طب الأسنان التجديدي ورؤية لطبيب أسنان المستقبل
السبت / 4 / رجب / 1443 هـ - 21:43 - السبت 5 فبراير 2022 21:43
ما هو طب الأسنان التجديدي؟
يستمر التقدم العلمي السريع في المساهمة في تطوير العلاجات والتقنيات الجديدة، والتي يمتلك العديد منها القدرة على إحداث تحول في مجال طب الأسنان. علم البيولوجيا الجزيئية، وعلم الوراثة، وهندسة الأنسجة، وتكنولوجيا النانو، تم دمجها بنجاح في مختلف التخصصات الطبية السريرية على مدار ثلاثة العقود الماضية.
طب الأسنان التجديدي يرتكز على جميع هذه التخصصات بهدف تجديد الأنسجة الرخوة منها والصلبة، تم تعريفه على أنه «مجال متعدد التخصصات يطبق مبادئ كل من الهندسة وعلوم الحياة، نحو تطوير البدائل البيولوجية التي تعيد وظيفة الأنسجة وتحافظ عليها وتحسنها».
متى سيكون أطباء الأسنان قادرين على استخدام العلاجات التجديدية؟
في طب الأسنان، غالبا ما يُنظر إلى العلاجات التجديدية على أنها طرق علاج مستقبلية. لكن في الحقيقة، يستخدم أطباء الأسنان العلاجات التجديدية لعقود من الزمن، ومن الأمثلة على ذلك العلاج الحيوي لعصب السن. تم تقديم هذا العلاج لأول مرة في القرن السابع عشر، وهو يعتمد على القدرات التجديدية والتعويضية بأنسجة الأسنان.
في الآونة الأخيرة، استخدم أطباء الأسنان أساليب تجديدية عِدة، على سبيل المثال، استخدم جراحو الفم وأخصائيو اللثة وغرس الأسنان علاجات تطعيم العظام وتجديد الأنسجة الموجه (Guided Tissue Regeneration)، وهي تقنيات علمية مثبتة تستخدم سقالات متوافقة حيويا مع الأنسجة المجاورة للمساعدة في تجديد الأنسجة. علاوة على ذلك، استخدام علاج العصب التجديدي (Regenerative endodontic therapies)، والتي تهدف إلى تجديد عصب الأسنان المصاب، والتي قد تمت ترجمتها إكلينيكيا ويستخدمها حاليا العديد من أطباء الأسنان حول العالم.
لا يزال تطبيق العلاجات التجديدية ينتج عنه نتائج غير متوقعة إلى حد ما؛ وبالتالي، يتعين على الأطباء والباحثين مواكبة التطورات في المواد التجديدية القائمة على الأدلة.
لمحة عن هندسة وزراعة الأسنان الحيوية في طب الأسنان التجديدي
المصطلح الحالي والمتعارف عليه «زراعة الأسنان»؛ وهو تعويض السن المفقود بتاج مصنع يُثَبت بوتد صناعي، وليس هذا هو المقصود هنا؛ لأن الاسم الأنسب لهذا النوع من العلاج هو «غرس أسنان اصطناعية» بدلا من تسميته «زراعة أسنان».
من أهم أهداف طب الأسنان التجديدي هو زراعة الأسنان بالمعنى الحرفي. وقد شهدت التطورات في أبحاث طب الأسنان التجديدي خلال السنوات الأخيرة زراعة سن كاملة عن طريق الهندسة الحيوية. وتشتمل هذه الأبحاث الرائدة على أول سن مُصنَّع حيويا عن طريق إعادة تركيب الخلايا الجذعية الجنينية (Embryonic stem cells) والخلايا الجذعية البالغة (Adult stem cells)، وتوظيفها لتكوين سن حيوي كامل جديد.
على سبيل المثال، تم استخدام وتوظيف خلايا عصب السن الجذعية (Dental pulp stem cells) لزراعة سن مُعد بالهندسة الحيوية، وتم أيضا استخدام الخلايا المكونة للسن بمرحلة التكوين لإنشاء براعم بالمختبر (أو «بذور» إن صح التعبير) ومن ثم غرسها في منطقة السن المفقود في العديد من حيوانات التجارب (كالفئران والكلاب والأرانب) وأثبتت الدراسات مواصلة الخلايا لجميع مراحل التكوين السني الطبيعية وبزغت لتصبح سنا كاملا يستخدم بشكل طبيعي. الجدير بالذكر أن كل هذه الدراسات ما زالت محصورة بالمختبر وعلى حيوانات التجارب، إلا أنه من حيث المبدأ وإثبات المفهوم، أصبحت الهندسة الحيوية للأسنان حقيقة وقد يتم ترجمتها في السنوات القليلة القادمة.
هل البشر محصورون بالأسنان اللبنية والبالغة فقط؟
البشر، مثل معظم الثديات، هم ثنائيو الأسنان؛ أي أن لديهم مجموعتين فقط من الأسنان (أسنان لبنية وأسنان دائمة). على الصعيد الآخر، تمتلك الكائنات الأخرى قدرة غير محدودة تقريبا على تجديد أسنانها (تعدد الأسنان). تشمل هذه الحيوانات، على سبيل المثال لا الحصر، التماسيح، أسماك القرش ومجموعة متنوعة من السحالي.
فتمتلك أسماك القرش مجموعة من 300 سن في كلا الفكين يمكن استبدالها أكثر من 30 ألف مرة خلال حياتها! كما تستبدل أسماك القرش أسنانها بطريقة تشبه «آلة البيع» أو بطريقة تشبه «الحزام الناقل»، بحيث أن لكل سن مفقودة خليفة (كالأسنان الدائمة أسفل الأسنان اللبنية)، وأسفل هذه الأسنان توجد خلايا جذعية جاهزة لأن تصبح سنا جديدا.
تمت دراسة أسنان سمك القرش لأول مرة في القرن الثامن عشر، مما دفع بسلسلة من الدراسات لفهم الآلية الكامنة وراء قدرتها على التجدد. أظهرت الدراسات الحديثة أن مجموعات محددة من الجينات، بشكل رئيس من hedgehog ،Wnt / -catenin، البروتين المشكل للعظام، ومسارات إشارات عامل نمو الخلايا الليفية، هي المسؤولة عن هذه الظاهرة. في المقابل تنظيم هذه السلاسل من الإشارات يقوم بتطور الصفيحة السنية التي بالناتج تقوم بتجديد الأسنان.
