الرأي

كي لا ننسى حوار ولي العهد.. هل نحن جاهزون لـ2040؟

هادي الفقيه
أهم ثلاثة دروس تعلمناها - في وجهة نظري - خلال الخمسة أعوام الأولى من إطلاق رؤية المملكة 2030 هي أن الثروة البشرية كانت أعظم وأذكى استثمار للمملكة، وكان خريجو برامج الابتعاث والتوسع في الجامعات المحلية حكومية وخاصة القلب النابض لتحقيق الرؤية، أما الدرس الثاني فهو أن الابتكار هو سلاح المستقبل الأقوى، وأخيرا مهما تنبأنا بالتحديات يحدث مالا يمكن توقعه مثل جائحة كورونا (كوفيد-19)؛ لذا من المهم أن نكون مستعدين ونتمتع بأكبر قدر من المرونة لمواجهة المستقبل.

أي مستقبل؟ إنه 2040، التي تحدث عنها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، في حواره الأخير مع الزميل عبدالله المديفر، وضع الأمير محمد تحديا ضخما أمام كل سعودي وسعودية، عندما رفع عنوانا عريضا بقوله «2040 مرحلة منافسة عالمية»، وهو يدرك أنه سيحقق هذا الحلم بمشاركة السعوديين والسعوديات الذين يشاركونه تحقيق 2030 اليوم.

لكن السؤال الأهم اليوم كيف نعد العدة لـ2040؟ خصوصا أن كثيرا من الجهات غارقة في تحقيق مستهدفات 2030 وهمها الأول والأخير التنفيذ وظهور المخرجات على الأرض. الإجابة سهلة والتنفيذ صعب، فما نحتاج إليه هو جهة تبدأ في التحضير لمرحلة 2040 من اليوم وهنا ربما بعض من الآراء التي قد تكون مفيدة للمرحلة المقبلة:

التعليم أولا

التعليم بشقيه العالي والعام، يحاول القائمون عليه ابتكار أنظمة تعليمية جديدة تسهم في رفع جودة التعليم من ناحية، ومعالجة الفاقد التعليمي الذي أحدثته جائحة كورونا من الجانب الآخر، بينما أرى أن التعليم العالي في الفترة المقبلة يحتاج لأربعة أمور مهمة:

أولا: تطوير القيادات العليا وإشراكهم بشكل فعلي في التحضير لـ2040، فعلى سبيل المثال أدهشني حوار رئيسة الجامعة الالكترونية أ.د ليلك الصفدي مع الزميل عمر الجريسي في بودكاست «سقراط»، شعرت حقا أننا أمام قيادية تمتلك رؤية وتوجها مستداما من ناحية جودة ما يقدم وتنويع مصادر الدخل في الوقت ذاته مع تلبية حاجة السوق المستقبلية، إلا أنني أعاتبها في معلومة السبق والريادة في التعليم الالكتروني فالجامعة العربية المفتوحة هي التي بدأت التعليم المدمج في 2002، وكانت الأولى في التفاعل مع تداعيات جائحة كورونا وتحولت إلى تعليم عن بعد خلال 24 ساعة، لامتلاكها البنية التحتية منذ وقت مبكر، ليس ذلك فحسب بل استفادت منها جامعات أخرى وأعلنت مد يد العيون في حينه لأي مؤسسة أكاديمية في تلك الأزمة.

ثانيا: تنويع الكادر الأكاديمي وتطعيمه بأساتذة أجانب من مدارس مختلفة عالميا وتنحية أفكار السعودة في هذا الجانب، مع دفع أساتذة الجامعات الذين استثمرت فيهم بلادنا إلى إعطاء مزيد من الوقت للطلاب والتطوير الأكاديمي.

ثالثا: أتمنى استقطاب أقوى الجامعات العالمية لفتح فروع في المملكة وليس مجرد السماح، وذلك بتطوير الأنظمة والقوانين فعلى سبيل المثال، لا يمكن لأي جامعة فتح فرع إلا إذا امتلكت مبنى مساحته 40 ألف متر مربع (مع إعلان السماح لفتح فروع لجامعات أجنبية سيكون هذا الشرط محط سخرية) فعلى الوزارة أن تكون جهة أكثر دعما وتمكينا وشريكا حقيقيا لا بأن تلبس قبعة الرقابة والتعقيد.

