هل تنسحب أمريكا من الشرق الأوسط؟
الأربعاء / 12 / ربيع الثاني / 1443 هـ - 18:49 - الأربعاء 17 نوفمبر 2021 18:49
لا شك أن سؤال اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية حيال منطقة الشرق الأوسط يتردد على ألسنة الباحثين منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015، حيث عكس هذا الاتفاق نمطا من التحولات الاستراتيجية الهادفة إلى التخلي تدريجيا عن الالتزامات الأمريكية حيال الشركاء والحلفاء الاستراتيجيين في منطقة الخليج العربي تحديدا والشرق الأوسط بشكل عام.
وقد ازدادت الشكوك والتخمينات بشأن هذا الاتجاه خلال فترة ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي اكتفى بالإعراب عن التزام بلاده بشراكاتها التاريخية في المنطقة رغم أن السلوك السياسي لإدارته كان يمضي في اتجاه مغاير تماما، حيث اكتفى -في مواقف عديدة- بتقديم الدعم اللفظي للشركاء دون الانتقال إلى ما يؤكد الالتزام الأمريكي الحقيقي بدعم هذه الشراكات.
ورغم أن الرئيس جو بايدن قد أعرب في بداية ولايته الرئاسية في يناير الماضي عن حرصه على استعادة زمام القيادة الأمريكية للنظام العالمي، واستئناف التنسيق والتعاون مع شركاء بلاده، ومنهم بطبيعة الحال الشركاء الشرق أوسطيين، فإن تطورات الأحداث قد عكست انغماس الإدارة الجديدة في التركيز على الشرق الأقصى محور الصراع الاستراتيجي المستقبلي مع الصين، وربما أسهم في ذلك بشكل ما تداعيات تفشي وباء «كورونا» (كوفيد-19) التي أنتجت معطيات ومتغيرات استراتيجية لم تكن بالتأكيد ضمن الحسابات الاستراتيجية للفريق الرئاسي الأمريكي خلال حملته الانتخابية، ولكن الشواهد تؤكد كذلك أن بايدن يمضي في اتجاه مشابه لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي تعهد في بداية ولايته بفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية - الأمريكية.
كذلك يبدو الحال مع الرئيس بايدن الذي تأخر -عند توليه منصبه- في التواصل هاتفيا مع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل أقرب الحلفاء للولايات المتحدة. ورغم تفاوت أو اختلاف المبررات التي يمكن أن تفسر تأخر التواصل التقليدي بين الرئيس الأمريكي الجديد وقتذاك (بايدن) وقادة دول منطقة الشرق الأوسط، فإن المشهد في مجمله كان -ولا يزال- يوحي بحدوث تغير ما في التعاطي الأمريكي مع المنطقة.
ورغم أن الموقف الأمريكي حيال الشراكة الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية -على سبيل المثال- قد اتضح عقب المكالمة الهاتفية الأولى بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، حيث غرّد بلينكن على تويتر قائلا «إن السعودية شريك مهم في مجال الأمن، ولن نقف جانبا بينما يهاجمها الحوثيون» وأضاف «نبقى ملتزمون بتعزيز الدفاعات السعودية وإيجاد تسوية سياسية للصراع في اليمن»، ولكن الواقع أيضا يشير إلى أن هذه التعهدات لم تشق طريقها إلى أرض الواقع في معظمها بحسب ما تعكس تطورات الأحداث.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول دون مبالغة إن الشرق الأوسط لم يعد ضمن أبرز أولويات الولايات المتحدة الأمريكية، باستثناء الملف النووي الإيراني، الذي يشغل بالفعل حيزا كبيرا من تفكير وجهود الإدارة الأمريكية الحالية، فضلا عن الالتزام المطلق بضمان أمن الحليف الإسرائيلي، الذي بات يجد أيضا مشقة في إقناع واشنطن بخطورة ما يواجهه من تهديدات استراتيجية، وهذا لا ينفي تركيز واشنطن في المرحلة الراهنة على الدفع باتجاه تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال مقاربات استراتيجية بديلة تحقق الأهداف المركزية الأمريكية، مثل محاولة احتواء الخطر والتهديد النووي الإيراني عبر إحياء الاتفاق النووي، وتوسيع شركاء الاتفاق الإبراهيمي بين إسرائيل والدول العربية، وإنهاء الخلافات بين الدول العربية وبعضها البعض وإقناع العرب وإسرائيل بالحد من التعاون الاستراتيجي مع الصين وروسيا. ولكن هذه المقاربات لا تضمن في مجملها أمن حلفاء مهمين مثل إسرائيل التي تشعر بتهديد حقيقي جراء الوجود العسكري الإيراني بشكل مباشر وغير مباشر في سوريا ولبنان.
