الرأي

حقوق الطفل

هند علي الغامدي
حكت لي إحدى الأمهات قصة مرض طفليها وإصابتهما بنزلة برد تطورت فيما بعد إلى سعال شديد أقلقها، وجعلها تأخذهما إلى الطبيب، وكانت الطبيبة البريطانية حازمة جدا، عنفت الأبوين كثيرا، وأمرتهما باتخاذ جملة من الإجراءات العلاجية وعلى رأسها عدم التدخين في حضور الطفلين، وعدم السماح بوجودهما في مكان يتم التدخين فيه، فما كان من الأم إلا أن امتثلت لتعليمات الطبيبة بكلِّ دقة، ومنعت التدخين في منزلها منعا باتا، وأبلغت الزوار الذين يدخنون بذلك.المشكلة أنَّ الأم كانت تشعر بالحرج بسبب ذلك القرار الذي ربما يتنافى في نظرها مع أعراف الكرم العربي، مع أنَّه بعد تلك الحادثة أصبح قاعدة عائلية في العائلة وأصبح التدخين في وجود الأطفال محرَّما سواءً أكانوا مرضى أم أصحاء، وعلى الرغم من مرور سنوات إلا أنَّ القصة ظلت حاضرة في ذهني؛ فأنا مقتنعة بصحة ما فعلته، وفي الوقت نفسه أفكر هل كان الصواب أن يمر الموضوع في صمت؛ بمعنى أن تعزل طفليها فترة ثم ينتهي الأمر دون إحراج أم ما فعلته هو الصواب؟ حتى وقعت عيناي على المرسوم الملكي الخاص بنظام حماية الطفل، الفصل الثالث، المادة الحادية عشرة، وخاصة الفقرة الثالثة: «يحظر عرض المشاهد التي تشجع الطفل على التدخين، ويحظر كذلك التدخين أثناء وجوده».

توقفت عند هذه الفقرة وأعدت قراءتها، وفكرت مليّا لماذا لا يعلم الكثيرون بهذا النظام إلى الآن؟ لست وحدي، فكل من سألتهم لم يكونوا يعلمون بوجود نظام يكفل ذلك الحق للطفل في كلِّ مكان، ولم يكونوا يعلمون أن القانون يعاقب من يخالف ذلك النظام أو يرتكب أي مخالفة أخرى تؤدي إلى انتهاك أي حق من حقوق الطفل المدونة في اللائحة التنفيذية للنظام بموجب ما نصت عليه مواد الفصل الخامس منها الخاص بالإبلاغ والنظر في مخالفة النظام.

ومع أني سعدت بذلك النظام الذي يستهدف حماية حقوق الأطفال وحمدت الله كثيرا، إلا أني تساءلت من المقصِّر؟ هل نحن المقصرون؛ لأننا لم نطلع على تلك الحقوق؛ إمَّا لعدم اهتمامنا، وإما لجهلنا في الأساس بوجود تلك الحقوق أو بمكان وجودها، وكيفية الاطلاع عليها؟

أم أن التقصير من الجهات المسؤولة عن التوعية وإشاعة تلك الحقوق في المجتمع وتعريف الناس بها عبر وسائل الإعلام بأنواعها، وعبر اللقاءات الحية في القنوات المختلفة، وعبر المدارس والمساجد والجامعات والأحياء ومراكز الأحياء والمراكز الصحية والنوادي الثقافية والتجمعات والفعاليات في الأسواق والمراكز التجارية؛ بل حتى في الاجتماعات الأسرية التي يحضرها العارفون بتلك الحقوق والمطلعون عليها، وفي المدن والقرى والهجر، وفي كل مكان، وبكلِّ طريقة ممكنة ومناسبة للمجتمع الذي تكون فيه التوعية؟ وأظن الخيار الثاني هو الأقرب إلى الإجابة الصحيحة.

ما أثار هذا الموضوع هو حقٌ واحد من لائحة كاملة وقائمة طويلة من الحقوق، ولكن الحقوق المنتهكة للطفل أكثر بكثير من ذلك، فعلى سبيل المثال يتساهل بعض الناس في شتم الأطفال أو ضربهم وإيذائهم في بلدهم هنا في السعودية على الرغم من وجود بند خاص بذلك في اللائحة، فإذا غادروا إلى الخارج لم يجرؤ أحدهم على فعل ذلك؛ لعلمه بأنَّه سيتعرض للعقوبة، وبعضهم يترك طفله في المنزل وحيدا وهو دون السابعة، ولكنه لن يجرؤ على فعل ذلك في الخارج مهما كانت الأسباب؛ لأنه سيتعرض للعقوبة التي ربما تصل إلى انتزاع حق رعاية طفله منه.

وأذكر أن إحدى الزميلات أبلغتني أنها تركت ابنها وهو في الخامسة من العمر وحيدا في المنزل؛ لعجزها عن توفير من يبقى معه أو من تأخذه إليه، سنوات كثيرة مضت على هذا؛ لكنها لم تتمكن من محوه من ذاكرتي، والحقيقة أن المجتمع كله مسؤول عن حدوث مثل هذا، ولاسيما ونحن ندين بدين التكافل والتعاطف، ولكن لن يكفل الانضباط في هذا الأمر إلا القانون، وقد وردت فقرة ضمن التعليمات الموجهة للمبتعثين إلى أمريكا توصي بعدم ترك الأطفال في المنزل وحيدين؛ لأنَّ ذلك يخالف التعليمات الأمريكية، ومثل هذا الشيوع والاحترام والتطبيق للنظام هو الذي سيكفل تطبيق الأنظمة الخاصة بالطفل سواءً من المواطنين أم المقيمين.

الحديث عن حقوق الأطفال ذو شجون تذيب القلوب؛ لأنهم لا يملكون حولا ولا قوة، وغيرهم هو المسؤول عنهم؛ فإن كان هذا المسؤول لا يتقي الله فيهم، ويظنهم ملكا خاصا به؛ فلابد هنا أن نذكِّر بأنه قد يتحقق بالنظام مالا يتحقق بالحب.

hindali1000@