ركزت دراسات أخرى على التماسيح والتي تمتلك أيضا قدرة استثنائية على تجديد أسنانها. في كل ربع فكي، لدى التماسيح مجموعة من 20 سنا يمكن استبدالها 50 مرة خلال حياتها، كما هو الحال مع أسماك القرش، فقد ثبت أن مجموعات محددة من الجينات في مسارات تأشير مختلفة لها دور مركزي لهذا التجديد السني. المثير للاهتمام، أن البشر أيضا لديهم هذه الجينات، لكنه يرجح أنها «تعطلت» على مدار الزمن مع التكيُف البيئي؛ لذلك فإن فهم وظيفة هذه الجينات والعمليات الفسيولوجية الأساسية لها، قد يسمح «بإعادة تنشيطها» مرة أخرى وإمكانية تجديد الأسنان لدى المرضى الذين فقدوا أسنانهم بسبب مرض وراثية أو لكبر السن مثلا.
طب الأسنان التجديدي وتجديد أنسجة السن
على الرغم من أن الهدف الأسمى في طب الأسنان التجديدي هو إعادة تكوين سن كامل، إلا أن الدراسات في تجديد الأسنان توفر أيضا فرصا علاجية جديدة أخرى. يركز البعض على تجديد أنسجة الأسنان مثل العاج أو أنسجة اللب أو المينا باستخدام إما النهج القائم على الخلايا أو النهج القائمة على السقالات الحيوية (scaffolds) أو كليهما. أحد الأمثلة الحديثة هو إثبات أن بعض المركبات التي تم تطويرها لمرض الزهايمر، مثبط الجزيء الصغير GSK-3 tideglusib، يمكنها تنشيط آليات إصلاح طبقة العاج.
في هذه الدراسة، تم دمج تركيزات منخفضة من هذه الجزيئات في إسفنج الكولاجين القابل للحقن والذي عند ملامسته لأنسجة اللب الحيوية يحفز الإشارات داخل الخلايا لإنتاج أنسجة عاجية تعويضية كالموجودة بتكوينه السابق. هذا له أهمية كُبرى، خاصة لأن المواد الحالية، كالاسمنت القائم على سيليكات الكالسيوم والمستخدم بعلاجات عصب السن، تحل محل العاج بدلا من تجديده. كما هو مذكور أعلاه، يمكن اعتبار تجديد اللب علاجا تجديديا للأسنان تمت ترجمته وتوثيقه سريريا لكنه ينتظر دراسته بشكل مستفاض وإثبات فعاليته.
طبقة المينا، على الصعيد الآخر، هي أصلب طبقة بجسم الإنسان، ولكن عن كسرها وضررها فإنها لا تجدد، وذلك لأن الخلايا المكونة لطبقة المينا (ameloblasts)، تموت بعد تكوينها لهذه الطبقة، مما يجعل تجديد المينا أمرا صعبا إلى حد ما. ومع ذلك، يتم بذل جهود كبيرة لمحاكاتها عن طريق محاكاة البلورات المكونة لها (بلورات الهيدروكسيباتيت)، إما عن طريق المواد المستوحاة بيولوجيا أو النهج القائم على الهندسة الخلوية.
في حين أن هذه بعض الأمثلة التي تهدف إلى تجديد أنسجة الاسنان، فقد ركزت مجموعات بحثية أخرى على استغلال الإمكانات والقدرة التجديدية لخلايا عصب السن الجذعية، وهي كما ذكر آنفا، نوع من الخلايا متعدد القدرات ومصادر الوصول إليه عديدة. ركزت هذه الدراسات بشكل أساسي حتى الآن على الإصلاح العصبي، وتجديد العضلات الملساء، وإصلاح أنسجة المثانة، وإصلاح نسيج شبكية العين، وتجديد العظام، على سبيل المثال لا الحصر.
أطباء الأسنان لعام 2030 - دعوة للتغيير
ظهرت العديد من العلاجات السريرية من خلال الفهم العميق للبيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة الأساسيين، لذا فإن تعريض أطباء الأسنان الشباب لهذه المبادئ له أهمية قصوى. حاليا، يدفع بطلاب طب الأسنان الجامعيين على التركيز بشكل أساسي على الجوانب السريرية لطب الأسنان واكتساب المهارات، والتي تعد بالطبع شيئا مهما جدا؛ لكن نظرا للوتيرة السريعة الحالية للابتكار والتقدم في طب الأسنان التجديدي، يجب أن يتعرف أطباء الأسنان على أساسيات هذا المجال في مرحلة مبكرة بدراساتهم؛ لأن عدم القيام بذلك سيجعل من الصعب عليهم اللحاق بالركب مستقبلا.
لدي تجربة شخصية بدراسة مجال طب الأسنان التجديدي في جامعة كينجز بلندن King’s College London وسألقي الضوء على بعض القضايا البارزة. يتم تدريس علم الأحياء الأساسي لجميع طلاب السنتين الأولى والثانية بمرحلة البكالوريوس في طب الأسنان على مستوى العالم، ولكن بالسنوات اللاحقة يتم التركيز بشكل أساسي على الجوانب السريرية، تاركة العلوم الأساسية مهمشة. من المتوقع أن يكون لدى الطلاب المتقدمين لبرنامج طب الأسنان التجديدي فهم معتدل للبيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة وعلوم المواد الحيوية، نظرا لقلة التعرض المبكر للطلاب الجامعيين المبتدئين لهذه المواضيع، فمن المرجح أن يواجه طلاب الدراسات العليا منهم في تخصص طب الأسنان التجديدي صعوبات في مواد الدورة التدريبية، مما يعوق تقدمهم في النهاية ويعيق تقدمهم بالعمل على أبحاثهم؛ لكن إذا تم تزويد الطلاب الجامعيين بالمعرفة الكافية بالمبادئ الأساسية لطب الأسنان التجديدي، فسيكون لديهم المزيد من الوقت للتركيز على البحث والابتكار.
هل أطباء الأسنان مقدرون ليكونوا إكلينيكيين فقط؟
لم يعد أطباء الأسنان مجرد إكلينيكيين، بل يجب أن يكونوا أطباء يعيدون الفم إلى مكانه الأصلي، إلى الجسم.
مع التطورات الحديثة في علم الجينوم، وليس أقلها تقنيات التسلسل من الجيل التالي، يتم إضافة أمراض وراثية جديدة بشكل مستمر إلى قائمة الأمراض الوراثية. يوجد حتى الآن أكثر من 6500 حالة وراثية معروفة، 700 منها هي متلازمات وجه-فكية ومتلازمات متعلقة بالأسنان. يمكن للفرد الآن الحصول على تسلسل الجينوم الخاص به، مقابل مبلغ رمزي بحد أقصى 300 دولار.
