الرأي

إباحة اللصوصية باسم (نصرة الدين)!

أحمد الهلالي
قضية حرية الرأي في زماننا باتت مؤرقة جدا، ففي عالمنا الثالث حين تعبر عن رأيك يجب أن تضع في حسبانك معايير كثيرة، بعضها رسمية وبعضها اجتماعية وبعضها فئوية، فتنحت فكرتك من جميع جهاتها حتى إن بقي منها شيء؛ فلن تخرج كما تخلّقت في رأسك أول مرة، وهذا في نظري سبب موت الكثير من الأفكار النافعة. اليوم حين تدلي برأيك في قضية معينة، فأنت مصنف حتما، ومهما قلت بأنني (أفكر بحرية)، فلن تفيدك أقوالك ولا أفعالك، وتهون كل التصنيفات أمام تهمتي (عداء الدين/ وخيانة الوطن) فهما الأقسى على كل ذات تحاول التفكير في حال الأمة المراوحة في الظلام من عقود طويلة، وأصبح كل صوت يحاول التفكير بصوت مسموع في هذه الحال مرمى اتهامات بشعة، وهذه حال الكتاب والمفكرين في وطننا للأسف!! حين بدأ الصراع بين المتشددين والمثقفين، أفرز ذلك الصراع الكثير من التهم الخطيرة، منها على سبيل المثال: (زوار السفارات/ تغريبيون/ أذناب الغرب/ أعداء الدين/ أتباع الهوى...) وغيرها من التهم التي تدور في فلك التخوين وفساد الأخلاق، واستمرت تلك التهم رائجة في أذهان الأجيال، فمناصرة التنويريين لقضايا المرأة، جعلتهم مرمى سهام الدعوة إلى تحلل المجتمع وفساد أخلاقه، والخروج عن أمر الله!! ما أسميتها أعلاه تهما، تحولت إلى (حقائق ومسلّمات) في أذهان الكثيرين، بفعل الخطاب المتشدد الدائب على تشويه مخالفيه، وتجاوز حتى تعاليم الدين في التعامل مع المخالفين فكريا، فلا إشكال في (القذف/ أو محاكمة النوايا/ أو الكذب/ أو تشويه الآخرين والإضرار بسمعتهم دون حجة ولا دليل...). واليوم خلال أشهر معدودة تتضافر الحوادث لتدل على تحول تلك التهم إلى مسلّمات، ومحاولة إثبات حقيقتها، فحادثة إغراء بعض أفراد الهيئة للشباب بالصور الإباحية والقبض عليهم كما أفصحت هيئة التحقيق والادعاء العام بمنطقة عسير، وحادثة التشهير بالمذيع علي العلياني وتصويره مكبلا داخل سيارة الهيئة، كانت محاولة لإثبات تهمة الفساد الأخلاقي للمثقفين، ثم يأتي بعدها في سياق محاولة إثبات التهم قبل أيام اختراق حساب المفكر السعودي تركي الحمد على تويتر، وأنا متأكد تمام التأكد أن في رأس اللص المخترق ومشجعيه فكرة وجود ما يثبت تهمهم ويهزم المخالفين، ثم في ذات السياق اختراق حساب الكاتب صالح الطريقي، واختراق حساب الكاتب د.أحمد الفراج، ونشر الرسائل الخاصة لحساباتهم، لكنهم كما يقول تركي الحمد (أثبت المخترق أن باطني كظاهري)، وهذه العبارة تدل على وعي الحمد والمجتمع لأسباب الاختراق. اختراق حساب شخصي، هو تماما كمن يقفز سور منزلك ويفتش مقتنياتك فإن كان هدفه المال أخذ الثمين، وإن كان هدفه إدانتك وتشويهك أخذ مستنداتك، فهل من خلاف أن كليهما (سارق)، وهل أباح الله السرقة، واقتحام خصوصيات الناس، حتى نجد من يسبغ على اختراق حسابات المخالفين أنها (نصرة لدين الله)، فماذا بقي من الدين حين نبيح السرقة واقتحام خصوصيات إخوتنا في الدين والوطن لتشويههم، فقط لأن تفكيرهم مختلف عما نريد؟. كانت الاختراقات فاشلة، وكان الوعي الاجتماعي متجاوزا سقف توقعات الحركيين، فكسر الله ظلمهم وبغيهم، بأن أظهروا براءة المفكرين من تهمهم، وجعلهم أضحوكة للوعي الاجتماعي الذي خطّأ اقترافاتهم وبشّعها دينيا وخلقيا، فهي جريمة حسب المادة الثالثة من نظام الجرائم المعلوماتية لها عقاب خاص، وحسب المادة التاسعة (يعاقب كل من حرض غيره، أو ساعده، أو اتفق معه على ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في النظام...)، ولو نظرت الجهات المختصة في (هاشتاقات) الجرائم الثلاث الأخيرة لوجدت أسماء معروفة تحرض وتساعد وتتفق مع (منظمة اللصوص)!