الطائرات المسيّرة وتغيير قواعد اللعبة
الأربعاء / 2 / جمادى الآخرة / 1443 هـ - 20:37 - الأربعاء 5 يناير 2022 20:37
صعد نجم الطائرات المسيّرة في الصراعات والمواجهات العسكرية وتزايد الحديث عنها مجددا انطلاقا مما ذكرته التقارير الإعلامية حول استخدام الجيش الإثيوبي لطائرات «بيرقدار» التركية من دون طيار، في المعارك ضد جبهة تحرير «تيغراي» وقلب الموازين لمصلحة القوات الحكومية.
لم تكن إثيوبيا هي ساحة القتال الأولى التي لعبت فيها المسيّرات الدور الأبرز في الفترة الأخيرة، بل سبقها الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، حيث نجحت «البيرقدار» (TB2) التركية أيضا في صراع ناغورنو كاراباخ، وقبلها استخدمت تركيا نفس الطائرات في عملية «درع الربيع» التي نفذتها القوات التركية في شمال سوريا في فبراير عام 2020، وهناك أيضا دور هذه الطائرات في الصراع الليبي، فضلا عن استخدام هذا النوع من الطائرات في شن هجوم على مصفاة النفط السعودية في «أرامكو» عام 2019.
هذه المحطات الزمنية تسلط الضوء على حدوث نقلة نوعية كبرى للدور الوظيفي للطائرات المسيّرة وانتقالها من الرصد والمراقبة والاستطلاع وجمع المعلومات إلى أداء أدوار هجومية فاعلة للغاية، كما تسلط الضوء على الدول التي حققت تقدما في صناعة هذه الطائرات، وكيف توظفها سياسيا واستراتيجيا، فإلى جانب القوى الدولية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي تمتلك أجيالا متعددة من طائرات «درون» التي يستخدمها الجيش الأمريكي منذ سنوات طويلة، تبرز تركيا وإسرائيل والصين وإيران، وقد لفت دور هذه الطائرات الأنظار في العالم لدرجة أن 27 عضوا بالكونجرس الأمريكي (من الحزبين الديمقراطي والجمهوري) قد عبروا عن مخاوفهم من تطور برنامج المسيّرات التركي، وناشدوا وزير الخارجية انتوني بلينكن تعليق تصاريح التصدير العسكري لأنقرة، للتأكد من أن برنامح طائرات «بيرقدار» لا يستخدم أي تكنولوجيا أمريكية.
هذه الطائرات أثبتت قدرتها على تغيير معادلات الصراع ولعب دور حاسم لمصلحة طرف دون آخر، وفي ظل محدودية سعرها يتوقع لها الكثيرون أن تكون السلاح الأكثر انتشاراً في السنوات المقبلة، لاسيما في ظل فارق السعر الكبير بينها وبين الأسلحة الأخرى، فسعر الطائرة «بيرقدار» التركية يقدر بنحو 5 ملايين دولار، في حين يبلغ سعر الطائرة المقاتلة من طراز إف 35 نحو 122 مليون دولار، وتايفون يوروفايتر نحو 165 مليون دولار، وسوخوي «سو57» 84 مليون دولار.
وما يهمنا في هذا التطور أن الطائرة التركية المسيّرة «بيرقدار» باتت أحد أهم أدوات أنقرة في التوسع وكسب نفوذ خارجي، من خلال التزايد الكبير في الطلب على هذه الطائرة، التي أصبحت إحدى الطائرات الأكثر انتشارا وطلبا في العالم، حيث قامت تركيا ببيعها لنحو 15 دولة حتى الآن، بما يعنيه ذلك من تعزيز فرص تحقق المصالح الاستراتيجية التركية. ورغم التنسيق التركي - الروسي في سوريا ومناطق أخرى، فإن هذا لا ينفي وجود تنافس حاد بين مسيّرات «بيرقدار» ومنظومة «بانتسير» الدفاعية الروسية، عقب تدمير عدة منظومات منها في سوريا وليبيا.
أحد جوانب خطورة هذه الطائرات أنها باتت سلاحا بيد الميليشيات كما هو الحال في بعض دول المنطقة، حيث يستخدمها الحوثي في اليمن والميليشيات الطائفية في العراق، فضلا عن أنها تتيح إمكانية شن الضربات ثم نفي أي مسؤولية عن هذه الهجمات كما حدث في حالة الهجوم على منشآت أرامكو بالمملكة العربية السعودية، وهنا تشير بعض الإحصاءات إلى أن هناك نحو 63 تنظيما أو ميليشيات أو قوات غير نظامية في العالم تمتلك طائرات مسيّرة!
تعقيدات استخدام المسيّرات لا تقتصر على الصراعات العسكرية التي تشهد تحولات نوعية مهمة بدخول عنصر الإدارة أو التحكم عن بُعد، بل تطال انتهاك سيادة الدول، بل وحقوق الإنسان بالنظر إلى تزايد استخدام هذه الطائرات في تنفيذ الاغتيالات.