تُزَوِد هذه التقارير الجينية الشخصية الأفراد ببيانات قد تتنبأ باحتمالية إصابتهم بمرض معين (على سبيل المثال، أمراض السرطان أو مرض التنكس العصبي أو أمراض الدم)، مما يعني أن المرضى أصبحوا أكثر دراية بعوامل الخطر الجينية الخاصة بهم وسيتوقعون إجابات وتوضيحات من مقدمي الرعاية الصحية.
قد يكون أطباء الأسنان العامون أول من يواجه المرضى المصابون بمرض وراثي، وإذا تم تشخيصهم بشكل صحيح، ستتم إحالتهم للطبيب المختص بشكل صحيح أيضا. علاوة على ذلك، غالبا ما يكون أطباء أسنان الأطفال هم أول من يتلقى هذه الإحالات، نظرا لأنهم يشخصون ويديرون مجموعة واسعة من العيوب الوراثية مثل تكوين المينا غير المُكتمل (Amelogenesis imperfecta)، أو تكوين العاج غير المُكتمل (Dentinogenesis imperfecta)، أو نقص عدد الأسنان، أو زيادة عدد الأسنان، أو المتلازمات الوجه-فكية مثل الشفة أو الحلق المشقوق.
على سبيل المثال، لا يؤثر بالضرورة مرض المينا غير المُكتمل على الأسنان فحسب، بل ببعض الحالات يظهر أيضا مع متلازمة المينا الكلوية، وهو مرض وراثي نادر مرتبط بالكلس الكلوي الذي يصيب الأطفال الرُضع. بأغلب الأحيان تكون هذه الظروف ضارة بصحة الطفل وتتطلب تدخلا فوريا. مثال آخر وهو خلل التنسج القحفي (Cledocranial dysplasia)، وهو مرض نادر تظهر أعراضه عند الولادة ويتميز بتشوهات الأسنان وتشوهات العظام.
يميز هذا المرض أيضا اختفاء عظمة الترقوة وتأخر في إغلاق الجمجمة لدى الطفل. نظرا لعدم تكلس الجمجمة بشكل كامل، فإن جزءا من أدمغة هؤلاء الأطفال يصبح مكشوفا وأكثر عرضه للإصابات الخطيرة. يفرض ذلك أهمية أن تتم حماية رأس هؤلاء الأطفال بلبس الخوذات مثلا لتجنب إصابات الدماغ؛ نظرا لأن هذه الحالات مرتبطة بتشوهات الأسنان، فإن أطباء الأسنان يواجهونها بشكل متكرر نسبيا ويمكن أن يكونوا أول من يقدم المشورة المنقذة لحياة هؤلاء الأطفال.
قد يرى أطباء الأسنان العديد من هذه الأمراض الوراثية كناتج عرضي، وإن لم يتم اكتشافها مبكرا، يمكن أن تكون قاتلة؛ لذلك يجب أن يكون لدى أطباء الأسنان معرفة جيدة بعلم الوراثة حتى يتمكنوا من تشخيص مثل هذه الحالات والتعامل معها بالشكل الصحيح.
سيستمر اكتشاف الطفرات الجديدة بوتيرة سريعة، وإذا لم يكن أطباء الأسنان على دراية بها، فقد لا يتمكنون من اكتشافها أو تشخيصها أو إدارتها أو حتى إحالتها بشكل جيد.
الوضع الحالي والمستقبلي لتدريس طب الأسنان التجديدي
على عكس الطب التجديدي، يعتبر طب الأسنان التجديدي مجالا جديدا نسبيا، وإن كان قد حظي مؤخرا بالكثير من الاهتمام. على مدى السنوات الخمس الماضية، تم إنشاء برامج الدراسات العليا في «طب الأسنان التجديدي» في خمس مؤسسات علمية رائدة بالعالم. أول رواد هذه البرامج كان بجامعة كينجز كوليدج بلندن، تلتها جامعة شيفيلد، وكلية ترينيتي في دبلن، وجامعة ميشيغان، وجامعة طوكيو للطب وطب الأسنان. إذا أشار هذا الدمج الاستباقي على شيء، فإنه يشير على مدى أهمية هذه البرامج لأطباء الأسنان في المستقبل على مستوى العالم.
هناك بعض دراسات تقيم مستويات المعرفة حول طب الأسنان التجديدي لدى طلاب طب الأسنان الجامعيين. ومن ضمنها دراسة، تضمنت 231 طالبا وطالبة، بحثت مدى معرفة هؤلاء الطلاب بهذا المجال ومدى اهتمامهم به ومدى اهتمامهم بالالتحاق بالدراسات العليا لمعرفة المزيد عنه وعن التطبيقات السريرية للخلايا الجذعية به. أفادت النتائج أن غالبية الطلاب لديهم مستوى «ضعيف» من المعرفة فيما يتعلق بالخلايا الجذعية.
لكن مع ذلك، أعرب 80% منهم عن اهتمامهم بمتابعة التعليم المستمر في الخلايا الجذعية واستكشاف تطبيقاتها السريرية في طب الأسنان التجديدي. وبالمثل، وجدت دراسة أخرى، لعينة أصغر احتوت 80 طالبا في السنة النهائية لمرحلة البكالوريوس بطب الأسنان، أن 70% منهم كانوا قادرين فقط على تقديم تعريف للخلايا الجذعية وأن المعرفة حول الأنواع والتطبيقات السريرية للخلايا الجذعية كانت ضعيفة جدا. وتؤيد هذه النتائج دراسات متعددة المراكز تهدف إلى تقييم المعرفة والتطبيقات السريرية لطب الأسنان التجديدي لدى أطباء الأسنان وأطباء أسنان الأطفال المتخصصين.
في هذه الدراسة، على الرغم من التفاوتات بين المشاركين، فإن المستوى الأساسي للمعرفة لايزال ضعيفا فيما يتعلق بالخلايا الجذعية والتطبيقات السريرية لطب الأسنان التجديدي. وأثبتت أيضا دراسة حديثة قمنا بنشرها مؤخرا، احتوت على 45 طبيب أسنان نشط بالمملكة المتحدة أنهم على دراية بالمجال، ولكنهم ليسوا مستعدين لتطبيق علاجات بيولوجية شخصية ويشعرون بالرغبة في تثقيف أنفسهم حول هذا التخصص بشكل أكبر. كما تسلط النتائج الضوء على الفرص المتاحة للهيئات التنظيمية والتعليمية للعمل معا لإعداد الأطباء لهذا المجال الجديد.
يشير بحثنا إلى أن أطباء الأسنان النشطين ليسوا مهيئين لعصر علاجات الأسنان البيولوجية الشخصية، وأن هناك حاجة إلى مزيد من التفكير في كيفية تنفيذ المعرفة البيولوجية الأساسية والأكثر تقدما وتطبيقها في طب الأسنان.