مؤخرا، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تعتزم إنهاء التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وقال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، جوي هود، خلال مؤتمر عقد مؤخرا حول الأمن في منطقة الشرق الأوسط «يجب أن أؤكد على خلفية تداول الكثير من المعلومات المضللة بهذا الصدد مؤخرا، أن شراكاتنا في مجال الأمن ستبقى»، وتابع قائلا «إن تواجدنا العسكري الدائم في المنطقة ضامن منذ أكثر من 70 عاما، وهذا الواقع الأساسي لن يتغير»، وأكد الدبلوماسي التزام الولايات المتحدة بضمان حرية التجارة والملاحة بهدف عدم السماح بأي اضطراب في الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
وهذا الحديث لا ينفي في مجمله حدوث ما يمكن تسميته بإعادة هيكلة للوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بما يتناسب مع تغيرات الظروف والتهديدات التي تشهدها المنطقة، وهو ما تؤكد واشنطن أنها تسعى «للتكيف» معه. ونجد في تصريحات أخرى وردت على لسان مستشار وزارة الخارجية الأمريكية ديريك شول ما يوضح الصورة بشكل أكبر، حيث قال «إن بلاده تبحث في الوقت الراهن نطاق الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، بما يتناسب مع طاقاتها ومتطلباتها الأمنية»، وقال «نظرا للتحديات التي نواجهها في أنحاء العالم، فضلا عن مواردنا المحدودة، فإن هدفنا هو إيجاد الحجم المناسب لهذا الوجود العسكري، بما يتيح التواجد والقدرة الكافية لحماية مصالحنا وتحقيق أهدافنا المشتركة، مع استبعاد حقيقة أننا قد أخللنا التوازن باحتياجاتنا في أماكن أخرى».
يقول المستشار الأمريكي «البنتاغون نيابة عن الرئيس الأمريكي جو بايدن، يدرس جدوى تعديل رقعة الوجود العسكري الأمريكي في جميع المناطق»، مشيرا إلى أن «منطقة الشرق الأوسط وأوروبا والمحيط الهندي والمحيط الهادئ هي مفتاح السياسة الخارجية للولايات المتحدة.. لقد نشرنا هناك من 40 إلى 50 ألف جندي، ولدينا العديد من القواعد العسكرية هناك، وهذا مهم للشرق الأوسط».
كل ما سبق يؤكد حقيقتين مهمتين أولهما أن إدارة الرئيس بايدن لا تسعى لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بشكل تام بمعنى الابقاء على انتشار محدود يتناسب مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية بغض النظر عن مصالح الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين، والحقيقة الثانية أن نهج الرئيس بايدن لا يأتي من باب الحرص على علاقات الشراكة والتحالف مع دول المنطقة ولكن باعتبار هذا الوجود ركيزة من ركائز تنفيذ شعار بايدن الذي قال فيه «أمريكا عادت».
وقد ازدادت الشكوك والتخمينات بشأن هذا الاتجاه خلال فترة ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي اكتفى بالإعراب عن التزام بلاده بشراكاتها التاريخية في المنطقة رغم أن السلوك السياسي لإدارته كان يمضي في اتجاه مغاير تماما، حيث اكتفى -في مواقف عديدة- بتقديم الدعم اللفظي للشركاء دون الانتقال إلى ما يؤكد الالتزام الأمريكي الحقيقي بدعم هذه الشراكات.
