ما زلنا في ظاهرة (تصور) حتى تنتهي!
السبت / 14 / جمادى الأولى / 1443 هـ - 19:42 - السبت 18 ديسمبر 2021 19:42
لا أظن المسؤولين عن التعليم العالي لا يقتطعون جزءا من أوقاتهم لمتابعة ما يكتب في الصحف المحلية من نقد لأعمال وأنشطة الجامعات، والاستفادة منه أو الرد عليه، وأحسب من النقد تلك المقالات التي تناقش بشفافية ووضوح ما يخص حركة البحث العلمي في الجامعات المحلية، أو ما له علاقة بقضايا الإدارة الأكاديمية، ولا بد وأن وقع نظر المسؤول أو نمى إلى مسامعه النزر اليسير مما يرد في تلك المقالات من نقد هادف، وهي في عمومها مقالات مكتوبة بمهنية عالية، وبوعي ومسؤولية، وموضوعاتها واقعية ومتجددة، وغير متكررة، وتكاد لا تنقطع أسبوعيا.
كتبت ميقان ميزرْلي وهي مديرة تحرير سابق في صحيفة ديلي كاليفورنيان مقالا عنونته بـ(Citations for Sale) تناولت فيه بوضوح البرامج البحثية لبعض الجامعات المحلية، واستعرضت (إيميلات) متبادلة بين أساتذة محليين وأمريكيين، وعرضت ردود وآراء بعض الأساتذة الأمريكيين حول تقدم هذه الجامعات على حساب جامعات أمريكية ذائعة الصيت كجامعة بيركلي، وأتذكر أنني حال نشر ميقان مقالها تواصلت فورا مع مدير إحدى الجامعات المعنية بالمقال، فرد علي بقوله: إن الجامعة تعمل بسواعد أبنائها المخلصين! في إشارة إلى أنه وفريق عمله مخلصون.
وخلال ثمان سنوات، أي من بعد نشر مقال ميقان، حاولت أن أجد السواعد المخلصة في فريق المدير إياه، فلم أجد إلا (حراجا) من العبث العلمي، أدى من جهة إلى ضجة وفقاعات إعلامية لا أساس لها، ومن جهة أخرى ساعد على تضخم النشر لدى فئة معينة من الأساتذة المحليين، ولم يؤد إلى تطور حركة البحث العلمي إطلاقا، فكان لا بد أن نتحدث عن هذا الوضع بكل شفافية ودون مواربة، إذ لا يمكن أن نرى جامعاتنا تتقدم في التصنيفات الدولية بجهود يشوبها كثير من الشوائب والمخالفات المنافية لأخلاقيات وأعراف البحث العلمي!
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقبل وجود باحث كالمدعو (تصور حياة) يسرح ويمرح عن بعد في جامعاتنا، عن بعد؟! نعم عن بعد، وينال المكافآت المالية والحوافز السخية، فقط ليشير في أبحاثه لدعم الجامعة الفلانية، أو يضيف معه باحثا محليا مترفا بهبات وبدلات الجامعة العلانية، وترتقي هي -أعني الجامعة- في التصنيفات العالمية، ودون أن نسأل عنه ونبحث عن حقيقته، أو دون مراقبة ومحاسبة رسمية للمتورطين معه في هذا العبث!
تصوروا أنتم، بعيدا عن (تصور حياة)، باحثا سعوديا مميزا، نال أعلى الأوسمة، وكرمته الدولة على نشاطاته البحثية المميزة، يدّرس في الجامعة، وفي مجموعته البحثية عدد 4 باحثين سعوديين يحملون درجة الدكتوراه و3 طلاب دراسات عليا، وينشر في العام الواحد مع زملائه على الأكثر 24 بحثا، أي بمعدل 3 أبحاث في السنة للباحث الواحد، وهذا هو معدل النشر الطبيعي للباحث المميز، فكيف بمن ينشر في العام 300 بحث؟! وفي 10 سنوات أكثر من ألفي بحث! ألا تدعو هذه المفارقة الغريبة للتساؤل! بلى، وتدعو للتوقف والمساءلة.
أحد أسباب هذه المشكلة -من وجهة نظري- هي في قيادات البحث العلمي في الجامعات، كيف؟ هذه المرة لن أقول تخيلوا أو تصوروا، بل هو واقع ملموس، في إحدى الجامعات على سبيل المثال وكيل سابق للبحث العلمي والدراسات العليا، أصبح وكيلا للجامعة ورئيسا للمجلس العلمي وهو لم يسبق له أن أشرف على رسالة دكتوراه واحدة! هل أدركتم الآن مستوى الخلل! هذا الوكيل كان يصادق على الترقيات العلمية وإجازة رسائل الماجستير والدكتوراه، وكان يرسم خطط البحث العلمي في جامعته، أفلا نتوقع منه ومن رئيسه ممارسات تنافي الأجواء الأكاديمية ولو في حدودها الدنيا؟!