تعتبر الاكتشافات العلمية الجديدة من بين عدة عوامل تؤثر على مناهج طب الأسنان. بالإضافة إلى ذلك، يعيش الأفراد لفترة أطول مع حالات مزمنة، ومن المتوقع أن يحتاج طب الأسنان حتما إلى اعتماد مناهج الطب الدقيق، وإن وجود مجموعات بيانات فردية وشاملة متعددة الأوجه (على سبيل المثال، الجينوميات كمشروع الجينوم السعودي الرائد) يمهد الطريق لعلاجات الأسنان والرعاية الصحية المصممة خصيصا للمريض.
في عام 2017، أقيمت ورشة عمل بالتزامن مع اجتماع الجمعية الأمريكية لتعليم طب الأسنان وجمعية تعليم طب الأسنان في أوروبا (ADEE) التي عُقِدت بمدينة لندن، بمشاركة ممثلين من 27 دولة. قدمت ورشة العمل بهذا المنتدى مناقشات تهدف إلى مراجعة موقف المعلمين وطلاب طب الأسنان فيما يتعلق بالتطورات العلمية الناشئة وأفضل الممارسات العلمية في تعليم طب الأسنان. نشأت العديد من «الأفكار الجديدة» نتيجة لهذه المناقشات، بما في ذلك طب الأسنان التجديدي، والمواد البيولوجية، وتعزيز القدرة الفطرية للأنسجة السنية على إصلاح نفسها. وعلى غرار ذلك، أوصت لجنة اعتماد طب الأسنان بأن «المعرفة بالعلوم البيولوجية يجب أن تكون ذات عمق ونطاق كافيين للخريجين، لتطبيق التطورات في علم الأحياء الحديث على الممارسة السريرية ودمج المعرفة الطبية الجديدة والعلاجات ذات الصلة بالرعاية الصحية للفم».
وكما هو موضح سابقا، يميل طلاب طب الأسنان الجامعيين إلى الحصول على مستوى منخفض من المعرفة حول طب الأسنان التجديدي في ضوء تزايد العديد من التطبيقات السريرية المحتملة لطب الأسنان التجديدي. لذلك تسلط هذه المقالة الضوء على وجود أوجه قصور في مناهج طب الأسنان الحالية بهذا الصدد، والتي قد تعيق تقدم طلاب طب الأسنان في هذا المجال مستقبلا.
بينما يتمتع اختصاصيو طب الأسنان بفرص متزايدة للمشاركة في دورات التطوير المستمر كمنتدى لتدريس الموضوعات القائمة على الطب التجديدي، فقد لا يكون هذا النهج مناسبا مثل المناهج الدراسية القائمة على الكفاءة.
أفادت نتائج دراسة وطنية قائمة على الاستبيان في المملكة المتحدة، شملت طلاب طب الأسنان في السنة النهائية، أن طلاب طب الأسنان شعروا بأنهم غير مستعدين لمسؤوليات التطوير المهني المستمر والتعلم الموجه ذاتيا. أفادت الدراسة أيضا على أن الطلاب لم يكونوا مستعدين جيدا لتبني مناهج قائمة على الأدلة لتوجيه قراراتهم فيما يتعلق برعاية المرضى.
يتم تسليط الضوء بشكل متزايد على نهج الرعاية الصحية عن طريق الفم الذي يركز على المريض. على الرغم من ذلك، توصي الجمعية الأمريكية لتعليم طب الأسنان وجمعية تعليم طب الأسنان في أوروبا بضرورة صياغة مناهج طب الأسنان وتطويرها على أساس مجال الرعاية المتمحورة حول المريض، من بين أمور أخرى.
ومن ثم، فمن المتوقع أن تُغطي مناهج طب الأسنان العمليات البيولوجية في الجسم بعمق كاف؛ لتكون قادرة على استغلال التقنيات البيولوجية الناشئة الجديدة في الممارسة السريرية، وخاصة في الطب التجديدي. وبالتالي، يجب اتباع طرق مُمنهجة للتعليم الجامعي في طب الأسنان التجديدي لطلاب طب الأسنان بالمراحل المبكرة. سيضمن هذا النهج حصول أطباء الأسنان المتخرجين على الكفاءات ذات الصلة والتي ستساعدهم على مواكبة هذا التغير.
تختلف الطريقة التي يتم بها دمج كفاءات تدريس طب الأسنان التجديدي في مناهج طب الأسنان الجامعية بين الكليات في جميع أنحاء العالم. وبالتالي، من الضروري تطوير «نموذج» تعليمي يغطي المعارف والمهارات في المناهج الأساسية المخصصة لطب الأسنان التجديدي. وفقا لذلك، فإن صياغة الكفاءات التي يجب أن يحققها طلاب طب الأسنان قبل التخرج في سنواتهم السريرية أمر ضروري. مثال على ذلك، التدريب على زراعة الخلايا الجذعية السنية وتوظيفها أو المشاركة في العلاجات التجديدية المترجمة إكلينيكيا للتوسع في أهداف التعلم المحددة مسبقا. يمكن صياغة هذه الأهداف لتتماشى مع مستوى الكفاءة المطلوب تحقيقها.
طب الأسنان التجديدي الحديث -الذي يهدف إلى استخدام الخلايا الجذعية وتجديد الأنسجة السنية واستخدامها لعلاج أمراض مستعصية أو استخدامها لزراعة الأسنان بشكل بيولوجي- هو علم معقد ومتعدد التخصصات كما ذُكِر سابقا ويتطلب معرفة البيولوجيا الجزيئية، وعلم الوراثة، وهندسة الأنسجة، وتكنولوجيا النانو. وبالتالي يمكن تصميم سلسلة محاضرات مخصصة وتقديمها في السنوات ما قبل السريرية والسريرية إما من خلال موضوع مستقل (مادة طب الأسنان التجديدي) أو كموضوع فرعي لمواد مُدرجة مسبقا كمادة علم أحياء الفم أو علم مواد طب الأسنان.
هناك تحد آخر قد ينشأ هو نقص التمويل ونقص أعضاء هيئة التدريس والموظفين المدربين لهذا التخصص، من بين عوامل أخرى. ولكن مع ذلك، فإنه من المرجح أن تكون عملية دمج مثل هذه المواد بمناهج طب الأسنان الجامعية بطيئة، مما سيسمح للمؤسسات بالتكيف وفقا لذلك. في هذا الصدد، يجب أن يكون الطلاب والمعلمون ومقدمو الرعاية الصحية والمرضى كذلك، مثل جلد الحرباء التي تتكيف باستمرار مع المشهد المتغير حولها ويجب دائما التعامل مع مثل هذه المواضيع المستجدة بكل مرونة للتقدم المستمر والتطور الدائم بعون الله.
