ميول الصحافة السعودية
تنمو الصحافة في كل دولة، وتتشكل شخصيتها، وفقا للظروف التي صنعتها البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
الاحد / 1 / جمادى الأولى / 1435 هـ - 02:00 - الاحد 2 مارس 2014 02:00
تنمو الصحافة في كل دولة، وتتشكل شخصيتها، وفقا للظروف التي صنعتها البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. الصحافة السعودية كغيرها ذات سمات عامة متقاربة خاصة بها، بسبب الإطار التاريخي الذي نشأت فيه. في مقابل هذا تبدو مشكلة اللغة التعميمية السائدة قديما لدى الرؤية الشعبية، عندما تضع الصحافة السعودية كلها في سلة واحدة، وتعمم موقف كل جريدة وأسلوبها على جميع الصحف، ويتورط في مثل هذه الرؤية التبسيطية كثير من النخب. تختلط عند كثير من فئات المجتمع التقليدية الرؤية للصحافة بأنه لا ينشر فيها إلا ما تأذن فيه الحكومة وبين تفاصيل لا علاقة لها بالسماح أو عدمه. هذه الرؤية لها مبرراتها التاريخية، وفيها جزء من الحقيقة حول قضايا رئيسية، لكنها ليست هكذا حول جوانب تفصيلية أخرى في الثقافة والرياضة والاقتصاد، والقضايا الخدماتية. منذ زمن حاولت كثيرا في حوارات شخصية شرح هذه الفروقات الموجودة فعليا، مهما كانت الصورة النمطية عنها طاغية، والتي لها مبرراتها. السبب الرئيس في صعوبة التفريق بين صحيفة وأخرى في مجتمعنا أنها غير مصنفة كما في بعض الدول لأحزاب معارضة وتيارات سياسية معينة، ولهذا سادت هذه اللغة التعميمية منذ عصر الصحافة الورقية. الأخبار والتغطيات الرسمية تبدو دائما متشابهة، وكانت المانشيتات في الصفحة الأولى متقاربة جدا، وقريبة من روح وكالة الأنباء الرسمية. لكن هذا التشابه في الملامح الرسمية لا يعني تشابها في كل شيء، فالواقع هناك اختلافات كثيرة بين كل صحيفة وأخرى في استعمال الحرية المتاحة، ومستوى الرقابة لديها، ونوعية الاهتمامات والميول، ودرجة المواقف في بعض الصراعات، ولهذا في مواجهة قضية الحداثة والصحوة كانت هناك درجات مختلفة بين صحيفة وأخرى. كثير من دعاة الصحوة وجمهورها في الماضي أخذوا مواقف تعميمية من الصحافة منذ البدايات وفي مجملها سلبي، تطورت فيما بعد إلى صحف بعينها تتخذ هدفا في صراعات محددة. في المجال الرياضي الذي يبدو أكثر وضوحا في هذه المشكلة، استوقفني جزء من برنامج (كورة) مع تركي العجمة على روتانا خليجية، عندما تداخل الإعلامي داود الشريان عبر الهاتف في حديثهم عن اتجاه الصحافة الرياضية، والذي كان فيه اللاعب فهد الهريفي يتحدث بحماس عن طغيان الإعلام الهلالي في الماضي، ووصفه بأنه استعمار، ولأن داود صحفي قدير ومخضرم..توقعت منه أن يصحح مثل هذه الرؤية التعميمية السائدة عن ميول الصحافة، والحديث عن الإعلام الهلالي بصورة مؤامراتية منذ عقود وكأنه يسيطر على جميع الصحف السعودية. وأخذ يتحدث عن المعاقل الإعلامية، وأنها «لا تسمح لواحد نصرواي يشتغل فيها، يعني كأنها أحزاب مهب صحف هذا الكلام لازم يتغير». كنت أتمنى ألا يجاري صحفي مخضرم هذه الأوهام، وهي جزء من طبيعة الخطاب النصرواي الذي تشكل منذ السبعينات وله ظروف تاريخية، وقد أحتاج شرح مستقبلا طبيعة هذا الخطاب الذي يجمع بين المظلومية والشراسة والمهارة على فرض الأوهام وكأنها حقائق. المشكلة هنا في عدم التمييز بين ميول صحافة الوسطى وصحافة الغربية، فإذا كانت الوسطى تميل لصالح فريق الهلال، فإن الغربية ليست كذلك، ولهذا كانت صحف الغربية متميزة بملاحقها ومجلاتها القوية رياضيا في تلك المرحلة، وبالرغم من ميولها لأنديتها إلا أنها تميل أيضا لنادي النصر. أكثر ما يميز بين صحيفة وأخرى، الفارق بين السقف الرسمي وسقف رئيس التحرير، فالتجربة التاريخية قدمت لنا نماذج عديدة لمساحة التحرك، فجزء كبير من مشكلات الصحافة المحلية ليس لها علاقة بالحريات مع أهميتها، وإنما بمهنية إدارة التحرير، ولهذا نجد أحيانا رفعا للحرية لأسباب وقتية في مجالات معينة، ومع ذلك تفشل العديد من الصحف في الاستفادة من هذه الحرية الموقتة، فتقدم ملفات رديئة..مليئة بالهجاء أكثر منها أعمالا تبقى طويلا في الذاكرة. القريبون من الوسط الصحفي يعرفون جيدا الفروقات بين سقف كل رئيس تحرير، فما تنشره هذه الصحيفة قد يبدو مستحيلا نشره في الصحيفة الأخرى. بعض إدارات التحرير طريقة تفكيرهم لا تساعدهم على تقييم المواد، فيبالغون في الحذر، وتشوه بعض الأعمال الصحفية بالحذف والتعديل. سقف الرقيب هو في حالات كثيرة هلامي، يصعب عمليا تحديده بالمسطرة، لأن طبيعة العمل الصحفي لا تسمح بهذا الجمود. الإشارة لأهمية التمييز بين الصحف السعودية، ورفع قدراتنا فيه يساعد على نمو وتطور الصحافة والتفريق بين الصحفي الناجح والفاشل، وبين المتحرك والساكن، فهذه التعميمات غير الموضوعية أكثر فائدة للجامدين وفق قوالب معينة. لكن هذا التمييز لا يصلح استعماله في الدفاع عن رؤية الخارج لصحافتنا المحلية في تغطيتها للأحداث الدولية ومواقفها، فهذه الرؤية الخارجية لها ما يبررها فعلا، فالخارج لا يهمه التفاصيل في المجالات التي أشرنا لها، وإنما المواقف الكبرى في قضايا السياسة والصراعات الدولية. هذا التعميم صحيح في هذا الحالات، حتى لو لم تكن صحفنا تقوم بدور جريدة أم القرى رسميا.