الرأي

ثريا قابل وذاكرة الطرب الأصيل

زيد الفضيل
شكل ثلاثي جدة -وهذه التسمية أقتبسها من الصديق خالد فوزي محسون- وهم الشاعرة ثريا قابل والشاعر صالح جلال وثالثهما الموسيقي فوزي محسون، مزيجا متناغما قلَّ مثيله في عالم الفن والطرب الأصيل، حيث كان التجانس بينهم عاليا، وكان الصدق بمثاليته الأخلاقية هو الحاكم لطبيعة العلاقة البينية بينهم، إلى درجة التماهي دون أي حساسية تفرضها «أنا» بغيضة.

وكان ظهورهم الفني البارز في منتصف القرن العشرين، حال ازدهار الطرب الأصيل، وبروز نجم الأغنية السعودية بوجه عام، والحجازية منها على وجه الخصوص، ولذلك فيحسب لهم أنهم بأشعارهم وألحان وغناء فوزي محسون قد حفظوا المفردة الحجازية، وجعلوها متداولة على صعيد الوطن بأكمله والعالم العربي، كما هو الحال في مختلف أشعار الأمير خالد الفيصل، والأمير بدر بن عبدالمحسن، وغيرهما من شعراء منطقة نجد، الذين حفظوا المفردة النجدية، وأتاحوا لها الانتشار على صعيد الوطن والعالم العربي بأكمله، وهو ما يصب في خانة القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية بوجه عام.

على كل فإن إشارتي إلى هذا الثلاثي اليوم نابعة من رغبة حثيثة لأن يتم الالتفات إليهم من قبل عراب الحركة الموسيقية معالي المستشار تركي آل الشيخ، الذي باتت بصمته غالبة في ساحتنا الموسيقية بما يقدمه من أعمال عالمية، وبجودة وتنظيم عاليين بشهادة البعيد قبل القريب.

وأرجو أن نشهد حفلا فنيا يحتفي الموسيقيون بأشعار وألحان هذا الثلاثي الذين يستحقون جميعا التكريم.

أشير إلى أن ثريا قابل قد تحصلت على شهادة الكلية الأهلية من بيروت، وعملت في وقت مبكر محررة وكاتبة في عديد من الصحف الوطنية والعربية، واشتهرت ورفيقها الشاعر صالح جلال بمفردتهما البسيطة شعرا، وكونا مع الراحل الموسيقي فوزي محسون جوقة فنية متفردة في طربها وغنائها الأصيل.

في هذا السياق يذكر أن كلمات «سبحانه وقدروا عليك» التي صار يتغنى بها الجميع صغارا وكبارا، كان مطلعها من قول ثريا قابل، ثم أكمل منوالها صالح جلال، وصاروا يدندنون بها جميعا بلحن فوزي محسون، ودون أي حساسية مفرطة أو صراع ضمني على ملكيتها، فالجملة البسيطة كانت تجمعهم، واللحظة التي يكتنزها كل الود والاحترام كانت هي الغالبة على سجيتهم، ولذلك أبدعوا بما نعيشه اليوم من كلمات وموسيقى خالدة. وما أجمل كلماتها التي تدلف منسابة لكل الأفئدة وهي تعبر عن وله الحبيب، المعاتب برفق قول، وجميل تذكار، لحبيب غادر لبلد آخر فتجافى عن محبوبه نسيانا أو انشغالا، حيث تقول:

سبحانه وقِدْرُوا عليك، وخلوك تِنسى أحبابك

ولا بتسأل علينا خلاص، قفَلْت في وجهنا بابك

ولا عاد زَلَّه أو طَلّه، يِحِق لكم لنا الله

وسبحانه قدروا عليك..

يا عيني حظنا تعبان، دَا مهما نِسَوِّي ما بيبان

لو تِحلف كتير أيمان، مَرَاح أصدق الحِلفان

نسِيتنا واحنا في جدة، ونسيت أيامنا الحلوة

ولا عاد زله أو طله، يحق لكم لنا الله

وسبحانه قدروا عليك..

ثم هي تعبر بمفردتها السهلة مرة أخرى عن ذلك الحب العفوي الذي تتولد بذرته بين قريبين أو متجاورين في رواق تلك الحارة القديمة، المكتنزة بعبقها الصادق، وحبها العذري العفيف، فتصف حال روح أغرمت بحبيبها بعفوية طفولية، ثم إذا أفاقت وجدت نفسها وهي المتيمة العاشقة، التي تشتاق لحبيبها في حله وترحاله، وزاد من جمال هذه المفردة البسيطة لحن فوزي محسون فجاءت أغنية تستلين لها الأفئدة، ويدندن كلماتها كل عاشق متيم فيقول:

من بعد مِزح ولعب، أهُو صار حُبك صحيح

أصبحت مُغرم عيون، وأمسيت وقلبي طريح

وأخجل إذا جات عيني، صدفة في عينك وأصير

مربوك وحاير في أمري، من فرحي أبغى أطير

توحشني وانت بجنبي، وأشتاق لك لو تغيب

وأحسد عليك حتى نفسي، وأخشى يِمَسَّك غريب

وأنا الذي كنت أهْرج، والكل حولي سُكوت

قد صرت أتلام وأسكت، واحْسُب حساب كل صوت

والله يا أحلى عمري، في عيوني مالك مثيل

تساوي الروح وأغلى، وتكون عنها بديل

ومرة بعد مرة تبدع بمفردتها البسيطة، وعتابها السلس الذي يُظهر شيئا من مخاوف حبيب مكلوم آثر إلا أن يتسامى غير آبه بجرحه النازف، ويبدع فوزي محسون بلحنه، وعبدالمجيد عبدالله بصوته الشجي، فجاءت سنفونية مكتملة الجمال لتقول:

حاول كدا وجرب، وانس على كيفك

وابعد ولا تِقرِّب، قَنْعَان أنا بطيفك

بكره تِجيك لحظات، تِذكِّرَك بيّا

تِتعنى بالآهات، في الروحة والجيّة

حاول كِدا وجَرِّب

غَرَّك سماح طبعي، وخلاك تِتْمَادى

لا يا حبيب دمعي، بَطَّلت دِي العادة

خايف أماني العمر، تِسألني يوم عَنَّك

يِصعب أبوح بالسر، واللي حصل منَّك

غُض النظر عني، لا تطوِّل الطَّلة

واصْحَك تِعشِّمني، وتِرْجَع وتِتْخلَّى

بكره تِجيك لحظات، تِذكرك بيّا

تتعنى بالآهات، في الروحة والجيّة

حاول كدا وجرب.

zash113@