@DrHasanjamal
يستمر التقدم العلمي السريع في المساهمة في تطوير العلاجات والتقنيات الجديدة، والتي يمتلك العديد منها القدرة على إحداث تحول في مجال طب الأسنان. علم البيولوجيا الجزيئية، وعلم الوراثة، وهندسة الأنسجة، وتكنولوجيا النانو، تم دمجها بنجاح في مختلف التخصصات الطبية السريرية على مدار ثلاثة العقود الماضية.
طب الأسنان التجديدي يرتكز على جميع هذه التخصصات بهدف تجديد الأنسجة الرخوة منها والصلبة، تم تعريفه على أنه «مجال متعدد التخصصات يطبق مبادئ كل من الهندسة وعلوم الحياة، نحو تطوير البدائل البيولوجية التي تعيد وظيفة الأنسجة وتحافظ عليها وتحسنها».
متى سيكون أطباء الأسنان قادرين على استخدام العلاجات التجديدية؟
في طب الأسنان، غالبا ما يُنظر إلى العلاجات التجديدية على أنها طرق علاج مستقبلية. لكن في الحقيقة، يستخدم أطباء الأسنان العلاجات التجديدية لعقود من الزمن، ومن الأمثلة على ذلك العلاج الحيوي لعصب السن. تم تقديم هذا العلاج لأول مرة في القرن السابع عشر، وهو يعتمد على القدرات التجديدية والتعويضية بأنسجة الأسنان.
في الآونة الأخيرة، استخدم أطباء الأسنان أساليب تجديدية عِدة، على سبيل المثال، استخدم جراحو الفم وأخصائيو اللثة وغرس الأسنان علاجات تطعيم العظام وتجديد الأنسجة الموجه (Guided Tissue Regeneration)، وهي تقنيات علمية مثبتة تستخدم سقالات متوافقة حيويا مع الأنسجة المجاورة للمساعدة في تجديد الأنسجة. علاوة على ذلك، استخدام علاج العصب التجديدي (Regenerative endodontic therapies)، والتي تهدف إلى تجديد عصب الأسنان المصاب، والتي قد تمت ترجمتها إكلينيكيا ويستخدمها حاليا العديد من أطباء الأسنان حول العالم.
لا يزال تطبيق العلاجات التجديدية ينتج عنه نتائج غير متوقعة إلى حد ما؛ وبالتالي، يتعين على الأطباء والباحثين مواكبة التطورات في المواد التجديدية القائمة على الأدلة.
لمحة عن هندسة وزراعة الأسنان الحيوية في طب الأسنان التجديدي
المصطلح الحالي والمتعارف عليه «زراعة الأسنان»؛ وهو تعويض السن المفقود بتاج مصنع يُثَبت بوتد صناعي، وليس هذا هو المقصود هنا؛ لأن الاسم الأنسب لهذا النوع من العلاج هو «غرس أسنان اصطناعية» بدلا من تسميته «زراعة أسنان».
من أهم أهداف طب الأسنان التجديدي هو زراعة الأسنان بالمعنى الحرفي. وقد شهدت التطورات في أبحاث طب الأسنان التجديدي خلال السنوات الأخيرة زراعة سن كاملة عن طريق الهندسة الحيوية. وتشتمل هذه الأبحاث الرائدة على أول سن مُصنَّع حيويا عن طريق إعادة تركيب الخلايا الجذعية الجنينية (Embryonic stem cells) والخلايا الجذعية البالغة (Adult stem cells)، وتوظيفها لتكوين سن حيوي كامل جديد.
على سبيل المثال، تم استخدام وتوظيف خلايا عصب السن الجذعية (Dental pulp stem cells) لزراعة سن مُعد بالهندسة الحيوية، وتم أيضا استخدام الخلايا المكونة للسن بمرحلة التكوين لإنشاء براعم بالمختبر (أو «بذور» إن صح التعبير) ومن ثم غرسها في منطقة السن المفقود في العديد من حيوانات التجارب (كالفئران والكلاب والأرانب) وأثبتت الدراسات مواصلة الخلايا لجميع مراحل التكوين السني الطبيعية وبزغت لتصبح سنا كاملا يستخدم بشكل طبيعي. الجدير بالذكر أن كل هذه الدراسات ما زالت محصورة بالمختبر وعلى حيوانات التجارب، إلا أنه من حيث المبدأ وإثبات المفهوم، أصبحت الهندسة الحيوية للأسنان حقيقة وقد يتم ترجمتها في السنوات القليلة القادمة.
هل البشر محصورون بالأسنان اللبنية والبالغة فقط؟
البشر، مثل معظم الثديات، هم ثنائيو الأسنان؛ أي أن لديهم مجموعتين فقط من الأسنان (أسنان لبنية وأسنان دائمة). على الصعيد الآخر، تمتلك الكائنات الأخرى قدرة غير محدودة تقريبا على تجديد أسنانها (تعدد الأسنان). تشمل هذه الحيوانات، على سبيل المثال لا الحصر، التماسيح، أسماك القرش ومجموعة متنوعة من السحالي.
فتمتلك أسماك القرش مجموعة من 300 سن في كلا الفكين يمكن استبدالها أكثر من 30 ألف مرة خلال حياتها! كما تستبدل أسماك القرش أسنانها بطريقة تشبه «آلة البيع» أو بطريقة تشبه «الحزام الناقل»، بحيث أن لكل سن مفقودة خليفة (كالأسنان الدائمة أسفل الأسنان اللبنية)، وأسفل هذه الأسنان توجد خلايا جذعية جاهزة لأن تصبح سنا جديدا.
تمت دراسة أسنان سمك القرش لأول مرة في القرن الثامن عشر، مما دفع بسلسلة من الدراسات لفهم الآلية الكامنة وراء قدرتها على التجدد. أظهرت الدراسات الحديثة أن مجموعات محددة من الجينات، بشكل رئيس من hedgehog ،Wnt / -catenin، البروتين المشكل للعظام، ومسارات إشارات عامل نمو الخلايا الليفية، هي المسؤولة عن هذه الظاهرة. في المقابل تنظيم هذه السلاسل من الإشارات يقوم بتطور الصفيحة السنية التي بالناتج تقوم بتجديد الأسنان.