يا قوم إني لكم ناصح أمين، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت، أدركوا جامعاتنا قبل أن تصبح أضحوكة ومادة للسخرية والتندر، فإننا قادرون وعازمون على التغيير واستثمار أموالنا بشكل صحيح وجيد، ولا مجال أمامنا للتجريب أو المراهنة على خطط محفوفة بالفشل، فإن الثمن باهظ، وسمعة الوطن غالية، ومقدراته البشرية وموارده المالية هي أهم وأولى من النجاحات الصورية والإنجازات الوهمية.
drbmaz@
كتبت ميقان ميزرْلي وهي مديرة تحرير سابق في صحيفة ديلي كاليفورنيان مقالا عنونته بـ(Citations for Sale) تناولت فيه بوضوح البرامج البحثية لبعض الجامعات المحلية، واستعرضت (إيميلات) متبادلة بين أساتذة محليين وأمريكيين، وعرضت ردود وآراء بعض الأساتذة الأمريكيين حول تقدم هذه الجامعات على حساب جامعات أمريكية ذائعة الصيت كجامعة بيركلي، وأتذكر أنني حال نشر ميقان مقالها تواصلت فورا مع مدير إحدى الجامعات المعنية بالمقال، فرد علي بقوله: إن الجامعة تعمل بسواعد أبنائها المخلصين! في إشارة إلى أنه وفريق عمله مخلصون.
وخلال ثمان سنوات، أي من بعد نشر مقال ميقان، حاولت أن أجد السواعد المخلصة في فريق المدير إياه، فلم أجد إلا (حراجا) من العبث العلمي، أدى من جهة إلى ضجة وفقاعات إعلامية لا أساس لها، ومن جهة أخرى ساعد على تضخم النشر لدى فئة معينة من الأساتذة المحليين، ولم يؤد إلى تطور حركة البحث العلمي إطلاقا، فكان لا بد أن نتحدث عن هذا الوضع بكل شفافية ودون مواربة، إذ لا يمكن أن نرى جامعاتنا تتقدم في التصنيفات الدولية بجهود يشوبها كثير من الشوائب والمخالفات المنافية لأخلاقيات وأعراف البحث العلمي!
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقبل وجود باحث كالمدعو (تصور حياة) يسرح ويمرح عن بعد في جامعاتنا، عن بعد؟! نعم عن بعد، وينال المكافآت المالية والحوافز السخية، فقط ليشير في أبحاثه لدعم الجامعة الفلانية، أو يضيف معه باحثا محليا مترفا بهبات وبدلات الجامعة العلانية، وترتقي هي -أعني الجامعة- في التصنيفات العالمية، ودون أن نسأل عنه ونبحث عن حقيقته، أو دون مراقبة ومحاسبة رسمية للمتورطين معه في هذا العبث!
تصوروا أنتم، بعيدا عن (تصور حياة)، باحثا سعوديا مميزا، نال أعلى الأوسمة، وكرمته الدولة على نشاطاته البحثية المميزة، يدّرس في الجامعة، وفي مجموعته البحثية عدد 4 باحثين سعوديين يحملون درجة الدكتوراه و3 طلاب دراسات عليا، وينشر في العام الواحد مع زملائه على الأكثر 24 بحثا، أي بمعدل 3 أبحاث في السنة للباحث الواحد، وهذا هو معدل النشر الطبيعي للباحث المميز، فكيف بمن ينشر في العام 300 بحث؟! وفي 10 سنوات أكثر من ألفي بحث! ألا تدعو هذه المفارقة الغريبة للتساؤل! بلى، وتدعو للتوقف والمساءلة.
أحد أسباب هذه المشكلة -من وجهة نظري- هي في قيادات البحث العلمي في الجامعات، كيف؟ هذه المرة لن أقول تخيلوا أو تصوروا، بل هو واقع ملموس، في إحدى الجامعات على سبيل المثال وكيل سابق للبحث العلمي والدراسات العليا، أصبح وكيلا للجامعة ورئيسا للمجلس العلمي وهو لم يسبق له أن أشرف على رسالة دكتوراه واحدة! هل أدركتم الآن مستوى الخلل! هذا الوكيل كان يصادق على الترقيات العلمية وإجازة رسائل الماجستير والدكتوراه، وكان يرسم خطط البحث العلمي في جامعته، أفلا نتوقع منه ومن رئيسه ممارسات تنافي الأجواء الأكاديمية ولو في حدودها الدنيا؟!
يا قوم إني لكم ناصح أمين، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت، أدركوا جامعاتنا قبل أن تصبح أضحوكة ومادة للسخرية والتندر، فإننا قادرون وعازمون على التغيير واستثمار أموالنا بشكل صحيح وجيد، ولا مجال أمامنا للتجريب أو المراهنة على خطط محفوفة بالفشل، فإن الثمن باهظ، وسمعة الوطن غالية، ومقدراته البشرية وموارده المالية هي أهم وأولى من النجاحات الصورية والإنجازات الوهمية.
drbmaz@