الرأي

في (40) ساعة فقط أنت أخصائي علاج وظيفي.. نعم هذه الحقيقة المُرَّة

شهد محمد الخليفة
في البداية أود أن أشرح لك عزيزي القارئ من هو أخصائي العلاج الوظيفي؛ هو الأخصائي الذي يتخرج من كلية العلوم الطبية التطبيقية، حاصلا على شهادة البكالوريوس من قسم العلاج الوظيفي، بعد أن يتلقى تعليما متنوعا بين الكليات الطبية والتربوية فهو يدرس علم الأعصاب والأمراض والتشريح من كليات الطب، ويتلقى من الكليات التربوية العديد من العلوم ذات العلاقة بعلم النفس الإكلينيكي وعلم السلوك وغيرها من العلوم التي تمكنه من معرفة جميع العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر في أداء الشخص الوظيفي، حيث إن الخطة الدراسية لبرنامج البكالوريوس في العلاج الوظيفي تتكون من شقين نظري وعملي، فيتكون الشق النظري من (160) ساعة دراسية معتمدة، والشق العملي يتكون من سنة الامتياز التي تتكون من عمل ميداني في المستشفيات في أقسام مختلفة، وبعدها يحصل الخريجون على رخصة مزاولة المهنة من هيئة التخصصات الصحية (كأخصائي علاج وظيفي). وقد افتتحت أول كلية للعلاج الوظيفي في المملكة في عام 2009 في جامعة الملك سعود، لتكون أول جامعة في المملكة تقوم بتدريسه، وتتالت بعدها الجامعات بإدراج هذا الاختصاص ضمن كلياتها وجعله متاحا للجنسين.

إن مهمة أخصائي العلاج الوظيفي قائمة على التقويم الشامل للعميل، ثم وضع الخطة العلاجية لتطوير مهارات الحياة اليومية للأشخاص الذين يعانون من مشكلات جسدية أو عصبية أو إدراكية، إذ يتم الأخصائي دوره بتطوير قدراتهم، أو استعادتها كما كانت من قبل، أو الحفاظ عليها من التراجع والتدهور.

وفي ظل التطورات التي نشهدها في السنوات الأخيرة لمملكتنا الحبيبة؛ من توفير خدمات ومراكز تأهيلية، وزيادة الوعي بأهمية تقديم تلك الخدمات ضمن فريق كامل متعدد التخصصات، فإنه - للأسف الشديد - انتشرت ظاهرة تروِّج لدورات تدريبية في العلاج الوظيفي مدتها (40) ساعة فقط، تقوم بعدها بعض الوزارات بمعادلتها بأخصائي علاج وظيفي لأغراض التراخيص وتقديم الخدمات!

وهنا السؤال، كيف تُختزل سنوات الدراسة والتدريب العملي وما يزيد عليها من خبرات، بـ(40) ساعة فقط؟!

هذا الأمر أسهم في انتشار ممارسات غير مثبتة علميا من قبل أشخاص يزعمون امتلاك دورات وشهادات تمنحهم الحق في ممارسة هذه المهنة، مما أدى إلى ضياع عمر الطفل وموارد الأسرة المالية دون فائدة محققة. وأضف إلى هذا مخالفته لنظام مزاولة المهن الصحية السعودي، واللائحة التنفيذية لوزارة الصحة السعودية، وفق المرسوم الملكي رقم م/59 بتاريخ 4/11/1426هـ، المادة الثانية، (أ): تحظر ممارسة أي مهنة صحية، إلا بعد الحصول على ترخيص بمزاولة المهن الصحية من هيئة التخصصات الصحية.

فاللائحة التنفيذية لوزارة الصحة ونظام مزاولة المهن الصحية، حَفِظا مصلحة الفرد والمجتمع في نطاق احترام حق الإنسان في الحياة وسلامته وكرامته، مراعيين العادات والتقاليد السائدة في المملكة، ومتجنبين الاستغلال.