ركزت دراسات أخرى على التماسيح والتي تمتلك أيضا قدرة استثنائية على تجديد أسنانها. في كل ربع فكي، لدى التماسيح مجموعة من 20 سنا يمكن استبدالها 50 مرة خلال حياتها، كما هو الحال مع أسماك القرش، فقد ثبت أن مجموعات محددة من الجينات في مسارات تأشير مختلفة لها دور مركزي لهذا التجديد السني. المثير للاهتمام، أن البشر أيضا لديهم هذه الجينات، لكنه يرجح أنها «تعطلت» على مدار الزمن مع التكيُف البيئي؛ لذلك فإن فهم وظيفة هذه الجينات والعمليات الفسيولوجية الأساسية لها، قد يسمح «بإعادة تنشيطها» مرة أخرى وإمكانية تجديد الأسنان لدى المرضى الذين فقدوا أسنانهم بسبب مرض وراثية أو لكبر السن مثلا.
طب الأسنان التجديدي وتجديد أنسجة السن
على الرغم من أن الهدف الأسمى في طب الأسنان التجديدي هو إعادة تكوين سن كامل، إلا أن الدراسات في تجديد الأسنان توفر أيضا فرصا علاجية جديدة أخرى. يركز البعض على تجديد أنسجة الأسنان مثل العاج أو أنسجة اللب أو المينا باستخدام إما النهج القائم على الخلايا أو النهج القائمة على السقالات الحيوية (scaffolds) أو كليهما. أحد الأمثلة الحديثة هو إثبات أن بعض المركبات التي تم تطويرها لمرض الزهايمر، مثبط الجزيء الصغير GSK-3 tideglusib، يمكنها تنشيط آليات إصلاح طبقة العاج.
في هذه الدراسة، تم دمج تركيزات منخفضة من هذه الجزيئات في إسفنج الكولاجين القابل للحقن والذي عند ملامسته لأنسجة اللب الحيوية يحفز الإشارات داخل الخلايا لإنتاج أنسجة عاجية تعويضية كالموجودة بتكوينه السابق. هذا له أهمية كُبرى، خاصة لأن المواد الحالية، كالاسمنت القائم على سيليكات الكالسيوم والمستخدم بعلاجات عصب السن، تحل محل العاج بدلا من تجديده. كما هو مذكور أعلاه، يمكن اعتبار تجديد اللب علاجا تجديديا للأسنان تمت ترجمته وتوثيقه سريريا لكنه ينتظر دراسته بشكل مستفاض وإثبات فعاليته.
طبقة المينا، على الصعيد الآخر، هي أصلب طبقة بجسم الإنسان، ولكن عن كسرها وضررها فإنها لا تجدد، وذلك لأن الخلايا المكونة لطبقة المينا (ameloblasts)، تموت بعد تكوينها لهذه الطبقة، مما يجعل تجديد المينا أمرا صعبا إلى حد ما. ومع ذلك، يتم بذل جهود كبيرة لمحاكاتها عن طريق محاكاة البلورات المكونة لها (بلورات الهيدروكسيباتيت)، إما عن طريق المواد المستوحاة بيولوجيا أو النهج القائم على الهندسة الخلوية.
في حين أن هذه بعض الأمثلة التي تهدف إلى تجديد أنسجة الاسنان، فقد ركزت مجموعات بحثية أخرى على استغلال الإمكانات والقدرة التجديدية لخلايا عصب السن الجذعية، وهي كما ذكر آنفا، نوع من الخلايا متعدد القدرات ومصادر الوصول إليه عديدة. ركزت هذه الدراسات بشكل أساسي حتى الآن على الإصلاح العصبي، وتجديد العضلات الملساء، وإصلاح أنسجة المثانة، وإصلاح نسيج شبكية العين، وتجديد العظام، على سبيل المثال لا الحصر.
أطباء الأسنان لعام 2030 - دعوة للتغيير
ظهرت العديد من العلاجات السريرية من خلال الفهم العميق للبيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة الأساسيين، لذا فإن تعريض أطباء الأسنان الشباب لهذه المبادئ له أهمية قصوى. حاليا، يدفع بطلاب طب الأسنان الجامعيين على التركيز بشكل أساسي على الجوانب السريرية لطب الأسنان واكتساب المهارات، والتي تعد بالطبع شيئا مهما جدا؛ لكن نظرا للوتيرة السريعة الحالية للابتكار والتقدم في طب الأسنان التجديدي، يجب أن يتعرف أطباء الأسنان على أساسيات هذا المجال في مرحلة مبكرة بدراساتهم؛ لأن عدم القيام بذلك سيجعل من الصعب عليهم اللحاق بالركب مستقبلا.
لدي تجربة شخصية بدراسة مجال طب الأسنان التجديدي في جامعة كينجز بلندن King’s College London وسألقي الضوء على بعض القضايا البارزة. يتم تدريس علم الأحياء الأساسي لجميع طلاب السنتين الأولى والثانية بمرحلة البكالوريوس في طب الأسنان على مستوى العالم، ولكن بالسنوات اللاحقة يتم التركيز بشكل أساسي على الجوانب السريرية، تاركة العلوم الأساسية مهمشة. من المتوقع أن يكون لدى الطلاب المتقدمين لبرنامج طب الأسنان التجديدي فهم معتدل للبيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة وعلوم المواد الحيوية، نظرا لقلة التعرض المبكر للطلاب الجامعيين المبتدئين لهذه المواضيع، فمن المرجح أن يواجه طلاب الدراسات العليا منهم في تخصص طب الأسنان التجديدي صعوبات في مواد الدورة التدريبية، مما يعوق تقدمهم في النهاية ويعيق تقدمهم بالعمل على أبحاثهم؛ لكن إذا تم تزويد الطلاب الجامعيين بالمعرفة الكافية بالمبادئ الأساسية لطب الأسنان التجديدي، فسيكون لديهم المزيد من الوقت للتركيز على البحث والابتكار.
هل أطباء الأسنان مقدرون ليكونوا إكلينيكيين فقط؟
لم يعد أطباء الأسنان مجرد إكلينيكيين، بل يجب أن يكونوا أطباء يعيدون الفم إلى مكانه الأصلي، إلى الجسم.
مع التطورات الحديثة في علم الجينوم، وليس أقلها تقنيات التسلسل من الجيل التالي، يتم إضافة أمراض وراثية جديدة بشكل مستمر إلى قائمة الأمراض الوراثية. يوجد حتى الآن أكثر من 6500 حالة وراثية معروفة، 700 منها هي متلازمات وجه-فكية ومتلازمات متعلقة بالأسنان. يمكن للفرد الآن الحصول على تسلسل الجينوم الخاص به، مقابل مبلغ رمزي بحد أقصى 300 دولار.
تُزَوِد هذه التقارير الجينية الشخصية الأفراد ببيانات قد تتنبأ باحتمالية إصابتهم بمرض معين (على سبيل المثال، أمراض السرطان أو مرض التنكس العصبي أو أمراض الدم)، مما يعني أن المرضى أصبحوا أكثر دراية بعوامل الخطر الجينية الخاصة بهم وسيتوقعون إجابات وتوضيحات من مقدمي الرعاية الصحية.
