الرأي

مضمار الفورمولا.. لماذا قررنا خنق الكورنيش بدلا عن خلق مساحة جذب سياحي جديدة؟

موفق النويصر
يعلم الجميع أن خيار الترفيه في مدينة مثل جدة لا يتعدى الكورنيش بطرفيه الشمالي والحمراء، ثم المولات والمراكز التجارية بما تضمه من كافيات وسينمات، وأخيرا منطقة البلد التاريخية عند إقامة فعاليات فيها.

لذا من غير المستغرب أن تجد معظم أهالي المدينة وزوارها في هذه المواقع، وبالتالي يضطر الكثير من الناس إلى عدم الاقتراب منها، كونهم لن يجدوا لهم مكانا فيها، أو يكتفون بالمرور عليها بالسيارة ومن ثم مغادرتها لأقرب مطعم لشراء وجبة عشاء يتناولونها في البيت.

وفي المرة التي اصطحبت فيها زوجتي وقررت الطمع بأكثر من خيار المرور بالكورنيش من جهة الشمال، فوجئت بأعمال الإنشاءات المصاحبة لمضمار سباق الفورمولا 1.

وعندما اتخذت قراري بالمغادرة، اكتشفت أني والكثير ممن دخلوا «متاهة الكورنيش» على حين غرة، احتاجوا لأكثر من 40 دقيقة من البحث والتنقيب عن أفضل وسيلة تقودهم لمغادرتها وهم محتفظون بأعصابهم وعقولهم.

الغريب أن سيل الأسئلة لم ينفك يتوالى على ذهني خلال مرحلة البحث عن مخرج، لا يبددها سوى منبه بعض السيارات من خلفي وهي تستحثني على التحرك بضعة أمتار للأمام، إلا أن السؤال الذي ظل عالقا في ذهني ولم يغادره كان، لماذا قرر المسؤولون إقامة مضمار

السباق في منطقة الكورنيش دون غيره من مناطق المدينة؟

شخصيا سأعتبر ما سأقوله تاليا بلا قيمة ويمكن تجاهله بالكلية، إن كان بناء المضمار في الكورنيش جاء بتوجيه رسمي أو أنه شرط من شروط إقامة الفورمولا في السعودية، فالعوائد الاقتصادية والسياحية المتوقعة من خلفها تجعلها مستحقة ومبررة.

أما إن كانت الإجابة (لا)، فسؤالي لأمين جدة المهندس صالح التركي بصفته رجل أعمال قبل أن يكون مسؤولا حكوميا، وهو المطلع على صغائر الأمور في مدينته وكبيرها، ألم يكن من الأجدى والأفضل اقتصاديا وحياتيا إقامة المضمار في مكان آخر غير منطقة الكورنيش المكتظة أصلا بالأبراج السكنية والمشاريع التجارية والمدن الترفيهية والفنادق، وتعتبر المتنفس الأبرز لسكان المدينة وزائريها؟

ألا يعلم الأمين أن الكورنيش بالرغم من مشاريعه المختلفة، يفتقر لأهم مقومات الجذب السياحي، كوجود مواقف مناسبة للسيارات أو «ترام» ينقل الزوار من خارجه إلى داخله وبالعكس؟

هل يعلم الأمين أن معظم أسر جدة لا يتعدى استمتاعها بالكورنيش سوى المرور به بسياراتهم الخاصة، دون تمكنهم من التوقف أو الجلوس به والاستفادة من خدماته؟

ألا يعلم الأمين أن العديد ممن حضروا سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا 1 في نسخته الأولى، لم يتمكنوا من الوصول لمضمار السباق في الوقت المناسب، وبعضهم قرر التضحية بقيمة التذكرة والعودة من حيث أتى، كون الأمر تطلب منهم بذل جهد يفوق طاقتهم؟

لا أعلم ما الذي تبقى لسكان جدة بعد اقتصاص هذه المساحة الشاسعة من كورنيشهم لصالح مشروع سيكون مغلقا معظم أيام السنة مهما تعددت فعالياته.

ألم يكن بالإمكان استنساخ تجربة الحكومة البريطانية عندما قررت استضافة الألعاب الأولمبية في 2012، فاختارت أكبر منطقة عشوائية لديها (المنطقة الشرقية من العاصمة) وقررت إحياءها. وكيف نجح رهانها بحسب Visit British Media Center في تحويل مساحات شاسعة

بطول 60 كلم من الموانئ القديمة على طول نهر التايمز، ومستودعات مهجورة وأحياء تسكنها أعلى نسبة من الأقليات، إلى منطقة جذب سياحي تضم كل ما يحتاجه السياح.

لماذا لم يقم المضمار في موقع آخر بعيدا عن كل تلك المعوقات، وليكن على سبيل المثال بالقرب من مدينة الملك عبدالله الرياضية «الجوهرة المشعة»، حيث المساحات الشاسعة هناك يمكن أن تستوعب المشروع وما يحتاجه من أساسيات وكماليات بكل يسر وسهولة؟

ما أريد الوصول إليه، لماذا اخترنا أن نخنق متنفسنا الأهم بدلا عن خلق منطقة جذب سياحي جديدة؟ لماذا قررنا الاستثمار في منطقة ناجحة بذاتها بإقامة مشاريع تفوق طاقتها الاستيعابية، فتصبح فرصة الاستفادة منها لاحقا أكثر صعوبة؟ لماذا اخترنا النظر تحت أقدامنا بدلا عن رفع رؤوسنا للأعلى ومشاهدة الصورة بشكل أوسع وأعم بما يخدم جميع أجزاء المدينة؟ فهل أنا مصيب فيما ذكرت أم جانبني الصواب؟

@alnowaisir