أخيرا: وهو الأهم في نظري بحكم معايشتي للابتعاث إطلاق برنامج الابتعاث النوعي على ألا تتحمل الدولة كافة العبء، إذ أصبح من المهم أن يكون هناك فريق سعودي يفهم كم صرفت من ميزانية الدولة على الابتعاث في كل دولة ويذهب للجامعات التي حصلت على حصة الأسد من الصرف ويقول لها آن الأوان بأن نترجم شراكة الأعوام الماضية بأن نحصل على حصص من المنح الدراسية، كلية أو جزئية مع سلة من الميزات مثل الألوية في الابتعاث مستقبلا. أيضا القطاع الخاص وصناديق الأوقاف والقطاع غير الربحي تتحمل مسؤولية في إحياء برنامج الابتعاث النوعي، على أن يكون الهدف اختصاصات مميزة وإعداد مبكر داخل المملكة.

أما التعليم العام، فالحق يقال أن الوزارة قفزت في التعليم عن بعد، لكن يجب أن تضع خطة تربط المعلم والمعلمة بحركة التطوير التي تشهدها الوزارة، ولا بأس أن نستنسخ بعض التجارب الناجحة مثل الكورية، ولا حرج أن تعود الوزارة إلى برنامج خبرات عقب أن تطوره وتتلافى المشكلات التي واجهت البرنامج سابقا مثل اختيار معلمين لا يتحدثون الإنجليزية أو غير مهيئين قبل السفر للانخراط في نظام تعليمي متطور بل يجب أن يسلط الضوء على التجارب الناجحة وسؤالهم ببساطة: لماذا نجحتم وماذا أضفتم عند العودة؟

تعظيم الفائدة من المكتسبات الحالية

أسهمت رؤية المملكة 2030 في ظهور مشاريع أسطورية في المملكة كنيوم، القدية، البحر الأحمر، آمالا، والسودة وتنظيم المحميات إلى جانب الأحداث الكبرى مثل تنظيم قمة العشرين، والمناسبات الرياضية كالفورميلا1 وغيرها من مشاريع صندوق الاستثمارات العامة ومدينة مسك.

كل هذه المشاريع تعج بخبراء نحتاجهم إما لتقديم آرائهم وتطلعاتهم نحو سعودية 2040، أو حتى تعليم وتدريب سعوديين وسعوديات طلابا ومتدربين على كثير من مهارات المستقبل والعمل معهم على تحويل المعرفة والمهارة إلى السوق المحلية السعودية Knowledge and skills transfer.

أرض صناعة القيادات والابتكار

المراقب للأعوام الأربع الماضية يلحظ حجم إقبال كثير من الكوادر السعودية على برامج القيادات العليا في أهم مؤسسات صناعة القادة مثل هارفارد، إنسياد، MIT وستانفورد والهدف الرئيس محاولة مجاراة التحديات القيادية ومهارات المستقبل التي وصلت السعودية مبكرا لتحقيق رؤية 2030، لذا أصبح من المهم أن تكون واحدة من أهم صناعات المرحلة المقبلة هي مؤسسات وبرامج التعليم التنفيذي للقيادات العليا لتكون المملكة مركزا إقليميا لتطوير المحتوى المحلي والإسهام في نهضة المجتمعات المجاورة.

كذلك للإعداد لـ2040 نحتاج لمزيد من «المجانين»، نعم، فمن يفكر خارج الصندوق اليوم يطلق عليه البعض مسمى (مجنون)، إن هؤلاء الحالمين الذين يقدمون أفكارا مختلفة عن الواقع هم من يقدمون لنا شكل المستقبل، بأفكار خلاقة بعضها غير منطقي وغير قابل للتطبيق لكن بكل تأكيد أن منها ما هو جدير بالاحترام وصناعة تغيير إيجابي؛ لذا من المهم أن نضاعف الاستثمار في الابتكار والدفع بمأسسته.