قد يكون أطباء الأسنان العامون أول من يواجه المرضى المصابون بمرض وراثي، وإذا تم تشخيصهم بشكل صحيح، ستتم إحالتهم للطبيب المختص بشكل صحيح أيضا. علاوة على ذلك، غالبا ما يكون أطباء أسنان الأطفال هم أول من يتلقى هذه الإحالات، نظرا لأنهم يشخصون ويديرون مجموعة واسعة من العيوب الوراثية مثل تكوين المينا غير المُكتمل (Amelogenesis imperfecta)، أو تكوين العاج غير المُكتمل (Dentinogenesis imperfecta)، أو نقص عدد الأسنان، أو زيادة عدد الأسنان، أو المتلازمات الوجه-فكية مثل الشفة أو الحلق المشقوق.
على سبيل المثال، لا يؤثر بالضرورة مرض المينا غير المُكتمل على الأسنان فحسب، بل ببعض الحالات يظهر أيضا مع متلازمة المينا الكلوية، وهو مرض وراثي نادر مرتبط بالكلس الكلوي الذي يصيب الأطفال الرُضع. بأغلب الأحيان تكون هذه الظروف ضارة بصحة الطفل وتتطلب تدخلا فوريا. مثال آخر وهو خلل التنسج القحفي (Cledocranial dysplasia)، وهو مرض نادر تظهر أعراضه عند الولادة ويتميز بتشوهات الأسنان وتشوهات العظام.
يميز هذا المرض أيضا اختفاء عظمة الترقوة وتأخر في إغلاق الجمجمة لدى الطفل. نظرا لعدم تكلس الجمجمة بشكل كامل، فإن جزءا من أدمغة هؤلاء الأطفال يصبح مكشوفا وأكثر عرضه للإصابات الخطيرة. يفرض ذلك أهمية أن تتم حماية رأس هؤلاء الأطفال بلبس الخوذات مثلا لتجنب إصابات الدماغ؛ نظرا لأن هذه الحالات مرتبطة بتشوهات الأسنان، فإن أطباء الأسنان يواجهونها بشكل متكرر نسبيا ويمكن أن يكونوا أول من يقدم المشورة المنقذة لحياة هؤلاء الأطفال.
قد يرى أطباء الأسنان العديد من هذه الأمراض الوراثية كناتج عرضي، وإن لم يتم اكتشافها مبكرا، يمكن أن تكون قاتلة؛ لذلك يجب أن يكون لدى أطباء الأسنان معرفة جيدة بعلم الوراثة حتى يتمكنوا من تشخيص مثل هذه الحالات والتعامل معها بالشكل الصحيح.
سيستمر اكتشاف الطفرات الجديدة بوتيرة سريعة، وإذا لم يكن أطباء الأسنان على دراية بها، فقد لا يتمكنون من اكتشافها أو تشخيصها أو إدارتها أو حتى إحالتها بشكل جيد.
الوضع الحالي والمستقبلي لتدريس طب الأسنان التجديدي
على عكس الطب التجديدي، يعتبر طب الأسنان التجديدي مجالا جديدا نسبيا، وإن كان قد حظي مؤخرا بالكثير من الاهتمام. على مدى السنوات الخمس الماضية، تم إنشاء برامج الدراسات العليا في «طب الأسنان التجديدي» في خمس مؤسسات علمية رائدة بالعالم. أول رواد هذه البرامج كان بجامعة كينجز كوليدج بلندن، تلتها جامعة شيفيلد، وكلية ترينيتي في دبلن، وجامعة ميشيغان، وجامعة طوكيو للطب وطب الأسنان. إذا أشار هذا الدمج الاستباقي على شيء، فإنه يشير على مدى أهمية هذه البرامج لأطباء الأسنان في المستقبل على مستوى العالم.
هناك بعض دراسات تقيم مستويات المعرفة حول طب الأسنان التجديدي لدى طلاب طب الأسنان الجامعيين. ومن ضمنها دراسة، تضمنت 231 طالبا وطالبة، بحثت مدى معرفة هؤلاء الطلاب بهذا المجال ومدى اهتمامهم به ومدى اهتمامهم بالالتحاق بالدراسات العليا لمعرفة المزيد عنه وعن التطبيقات السريرية للخلايا الجذعية به. أفادت النتائج أن غالبية الطلاب لديهم مستوى «ضعيف» من المعرفة فيما يتعلق بالخلايا الجذعية.
لكن مع ذلك، أعرب 80% منهم عن اهتمامهم بمتابعة التعليم المستمر في الخلايا الجذعية واستكشاف تطبيقاتها السريرية في طب الأسنان التجديدي. وبالمثل، وجدت دراسة أخرى، لعينة أصغر احتوت 80 طالبا في السنة النهائية لمرحلة البكالوريوس بطب الأسنان، أن 70% منهم كانوا قادرين فقط على تقديم تعريف للخلايا الجذعية وأن المعرفة حول الأنواع والتطبيقات السريرية للخلايا الجذعية كانت ضعيفة جدا. وتؤيد هذه النتائج دراسات متعددة المراكز تهدف إلى تقييم المعرفة والتطبيقات السريرية لطب الأسنان التجديدي لدى أطباء الأسنان وأطباء أسنان الأطفال المتخصصين.
في هذه الدراسة، على الرغم من التفاوتات بين المشاركين، فإن المستوى الأساسي للمعرفة لايزال ضعيفا فيما يتعلق بالخلايا الجذعية والتطبيقات السريرية لطب الأسنان التجديدي. وأثبتت أيضا دراسة حديثة قمنا بنشرها مؤخرا، احتوت على 45 طبيب أسنان نشط بالمملكة المتحدة أنهم على دراية بالمجال، ولكنهم ليسوا مستعدين لتطبيق علاجات بيولوجية شخصية ويشعرون بالرغبة في تثقيف أنفسهم حول هذا التخصص بشكل أكبر. كما تسلط النتائج الضوء على الفرص المتاحة للهيئات التنظيمية والتعليمية للعمل معا لإعداد الأطباء لهذا المجال الجديد.
يشير بحثنا إلى أن أطباء الأسنان النشطين ليسوا مهيئين لعصر علاجات الأسنان البيولوجية الشخصية، وأن هناك حاجة إلى مزيد من التفكير في كيفية تنفيذ المعرفة البيولوجية الأساسية والأكثر تقدما وتطبيقها في طب الأسنان.