الخبراء لا يشعرون بتفاؤل كبير حيال إمكانية السيطرة على تكنولوجيا التحكم عن بعد ووضع القيود اللازمة لبيعها وتصديرها، وهذه أمور متوقعة في ضوء التقدم التقني الهائل وطفراته المتسارعة، ولكن ما يلفت الانتباه بشكل خاص هو اتساع قاعدة امتلاك التكنولوجيا العسكرية المتطورة وبالتالي كسب المزيد من النفوذ الاستراتيجي، فمن يمتلك التكنولوجيا يمتلك القدرة على بناء العلاقات وتوسيع دائرة تحقيق مصالحه الاستراتيجية، أو على الأقل الدفاع عنها، وهذا ما يجب على الدول العربية الانتباه له جيدا؛ لأن اتساع فجوة التكنولوجيا بمرور الوقت يضعف فرص الدول العربية ليس فقط في اللحاق بركب التكنولوجيا، ولكن أيضا في الحفاظ على أمنها واستقرارها وسيادتها الوطنية.
drsalemalketbi@
لم تكن إثيوبيا هي ساحة القتال الأولى التي لعبت فيها المسيّرات الدور الأبرز في الفترة الأخيرة، بل سبقها الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، حيث نجحت «البيرقدار» (TB2) التركية أيضا في صراع ناغورنو كاراباخ، وقبلها استخدمت تركيا نفس الطائرات في عملية «درع الربيع» التي نفذتها القوات التركية في شمال سوريا في فبراير عام 2020، وهناك أيضا دور هذه الطائرات في الصراع الليبي، فضلا عن استخدام هذا النوع من الطائرات في شن هجوم على مصفاة النفط السعودية في «أرامكو» عام 2019.
هذه المحطات الزمنية تسلط الضوء على حدوث نقلة نوعية كبرى للدور الوظيفي للطائرات المسيّرة وانتقالها من الرصد والمراقبة والاستطلاع وجمع المعلومات إلى أداء أدوار هجومية فاعلة للغاية، كما تسلط الضوء على الدول التي حققت تقدما في صناعة هذه الطائرات، وكيف توظفها سياسيا واستراتيجيا، فإلى جانب القوى الدولية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي تمتلك أجيالا متعددة من طائرات «درون» التي يستخدمها الجيش الأمريكي منذ سنوات طويلة، تبرز تركيا وإسرائيل والصين وإيران، وقد لفت دور هذه الطائرات الأنظار في العالم لدرجة أن 27 عضوا بالكونجرس الأمريكي (من الحزبين الديمقراطي والجمهوري) قد عبروا عن مخاوفهم من تطور برنامج المسيّرات التركي، وناشدوا وزير الخارجية انتوني بلينكن تعليق تصاريح التصدير العسكري لأنقرة، للتأكد من أن برنامح طائرات «بيرقدار» لا يستخدم أي تكنولوجيا أمريكية.
هذه الطائرات أثبتت قدرتها على تغيير معادلات الصراع ولعب دور حاسم لمصلحة طرف دون آخر، وفي ظل محدودية سعرها يتوقع لها الكثيرون أن تكون السلاح الأكثر انتشاراً في السنوات المقبلة، لاسيما في ظل فارق السعر الكبير بينها وبين الأسلحة الأخرى، فسعر الطائرة «بيرقدار» التركية يقدر بنحو 5 ملايين دولار، في حين يبلغ سعر الطائرة المقاتلة من طراز إف 35 نحو 122 مليون دولار، وتايفون يوروفايتر نحو 165 مليون دولار، وسوخوي «سو57» 84 مليون دولار.
وما يهمنا في هذا التطور أن الطائرة التركية المسيّرة «بيرقدار» باتت أحد أهم أدوات أنقرة في التوسع وكسب نفوذ خارجي، من خلال التزايد الكبير في الطلب على هذه الطائرة، التي أصبحت إحدى الطائرات الأكثر انتشارا وطلبا في العالم، حيث قامت تركيا ببيعها لنحو 15 دولة حتى الآن، بما يعنيه ذلك من تعزيز فرص تحقق المصالح الاستراتيجية التركية. ورغم التنسيق التركي - الروسي في سوريا ومناطق أخرى، فإن هذا لا ينفي وجود تنافس حاد بين مسيّرات «بيرقدار» ومنظومة «بانتسير» الدفاعية الروسية، عقب تدمير عدة منظومات منها في سوريا وليبيا.
أحد جوانب خطورة هذه الطائرات أنها باتت سلاحا بيد الميليشيات كما هو الحال في بعض دول المنطقة، حيث يستخدمها الحوثي في اليمن والميليشيات الطائفية في العراق، فضلا عن أنها تتيح إمكانية شن الضربات ثم نفي أي مسؤولية عن هذه الهجمات كما حدث في حالة الهجوم على منشآت أرامكو بالمملكة العربية السعودية، وهنا تشير بعض الإحصاءات إلى أن هناك نحو 63 تنظيما أو ميليشيات أو قوات غير نظامية في العالم تمتلك طائرات مسيّرة!
تعقيدات استخدام المسيّرات لا تقتصر على الصراعات العسكرية التي تشهد تحولات نوعية مهمة بدخول عنصر الإدارة أو التحكم عن بُعد، بل تطال انتهاك سيادة الدول، بل وحقوق الإنسان بالنظر إلى تزايد استخدام هذه الطائرات في تنفيذ الاغتيالات.
الخبراء لا يشعرون بتفاؤل كبير حيال إمكانية السيطرة على تكنولوجيا التحكم عن بعد ووضع القيود اللازمة لبيعها وتصديرها، وهذه أمور متوقعة في ضوء التقدم التقني الهائل وطفراته المتسارعة، ولكن ما يلفت الانتباه بشكل خاص هو اتساع قاعدة امتلاك التكنولوجيا العسكرية المتطورة وبالتالي كسب المزيد من النفوذ الاستراتيجي، فمن يمتلك التكنولوجيا يمتلك القدرة على بناء العلاقات وتوسيع دائرة تحقيق مصالحه الاستراتيجية، أو على الأقل الدفاع عنها، وهذا ما يجب على الدول العربية الانتباه له جيدا؛ لأن اتساع فجوة التكنولوجيا بمرور الوقت يضعف فرص الدول العربية ليس فقط في اللحاق بركب التكنولوجيا، ولكن أيضا في الحفاظ على أمنها واستقرارها وسيادتها الوطنية.
drsalemalketbi@