الرأي

التوازن جوهر الحياة

باسم سلامه القليطي
يقول الكاتب (أوسكار وايلد): «إن الإنسانية تنظر إلى نفسها بجدية أكثر مما ينبغي، وهذه الجدية هي الخطيئة الأولى التي تردّى فيها العالم.

فلو أن رجل الكهف تعلم كيف يضحك لتغير مجرى التاريخ، الجدية هي الملجأ الوحيد الذي يلوذ به ذوو التفكير الضحل».

ربما كانت البشرية تميل للجدية كثيرا وقت كتابة هذه المقولة التي مات كاتبها مطلع القرن الماضي، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع مقولة الكاتب، إلا أن التجربة الذاتية والخبرة الحياتية، تجعلنا موقنين أن النفس البشرية لا تلزمها حال واحدة، فهي تتنقل بين الجد والمرح، بين الأخذ والعطاء، بين السرور والأسى، بين كل فعلين أو صفتين متضادتين، فإن مالت إلى طرف على حساب الآخر، كان ميلها ذاك اختلالا، وأورثها اضطرابا واعتلالا، وصارت حاجتها للاتزان ملحة، فهو العدل بين الأشياء المتنافسة والمتضادة.

ولكي يتحقق التوازن في حياة الفرد، لا بد أن يعرف معنى التوازن في الموقف المحدد، فإذا أراد أن يوازن مثلا بين حاجاته وواجباته، تحتم عليه أن يُرتِّب الواجبات بحسب أهميتها، والحاجات بحسب أولوياتها. ولا يكتفي بأول قرار اتخذه بخصوص هذه التوازنات، وإنما يعيد النظر فيها كلما استجد في الأمور أمور، متسلحا بإرادة قوية حازمة تساند القرارات الذكية، فتحميها من الأهواء المضلة، والشهوات المذلة.

متى ما امتلك العقل تصورات صحيحة عن الأمور، وقدرة على التفريق بين الحقيقة ووجهة النظر، وتجنب الوقوع في أخطاء التفكير، وآمن بمحدوديته مهما بلغ من ذكاء، عندها يصبح صاحبه (متوازنا فكريا). ومتى ما امتلك العقل تفكيرا منطقيا، ونظرة شاملة للأمور، ومرونة في مواجهة أحداث الحياة، وابتعد عن المبالغة، وتمسك بالتفاؤل والمرح، وركز على رضا الله عز وجل، الذي هو الهدف الأسمى والأبقى، عندها يصبح (متوازنا نفسيا).

التوازن قد يأتي بمعنى الوسط، وقد قال الفيلسوف (أرسطو): «الفضيلة وسط بين رذيلتين». الشجاعة وسط بين التهور والجبن، والكرم وسط بين الإسراف والبخل، والحرية وسط بين الفوضى والقمع، والثقة وسط بين الارتياب والتسليم، لكننا لا نتفق مع هذه المقولة بإطلاقها، فهناك فضائل لا وسط فيها، مثل: الصبر والوفاء والحياء والصدق والعدل وغيرها، كلها خير ولا تأتي إلا بخير، كما دلت على ذلك آيات الذكر الحكيم، وأحاديث السنة المطهرة، ولكننا نستأنس بهذه المقولة مع بعض الفضائل، لتحقيق التوازن قدر المستطاع، وفي القول المأثور: «خير الأمور أوسطها»، والعرب قديما قالت: (حب التناهي شطط وخير الأمور الوسط).

الإنسان رهين إشباع حاجاته الخمس وهي: حاجته للبقاء وللانتماء وللقوة وللحرية وللترويح، فيجد إشباعا جيدا لحاجتي القوة والحرية في العمل، ويجد إشباعا مناسبا لحاجتي الانتماء والبقاء لدى أسرته، ولكي يتوازن الإنسان قدر الإمكان بين هاتين البيئتين، عليه أن يفصل بينهما، فلكل بيئة همومها الخاصة، ومشكلاتها المزعجة، ولا يُغلِّب جانبا على الآخر، فيظلم نفسه ويشقيها، وعليه أن يعمل بذكاء أكبر وجهد ووقت أقل، ويبتعد عن الفوضى وإهدار الوقت الكبير، بالتخطيط وحسن التدبير، فالاختلال فوضى ومعاناة، والتوازن جوهر الحياة.

نبحث دائما عن السعادة، ونحاول الحصول عليها بشتى الطرق المتاحة، ونتعلم أن التوازن عامل مهم جدا من عوامل الحصول عليها، وهو من أكثر المهارات التي نحتاجها في حياتنا اليومية، ومع ذلك لا نعطيها حقها من العناية والدراية والمتابعة، شاقة لمن لم يعتد عليها، مرهقة لمن لا يعرفها، وتعتبر (عجلة الحياة) من أفضل النماذج المساعدة على توازن الإنسان في حياته، وتتكون هذه العجلة من ثمانية محاور هي: الروحي، العقلي، النفسي، الجسدي، الأسري، الاجتماعي، المهني، المالي. متى ما كانت هذه المحاور متوازنة كانت حياتنا سعيدة، صحيح أن هناك وقتا وموسما لكل شيء في الحياة، لكن العاقل هو من يفهم هذه الحقيقة ويدمجها مع خططِه لعجلة الحياة.

لاحظ الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه على أخيه أبي الدرداء رضي الله عنه شيئا من الاختلال في حياته، فقال له: «إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعطِ كل ذي حق حقه». ولما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بالخبر قال: (صدق سلمان).

basem_slr @