تعتبر الاكتشافات العلمية الجديدة من بين عدة عوامل تؤثر على مناهج طب الأسنان. بالإضافة إلى ذلك، يعيش الأفراد لفترة أطول مع حالات مزمنة، ومن المتوقع أن يحتاج طب الأسنان حتما إلى اعتماد مناهج الطب الدقيق، وإن وجود مجموعات بيانات فردية وشاملة متعددة الأوجه (على سبيل المثال، الجينوميات كمشروع الجينوم السعودي الرائد) يمهد الطريق لعلاجات الأسنان والرعاية الصحية المصممة خصيصا للمريض.
في عام 2017، أقيمت ورشة عمل بالتزامن مع اجتماع الجمعية الأمريكية لتعليم طب الأسنان وجمعية تعليم طب الأسنان في أوروبا (ADEE) التي عُقِدت بمدينة لندن، بمشاركة ممثلين من 27 دولة. قدمت ورشة العمل بهذا المنتدى مناقشات تهدف إلى مراجعة موقف المعلمين وطلاب طب الأسنان فيما يتعلق بالتطورات العلمية الناشئة وأفضل الممارسات العلمية في تعليم طب الأسنان. نشأت العديد من «الأفكار الجديدة» نتيجة لهذه المناقشات، بما في ذلك طب الأسنان التجديدي، والمواد البيولوجية، وتعزيز القدرة الفطرية للأنسجة السنية على إصلاح نفسها. وعلى غرار ذلك، أوصت لجنة اعتماد طب الأسنان بأن «المعرفة بالعلوم البيولوجية يجب أن تكون ذات عمق ونطاق كافيين للخريجين، لتطبيق التطورات في علم الأحياء الحديث على الممارسة السريرية ودمج المعرفة الطبية الجديدة والعلاجات ذات الصلة بالرعاية الصحية للفم».
وكما هو موضح سابقا، يميل طلاب طب الأسنان الجامعيين إلى الحصول على مستوى منخفض من المعرفة حول طب الأسنان التجديدي في ضوء تزايد العديد من التطبيقات السريرية المحتملة لطب الأسنان التجديدي. لذلك تسلط هذه المقالة الضوء على وجود أوجه قصور في مناهج طب الأسنان الحالية بهذا الصدد، والتي قد تعيق تقدم طلاب طب الأسنان في هذا المجال مستقبلا.
بينما يتمتع اختصاصيو طب الأسنان بفرص متزايدة للمشاركة في دورات التطوير المستمر كمنتدى لتدريس الموضوعات القائمة على الطب التجديدي، فقد لا يكون هذا النهج مناسبا مثل المناهج الدراسية القائمة على الكفاءة.
أفادت نتائج دراسة وطنية قائمة على الاستبيان في المملكة المتحدة، شملت طلاب طب الأسنان في السنة النهائية، أن طلاب طب الأسنان شعروا بأنهم غير مستعدين لمسؤوليات التطوير المهني المستمر والتعلم الموجه ذاتيا. أفادت الدراسة أيضا على أن الطلاب لم يكونوا مستعدين جيدا لتبني مناهج قائمة على الأدلة لتوجيه قراراتهم فيما يتعلق برعاية المرضى.
يتم تسليط الضوء بشكل متزايد على نهج الرعاية الصحية عن طريق الفم الذي يركز على المريض. على الرغم من ذلك، توصي الجمعية الأمريكية لتعليم طب الأسنان وجمعية تعليم طب الأسنان في أوروبا بضرورة صياغة مناهج طب الأسنان وتطويرها على أساس مجال الرعاية المتمحورة حول المريض، من بين أمور أخرى.
ومن ثم، فمن المتوقع أن تُغطي مناهج طب الأسنان العمليات البيولوجية في الجسم بعمق كاف؛ لتكون قادرة على استغلال التقنيات البيولوجية الناشئة الجديدة في الممارسة السريرية، وخاصة في الطب التجديدي. وبالتالي، يجب اتباع طرق مُمنهجة للتعليم الجامعي في طب الأسنان التجديدي لطلاب طب الأسنان بالمراحل المبكرة. سيضمن هذا النهج حصول أطباء الأسنان المتخرجين على الكفاءات ذات الصلة والتي ستساعدهم على مواكبة هذا التغير.
تختلف الطريقة التي يتم بها دمج كفاءات تدريس طب الأسنان التجديدي في مناهج طب الأسنان الجامعية بين الكليات في جميع أنحاء العالم. وبالتالي، من الضروري تطوير «نموذج» تعليمي يغطي المعارف والمهارات في المناهج الأساسية المخصصة لطب الأسنان التجديدي. وفقا لذلك، فإن صياغة الكفاءات التي يجب أن يحققها طلاب طب الأسنان قبل التخرج في سنواتهم السريرية أمر ضروري. مثال على ذلك، التدريب على زراعة الخلايا الجذعية السنية وتوظيفها أو المشاركة في العلاجات التجديدية المترجمة إكلينيكيا للتوسع في أهداف التعلم المحددة مسبقا. يمكن صياغة هذه الأهداف لتتماشى مع مستوى الكفاءة المطلوب تحقيقها.
طب الأسنان التجديدي الحديث -الذي يهدف إلى استخدام الخلايا الجذعية وتجديد الأنسجة السنية واستخدامها لعلاج أمراض مستعصية أو استخدامها لزراعة الأسنان بشكل بيولوجي- هو علم معقد ومتعدد التخصصات كما ذُكِر سابقا ويتطلب معرفة البيولوجيا الجزيئية، وعلم الوراثة، وهندسة الأنسجة، وتكنولوجيا النانو. وبالتالي يمكن تصميم سلسلة محاضرات مخصصة وتقديمها في السنوات ما قبل السريرية والسريرية إما من خلال موضوع مستقل (مادة طب الأسنان التجديدي) أو كموضوع فرعي لمواد مُدرجة مسبقا كمادة علم أحياء الفم أو علم مواد طب الأسنان.
هناك تحد آخر قد ينشأ هو نقص التمويل ونقص أعضاء هيئة التدريس والموظفين المدربين لهذا التخصص، من بين عوامل أخرى. ولكن مع ذلك، فإنه من المرجح أن تكون عملية دمج مثل هذه المواد بمناهج طب الأسنان الجامعية بطيئة، مما سيسمح للمؤسسات بالتكيف وفقا لذلك. في هذا الصدد، يجب أن يكون الطلاب والمعلمون ومقدمو الرعاية الصحية والمرضى كذلك، مثل جلد الحرباء التي تتكيف باستمرار مع المشهد المتغير حولها ويجب دائما التعامل مع مثل هذه المواضيع المستجدة بكل مرونة للتقدم المستمر والتطور الدائم بعون الله.
@DrHasanjamal