الاستفادة من دروس الخمسة أعوام الماضية

تعاطت القيادة بكرم كبير مع أخطاء المرحلة الماضية، فكثير من المشاريع أعيدت هيكلتها، بل وبعضها ألغي والسبب، إما أن التخطيط لم يراع واقعية التنفيذ أو حتى تسليم القيادة لغير الأكفاء بل والمؤلم أن بعض المشاريع تعطلت بسبب الصراعات بين القيادات مثل «نشوف منهو الأفضل، وهذا ينفذ خطأ، وهذاك مدرعم ومو فاهم في شغل الحكومة جايينا من القطاع الخاص، والمفروض تسوون كذا وما تسوون كذا دون أن يضع إيديه في الشغل وينظر فقط». لذا من المهم في المرحلة المستقبلية أن نفكر بأن الجميع في مركب واحد وأن النجاح يجب أن يكون هو الهدف الرئيس دون الالتفات لتفاصيل «غبية».

كذلك شهدت المرحلة الماضية صرف موازنات على دراسات واستراتيجيات لم تفعل فمن المهم الاطلاع عليها وإحياء ما يمكن منها بالتعديل والتطوير، مع الأخذ في الاعتبار ما صرف على المكاتب الاستشارية وأن عليها أن تعطي كما جنت في المرحلة الماضية وتتحمل مسؤولية اجتماعية وأخلاقية.

أخيرا، أصبح من المهم تطوير مهارات استقطاب وتطوير الكفاءات، آملا أن تكون هناك جهة محايدة وغير هادفة للربح يوكل إليها اختيار المتميزين وأن نخفف من الاتكال على وكالات التوظيف الأجنبية، كذلك نحتاج كثيرا من الحكمة في تطوير من هم على رأس العمل، فعلى سبيل المثال: هناك كوادر تبهرك بأفكارها وتحليلاتها للواقع وكيف نتوجه للمستقبل لكن عمليا لا يخرجون من إطار «التنظير»، لذا من المهم ألا نقفل عليهم في هذا الصندوق ونقول عديمي فائدة بل نسعى إلى مساعدتهم في أن يكونوا منفذين، والعكس، فكثير من الدافعين بالتنفيذ والعمل الحقيقي يفقدون مع العجلة بصيرة رؤية الأمور من أكثر من زاوية.

محصلة كل ذلك نحتاج إلى المنظور الأكبر، والعمل بفهم أعمق واتخاذ القرار الصحيح أو «الدبره» كما نفهمها شعبيا.

دروس من الرؤية

1 - «الرؤية كانت (الباب) الذي وسّع آفاق المجتمع، كبّر من قيمة الفرد، خلق مساحة من الإبداع.»

هاني المقبل - عضو مجالس إدارة وخبير في القيادة والتواصل الدولي

2 - «أهم درس تعلمناه مع الرؤية هو مدى أهمية القائد الطموح ذي النظرة البعيدة في إحداث التغيرات التي لم نكن نحلم بها من قبل. كذلك وضع المستهدفات الدقيقة والطموحة وحشد جميع الجهود وراء تحقيقها يجعل المستحيل واقعا».

عبدالمجيد الحقباني - مستشار إداري وخبير استراتيجيات

3 - «دروس الرؤية كثيرة ولكن، في وجهة نظري، أن أكبر ممكن في تحقيق الاستراتيجية هو إيمان القائد فيها وتمكين الفريق العامل عليها والمراجعة المستمرة أثناء تنفيذها»

م. إبراهيم الجبير - خبير في القيادة والاستراتيجية

4 - «المستحيل يمكن تحقيقه بوجود رؤية واضحة وقيادة داعمة ومُمَكِّنة. خلق الإيمان بالتوجه والرؤية يقود الجميع نحو الوصول إلى الهدف المشترك»

م. محمد باعقيل - مستشار في التخطيط وتقييم المشاريع

«أهم درس من الرؤية بالنسبة لي، أننا أصبحنا نرسم الأهداف والاستراتيجيات بهدف تحقيقها ومن ثم إعداد أهداف أخرى أعلى وأفضل لنعمل معا وبجد أيضا لتحقيقها»

م. مؤيد الشعيبي - خبير في الشراكات الاستراتيجية وإدارة المشاريع

@Hadi_Alfakeeh