الرأي

صراع الأجيال

مرزوق بن تنباك
صراع الأجيال واختلافها ظاهرة أبدية دائمة الحدوث والتكرار ولا يعيش جيل في ثوب من سبقه من الأجيال ولا في بعض موروثات أسلافهم إلا نادرا في تاريخ البشرية، والقليل الذي يرون المحافظة عليه ويعدونه جزءا من تراثهم يصيبه التغيير أيضا.

وظاهرة التمرد على طقوس الماضي صارت في الوقت الراهن مطلبا للجيل المعاصر الذي يطالب بالانقطاع عن الماضي وعن الإرث الثقافي وهي حالة مشاهدة في تصرفات الشباب، وهذا الأمر موضع نظر وجدل مستمر منذ الأزل والخلاف حوله قائم مع كل الأجيال وفي كل العصور التي ينشأ فيها الحراك الاجتماعي ويختلف الناس حول ما يبقى من الماضي وما يمكن أن يصلح العمل به للحاضر وما ينقطع من العادات والموروثات ويذهب مع جيله الذي صنعه ويحتاج إليه.

على أن ما يحدد العلاقة بين الماضي والحاضر هي عوامل كثيرة بعضها مستمر دائم في حياة الإنسان وبعضها متغير ومتحول، لكن في المجتمعات المحافظة والراكدة وبطيئة الحركة تسود قيم الماضي وعاداته وتقاليد الآباء والأجداد ويصبح التمسك بها قيمة في حد ذاتها.

ويُشكر الإنسان والمجتمع الذي يحافظ على ما يتصل في أخلاقه وتصرفاته طبق لما يتلقاه من موروث وما يحافظ عليه من العادات حتى يصبح الماضي بكل تفاصيله عند المجتمع المحافظ مقدسا ومحترما لا يقبل المساس به ولا يرى تغييره أو التحول عنه حتى تصل عادات الآباء والأجداد إلى حالة من التكلس والجمود وتصبح بعض تقاليده معبودات له يمارس لها طقوسا كطقوس العبادة حينها لا يستطيع الانتقال منها أو تجاوز محيطها إلا بصعوبة بالغة وفتاوى من سدنة الماضي في كل التفاصيل وفي أقل الأشياء خطرا ويصبح جيش الفتوى أكثر من جيش الباحثين عن الجواب عليها.

إن التمسك في قيم الماضي يسود في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: الخوف من التغير وعدم القدرة على تصور المآل الذي يؤل إليه الحال لو انتقل الإنسان من مسلماته وعاداته إلى غيرها أو حاول تغييرها أو تعديل ما يراه قابلا للتعديل منها، والخوف من نتائج التغيير والتحول هو أشد العقبات التي تقف في سبيل الإصلاح والتقدم مهما كان نوعه ومهما كانت الحاجة ماسة إليه وقد واجهت المجتمعات في بداية نهوضها وتقدمها حالة كهذه من الرفض والاعتراض والتردد بقبول التحول وهو أمر مفهوم من أغلبية الناس الذين تأسس في وعيهم صلاح الموروث وتقديسه.

الحالة الثانية: العجز وعدم القدرة على تغيير الحاضر مهما كانت الحاجة ماسة لتغييره حين تفرض الثبات قوة قاهرة لا يستطيع الذين يؤمنون بالتغيير مواجهتها أو التغلب عليها وكثيرا ما تخفق محاولات التطور بفرض قوة مناهضة له وتكون محاولات التغيير مرفوضة لأسباب يحتج بها معارضوه وغالبا ما يكون لهذه الأسباب أغراض ومنافع شخصية معتبرة لدى الذين يفرضون الثبات والديمومة وقد واجهت مجتمعات كثيرة حالة مثل هذه وقلما تنجح بالخلاص الذي تسعى إليه إلا بتضحيات كبيرة.

الحالة الثالثة والأخيرة: ضعف الإرادة وانعدام حوافز المغامرة والمخاطرة من مجهول قد لا يحقق الفائدة التي ترجى من التغيير وكثيرا ما تجر المغامرات الناس إلى كوارث وحسابات يتخذها دعاة الثبات حجة يعيقون بها طموح الطامحين إلى التغيير ويثبطون العزيمة لدى المجتمع الذي يحاول المخاطرة ويقدم عليها وقد تؤول إلى التصادم الضار أو الحرب المدمرة بين الفريقين.

Mtenback@