من بين نظريات المؤامرة التي تنتشر على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، من المحتمل جدا أن تكون نظرية الأرض المسطحة هي الأكثر غرابة، حيث اكتشف الإغريق شكل الكوكب قبل 2000 عام من خلال الملاحظة البسيطة والتجربة العملية.

بل إن الأمر تعدى معرفة شكل الأرض إلى قياس محيطها ومعرفة أبعادها. ومع كل هذه الحقائق، من الغريب أن تعلم أنه تم إنشاء جمعية خاصة بالأرض المسطحة قبل 50 عاما تقريبا وينتسب إليها اليوم أكثر من 500 عضو، وتنظم هذه الجمعية مؤتمرات سنوية لمناقشة شكل الأرض وإثبات أنها مسطحة.

ويبدو أن شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت قد ساهمت في زيادة الاهتمام بهذه النظرية وترسيخها، حيث أظهرت بعض الدراسات أن واحدا من كل 10 مراهقين إيطاليين يعتقد أن الإنسان لم يهبط على القمر إطلاقا، بينما يعتقد 5% منهم أن الأرض مسطحة، بينما يعتقد 1% من المراهقين في الولايات المتحدة الأمريكية أن الأرض مسطحة.

كيف لإنسان سافر بالطائرة ويستخدم أنظمة تحديد المواقع GPS أن يؤمن بأن الأرض مسطحة؟ كيف لإنسان درس الفيزياء وعلم الفلك وعلوم الأرض والعلوم المتعلقة الأخرى أن يعتقد أن الأرض ليست كروية؟

يقول الدكتور بيتر إليرتون المحاضر في التفكير النقدي في جامعة كوينزلاند إن أحد أهم أسباب رفض فكرة كروية الأرض لدى البعض أن الإيمان بهذه الفكرة يستلزم رفض سرد موجود وقائم لديهم. كما هو الحال في بعض التفسيرات الحرفية للكتب المقدسة (سواء في الإنجيل عند المسيحيين أو القرآن الكريم عند المسلمين) بينما يرفض آخرون فكرة كروية الأرض بسبب فقدان الإدراك بالعالم وعدم القدرة على تخيل مخرجات العلم، مما يجعلهم يشككون فيه وفي النتائج التي يتم تبنيها من خلاله.

بينما يؤكد بعض علماء النفس أن الحالة النفسية للإنسان وتركيبته الشخصية قد تساعد في تبني نظرية المؤامرة، خصوصا في عالم يوجد فيه الكثير من المعرفة والمعلومات. ولا نملك بشكل شخصي وفردي سوى القليل جدا من هذه المعلومات، لذلك يحاول الدماغ اللجوء لأساليب عديدة وبارعة لتفادي الإحساس بالجهل وفقدان المعرفة من خلال رفض وإنكار بعض هذه الحقائق.

التأخر العلمي مع بعض التفسيرات الحرفية للنصوص الدينية قد يؤدي إلى الانفصال عن الواقع وتقديم حلول وأفكار بسيطة لمشاكل أكثر تعقيدا، حيث يعتمد مؤيدو نظرية الأرض المسطحة على فكرة بسيطة متجاهلين كل الحقائق والأمور اليومية الأخرى، لذلك من الطبيعي جدا أن تجد من يناقشك في شكل الأرض ومن ثم يقوم باستخدام خرائط قوقل لتحديد اتجاه القبلة، والتي لم تكن لتعمل لولا الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض.

المشكلة الحقيقية في نظرية الأرض المسطحة هي «تسطيح» جميع العلوم والمعارف الإنسانية الحالية. علميا، لا يمكن أن تدرس مثلثات فيثاغورس والجاذبية الأرضية وتشاهد القنوات عبر البث الفضائي وتتجاهل جميع أمور حياتك الأخرى ومن ثم تؤمن بأن الأرض مسطحة.

أخيرا، رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث نقل الإجماع على كروية الأرض في عدة كتب منها العرشية ودرء تعارض النقل والعقل، وقال: ما علمت من قال إنها غير مستديرة -وجزم بذلك- إلا من لا يؤبه له من الجهال.

smalanzi@