هذه الدورات تخالف بوضوح القوانين الموضوعة للمهن الصحية، وفي الجهة المقابلة فقد نص الدليل الإجرائي لافتتاح مراكز الرعاية النهارية الأهلية، على أهمية وجود فريق متكامل متعدد التخصصات، وهذا لا شك أمرٌ مفرح، لكنه ينص على أن يكون «أخصائي علاج وظيفي واحد لكل (25) مستفيدا يحتاجون إلى الخدمة، أو أخصائي علاج طبيعي إضافة إلى دورة تدريبية في مجال العلاج الوظيفي لا تقل عن (40) ساعة».

وهذا أيضا ينافي المادة التاسعة (ب)، التي تنص على منع قيام الممارس الصحي بعمل يتجاوز اختصاصه أو إمكاناته، وأيضا المادة الـ12 التي نصت على أنه لا يجوز للممارس الصحي مزاولة أكثر من مهنة صحية واحدة، أو أي مهنة أخرى تتعارض مزاولتها مع المهن الصحية.

فمن أين استُحدثت فكرة دورات الـ(40) ساعة؟ وكيف اعتُمِدت؟

أنا أتحدث هنا عن جودة الخدمة وليس توفرها فقط، في ظل توفر كوادر مؤهلة تعمل يدا بيد ضمن فريق متكامل، فلماذا تهمش مثل هذه الكوادر في ظل حاجة الأسر والمراكز؟ فقد وفرت الدولة كل إمكانات التعليم في الداخل والخارج، واستحدثت القسم في جميع جامعات المملكة؛ ليكونوا على أعلى مستوى من الكفاءة والمهنية لتحقيق رؤية المملكة 2030، التي تضمنت تطوير النظام الصحي الذي لا يألو جهدا في تحسين نوعية الحياة لجميع المواطنين والمقيمين، والقائم على هذه الكوادر للارتقاء بجودة الخدمات المقدمة. فالحاجة إلى سد النقص التي أظهرت هذه الإجراءات التنظيمية سابقا، أصبحت اليوم سببا غير مسوغ في ظل المئات من الخريجين المتخصصين في مهنة العلاج الوظيفي.

أود اقتراح النقاط الآتية كمبادرة للنقاش والمساعدة على حل هذه المعضلة:

1 - تحديث الإجراءات التنظيمية مع لجنة مختصة على أن يمثل أعضاؤها كل تخصص.

2 - استحداث حد أدنى للرواتب للمهن الصحية؛ فكثير من الأخصائيين من خريجي العلاج الوظيفي يفضلون العمل في المستشفيات أو القطاعات الحكومية، على العمل في القطاع الخاص أو المراكز، بسبب الأجر المتدني مقابل الخدمة المقدمة، وللأسف يفضل البعض البقاء في شبكة البطالة على أن يُستغلَّ من قبل هذه الجهات.

3 - توحيد القرارات والتشريعات الصادرة عن الوزارات حتى لا تتداخل القوانين فتقرها وزارة وترفضها أخرى، وتشكيل لجنة أو هيئة متخصصة تتكفل باعتماد الشهادات وترخيص المراكز ممثلة من كل تخصص، ويُعترف بما يصدر عنها فقط.

إن ما سبق وذكرته أعلاه ينبع من غيرتي على بلدي وعلى اختصاصي، قد يبرر القرار السابق تحت مظلة قانونية شُرعت في وقت لم يكن فيه وجود لأخصائيين مؤهلين في هذا المجال في المملكة، أما الآن وقد توافر الأخصائيون المؤهلون والمدربون، فيجب تحديث الأنظمة بما يضمن حقوقهم وحقوق مهنتهم. فإني اقتبس ما قاله د. محمد الخازم في مقالته تحت عنوان (العلاج الوظيفي في يومه العالمي) حين قال «نريد أن نسمع صوتكم وترسيخ صورتكم المهنية المتميزة، ولكم منا نحن السابقون في تخصصات العلوم الطبية كل الدعم والمساندة». فإننا نطلب الدعم والمساعدة في هذا القرار.

Shahad_kh_@