن على حافة اليأس من حال الدول العربية المحتلة التي تجذرت فيها الخمينية، وفي هذه المرحلة لابد أن نتنبه للداخل الخليجي، وكما توجهنا إلى تجريم الصحوية والإخوانية والداعشية وغيرها من حركات الإسلام السياسي، يجب أن نتوجه إلى تجريم خطاب الخمينية وأن نجفف منابعه، وأن يحاصر في تصريحه وتلميحه ورمزياته، وقد تحدثت عن ملامح ذلك الخطاب في مقالة (الصمت ولا وعي الخطاب يعريان الخمينيين)، وسأورد بعض الأمثلة من متابعات بسيطة لبعض تلك الملامح، وما خفي أعظم!

في لا وعي الخطاب رصدت دون عناء ثلاثة أمثلة حية والمفارقة أنها ليست من أوساط المتدينين المتشددين، بل من مثقفين تخالهم مشغولين بالتنوير، لكن لاوعي خطاباتهم يقول بعكس ذلك، فأحد الشعراء طفح كيله ولم يجد تعبيرا يرد به على تكرار اتهامات العرب للمؤامرات الإيرانية إلا التصرف في بيت من الشعر القديم، فقال: «ألهت بني يعرب عن كل مكرمة/ مكيدة دُبرت في أرض إيران»، فإن كان القائل القديم عاب على بني تغلب تعلقهم بمعلقة عمرو بن كلثوم، فإن شاعرنا الخميني يقدس إيران، ما دفعه أن يجهر بالتعييب على تعلقنا العرب باتهام (حمامة السلام) إيران!، فانشغال العرب بذلك ألهاهم عن المكارم حسب زعمه!

ثم فاجأني ناقد مبرز له نظرات جميلة، وله حضوره المهم في ساحات النقد الأدبي والثقافي والفني، لكن خمينيته أزته أزا إلى التعبير عن رضاه الذاتي عن الميليشيات الحوثية حينما دخلت صنعاء عام 2014م، وأنها لم تدخلها كما كان يتوقع المناوئون لها، فغرد ساخرا من «خيبة جماهير الإعلام من الطريقة التي سيطر بها الحوثيون على صنعاء، لأنها خلت من الدموية والتخريب و(قطع الرؤوس).. الجمهور يحب الأكشن» ولا تخفى إحالات الخطاب هنا في المقارنة بين سلمية الحوثي المهذب في مدرسة الخميني/ ووحشية داعش المرموز لها بقطع الرؤوس، فالخطاب المضمر هنا خميني بامتياز، واتهام الجمهور بالداعشية والدموية أوضح من شمس الصيف!

ما مضى كان من لاوعي الخطاب، أما الصمت فكثير كثير، فثمة صمت مطبق لن أكرر الحديث عنه، لكن هذا الصمت أحيانا تكشف حقيقته فلتات اللسان، فيظهر اللاوعي المخبأ خلف أسوار وجدران الحذر وبناه الواعية، فبعد أن استضاف مذيع محنك أحد الشعراء الكبار، وحين غاص في لاوعي خطابه الشعري وسأله عن الإيديولوجيا في نتاجه وعن رمزية (الحسين)، أجاب مرتبكا: أن الحسين (ثائر)، وفي ذات الوقت هو لا يتراجع عن قصيدته في حسن نصر الله، واعتباره أن الخلاف مع نصر الله وخط الخمينية (سياسة)، ثم أخذ بالتنظير للشعر والشاعر والكون والإنسانية، وأن الشاعر لا يساءل عن خطابه، ألم يكن الحسين رضي الله عنه ثائرا سياسيا؟ ألم يصبح الحسين رمزا ثوريا للخمينية تحارب به الشعوب التي تخالف أيديولوجيتها؟! لماذا حين كان الخطاب السياسي راضيا عن نصر الله مجده شاعرنا ولم يعتبر الحديث عنه سياسة؟، وحين اختلفنا معه أصبحت القضية (سياسة)؟ ثم لماذا صمت حين تجرأ حسن نصر الله وتهجم بوقاحة وصفاقة على مقام خادم الحرمين الشريفين، وصمت عن تهديداته وعن محاربته لنا في اليمن؟ فأي تنظير عن الشعر والكون والشاعر؟!

هذه نماذج قليلة من خطابات الخمينيين، لكنها تكفي وتفي بكشف خطاب الخمينية، ومن يتدبر الأشعار والأدبيات الطافحة بالرموز الإيديولوجية لن يخفى عليه الشحن الأحمر، ولن تتضبب عن هداه الإسقاطات الطائفية والدموية والثورية والوجدانية المشحونة بالغل والحقد، وكل هذه السياقات تظل جمرتها حية في وجدانات الأجيال اللاحقة التي تتربى عليها عبر قنوات يتقن الخمينيون المحافظة عليها لاستمرار جذوتها في نفوس الأنصار الكامنين حتى أوان منتظر، ولهذا كله يجب أن ترصد الخطابات والأفكار الخمينية وأن تحظر كغيرها من خطابات الإسلام السياسي.

ahmad_helali@