الرأي

المناخ.. وتحديد المواعيد من منظور الذكاء الاستراتيجي

زهير ياسين آل طه
هل خطر في مخيلتك يوما ما أن تحديد موعد نهائي لإنجاز عمل ما قد لا يكون قرارا صائبا لتحقيق ما هو مخطط له استراتيجيا بالدقة والجودة المطلوبة؟ فلربما خطر..! لكنه خطر بشكل حدسي عابر لا أهمية له تذكر عند البعض، وإنما يستشعره بعمق المطلعون الذين عاصروا الكثير من القرارات الاستراتيجية التي تعثرت ولم تكتمل وتم الاضطرار لتغييرها نهائيا أو تمديدها لمواعيد متأخرة، فأما البسطاء الكادحون فلا يخطر ببالهم ولا يكترثون بما يتحقق وبما لا يتحقق في الاستراتيجيات العليا، ويبقون سعداء ما دامت السعادة مرتبطة بإنجازاتهم الفردية المحيطة بحلقة صغيرة في حياتهم وحياة أسرهم، «والعكس صحيح».

قد يرى البعض أن «خياري» التحديد بموعد قريب أو بعيد غير مبرر تماما إذا اتخذ عشوائيا بدون وجود خبرة مكتسبة علميا في دراسة تقييم وتحليل الظروف المتغيرة المرتبطة بالقدرة مع الوقت والإمكانات والمصادر، فينظر له علميا بمكمن هدر وقت وتأجيل واسترخاء وعرضة للتسويف والمماطلة واللا إنتاج من ناحية الموعد البعيد، مقابل توتر وخوف وعدم الدقة وانخفاض الجودة والتشتت واللا إبداع للموعد القريب بسبب الشعور الدائم بالملاحقة والتأخير عند البعض.

بلا شك؛ قد يكون «الخيار» الثالث في الموعد المفتوح هو الأوفر حظا لبعض القرارات غير المصيرية، وقد لا يكون مع المصيرية المرتبطة بالقرارات المحلية؛ كالتعليمية والتدريبية والاقتصادية والتطويرية والتنظيمية المرتبطة بالخطط الاستراتيجية، كدعم مشاريع ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة وتقليص نسبة البطالة بالتوطين ومشاريع الإسكان وتسهيل الاستثمار والتخطيط المدني والبنى التحتية وقطاع الخدمات اللوجستية وسلسلة الإمداد والاتصالات والبرمجيات والحماية السيبرانية والذكاء الاصطناعي المتسارع عالميا، إلى ما هو أعمق عالميا ودوليا في الالتزام بمتطلبات مؤتمرات المناخ، ومن ضمنها استخدامات الطاقة الأحفورية والمتجددة لتقليل نسب انبعاثات الكربون في الاحتباس الحراري جراء التلوث البيئي وارتفاع مطرد لحرارة الأرض واختلاف التعهد بصفر أو الحياد في انبعاث الكربون بين عامي 2050 من بعض الدول و2060 للبعض الآخر.

التجارب السابقة وهي ليست بقليلة للاستفادة منها ومن تحديات مخرجاتها؛ فهي لا تخفى على صناع القرار والاستراتيجيين القدامى حينما وجهت بمواعيد محددة في ظل ظروف متباينة تأثرت نوعا ما بخفقان معدلات الاقتصاد والأحداث السياسية والبيئية والمناخية والكوارث والأوبئة، وقد لا يمكن تحقيقها كما خطط لها بشكل كامل في كل بقاع الأرض بسبب الظروف التي مرت على العالم بأسره وستمر، ونذكر هنا لا للحصر الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة من قبل الأمم المتحدة والمؤمل تحقيقها بصعوبة في عام 2030، وبالإمكان تحقيق أعلى مما خطط له وفقا لخروج بدائل لتقنيات ذكية مسرعة وموثقة ومصادر طاقة متجددة تعطي ثقة أكبر للتحقيق الإضافي بالتعهد بالتنفيذ للخطط المعاد تصميمها للمناخ.

فالمناخ والسر الذي يقلق متابعي الاحتباس الحراري في تأزم الانتقادات العالمية لانتهاكه بسبب انبعاثات الكربون وعدم الالتزام المطلق لبعض الدول الصناعية الكبرى بتخفيضه كونه حالة مصيرية تحتاج لتوافق والتزام عالمي من أعلى الهرم لأسفله في المنظومة البشرية، والخوف من الوصول إلى نقطة اللاعودة التي أشارت إليه في تقريرها عام 2018 لجنة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC مع تبقي 12 سنة من 2030 إذا لم يتم الترتيب لاتخاذ قرارات حازمة، والذي واجه انتقادات في حينه بسبب مكمن فك الارتباط نتيجة الشعور باليأس من عدم القدرة في تلبية موعد النهاية.

«فباتريس كول» الباحثة في جامعة وسط فلوريدا وزميلها شككوا بهذا المفهوم في دراستهم الحديثة المنشورة في شهر أغسطس 2021 من خلال تقييم مشاركة أكثر من 1000 مشارك في لوحة Qualtrics عبر الإنترنت وهي شركة أبحاث مقرها الولايات المتحدة، بحيث وجدوا أن استخدام رسائل «الموعد النهائي» الموجهة في التجربة للمشاركين زاد من التصورات حول تهديد تغير المناخ بل دعم جعل تغير المناخ أولوية حكومية وهي استراتيجية «مصيرية»، وأن هذه الأولوية لا تتحقق الا بتصوير تغير المناخ بمصطلحات أكثر قربا لتلعب دورا مهما في إشراك الجماهير من خلال جعل تغير المناخ أكثر أهمية على المستوى الشخصي كما يراها علماء الاتصال، واردفوا أنهم لم يعثروا على أي دليل يربط الموعد النهائي بفك الارتباط أو الاستجابات العكسية الأخرى.

أما الباحث «ستيفين نولز» من كلية أوتاجوا للأعمال بنيوزلندا وزملاؤه فكانت دراستهم المنشورة في شهر أغسطس أيضا 2021 مع المشاركين في سلسلة تجارب مع الخيارات الثلاثة للمواعيد قد أظهرت تباينا وتقاطعا وتوافقا في جزئيات عن دراسة «باتريس كول»، والسبب يكمن في الاستراتيجية «غير المصيرية»؛ لأن الدراسة أخذت طابع استبياني الرأي للتبرع للجمعيات الخيرية موزع لموعد قريب وآخر بعيد وثالث مفتوح لا محدود، فوجدوا أن الردود للبعيد المحدد بشهر أدنى من القريب المحدد بأسبوع وأن المفتوح أخذ النصيب الأعلى لإنهاء الاستبيان.

لهذا فالتفريق بين الدراستين ضروري في اعتماد تحديد الموعد النهائي للاستراتيجيات بما تحتاجه وتستند إليه التصنيفات المصيرية من عدمها وأيضا في تحديد الوقت القريب من البعيد، والخبرة التكاملية الهجينة للذكاء الجماعي مطلوبة وضرورية في اتخاذ القرار التسلسلي لأي من الخيارات الثلاثة التي تحدثنا عنه في مقال سابق كنموذج حيوي دارج في محطات اتخاذ القرار العالمي Sequential Decision Making استنادا مقترحا للاستفادة من قدرة الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات من خلال الجيل الثالث GPT-3 للتنبؤ اللغوي الذي يحوي 175 بليون رمز.

zuhairaltaha@