ورغم أن الرئيس جو بايدن قد أعرب في بداية ولايته الرئاسية في يناير الماضي عن حرصه على استعادة زمام القيادة الأمريكية للنظام العالمي، واستئناف التنسيق والتعاون مع شركاء بلاده، ومنهم بطبيعة الحال الشركاء الشرق أوسطيين، فإن تطورات الأحداث قد عكست انغماس الإدارة الجديدة في التركيز على الشرق الأقصى محور الصراع الاستراتيجي المستقبلي مع الصين، وربما أسهم في ذلك بشكل ما تداعيات تفشي وباء «كورونا» (كوفيد-19) التي أنتجت معطيات ومتغيرات استراتيجية لم تكن بالتأكيد ضمن الحسابات الاستراتيجية للفريق الرئاسي الأمريكي خلال حملته الانتخابية، ولكن الشواهد تؤكد كذلك أن بايدن يمضي في اتجاه مشابه لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي تعهد في بداية ولايته بفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية - الأمريكية.
كذلك يبدو الحال مع الرئيس بايدن الذي تأخر -عند توليه منصبه- في التواصل هاتفيا مع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل أقرب الحلفاء للولايات المتحدة. ورغم تفاوت أو اختلاف المبررات التي يمكن أن تفسر تأخر التواصل التقليدي بين الرئيس الأمريكي الجديد وقتذاك (بايدن) وقادة دول منطقة الشرق الأوسط، فإن المشهد في مجمله كان -ولا يزال- يوحي بحدوث تغير ما في التعاطي الأمريكي مع المنطقة.
ورغم أن الموقف الأمريكي حيال الشراكة الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية -على سبيل المثال- قد اتضح عقب المكالمة الهاتفية الأولى بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، حيث غرّد بلينكن على تويتر قائلا «إن السعودية شريك مهم في مجال الأمن، ولن نقف جانبا بينما يهاجمها الحوثيون» وأضاف «نبقى ملتزمون بتعزيز الدفاعات السعودية وإيجاد تسوية سياسية للصراع في اليمن»، ولكن الواقع أيضا يشير إلى أن هذه التعهدات لم تشق طريقها إلى أرض الواقع في معظمها بحسب ما تعكس تطورات الأحداث.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول دون مبالغة إن الشرق الأوسط لم يعد ضمن أبرز أولويات الولايات المتحدة الأمريكية، باستثناء الملف النووي الإيراني، الذي يشغل بالفعل حيزا كبيرا من تفكير وجهود الإدارة الأمريكية الحالية، فضلا عن الالتزام المطلق بضمان أمن الحليف الإسرائيلي، الذي بات يجد أيضا مشقة في إقناع واشنطن بخطورة ما يواجهه من تهديدات استراتيجية، وهذا لا ينفي تركيز واشنطن في المرحلة الراهنة على الدفع باتجاه تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال مقاربات استراتيجية بديلة تحقق الأهداف المركزية الأمريكية، مثل محاولة احتواء الخطر والتهديد النووي الإيراني عبر إحياء الاتفاق النووي، وتوسيع شركاء الاتفاق الإبراهيمي بين إسرائيل والدول العربية، وإنهاء الخلافات بين الدول العربية وبعضها البعض وإقناع العرب وإسرائيل بالحد من التعاون الاستراتيجي مع الصين وروسيا. ولكن هذه المقاربات لا تضمن في مجملها أمن حلفاء مهمين مثل إسرائيل التي تشعر بتهديد حقيقي جراء الوجود العسكري الإيراني بشكل مباشر وغير مباشر في سوريا ولبنان.
مؤخرا، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تعتزم إنهاء التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وقال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، جوي هود، خلال مؤتمر عقد مؤخرا حول الأمن في منطقة الشرق الأوسط «يجب أن أؤكد على خلفية تداول الكثير من المعلومات المضللة بهذا الصدد مؤخرا، أن شراكاتنا في مجال الأمن ستبقى»، وتابع قائلا «إن تواجدنا العسكري الدائم في المنطقة ضامن منذ أكثر من 70 عاما، وهذا الواقع الأساسي لن يتغير»، وأكد الدبلوماسي التزام الولايات المتحدة بضمان حرية التجارة والملاحة بهدف عدم السماح بأي اضطراب في الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
وهذا الحديث لا ينفي في مجمله حدوث ما يمكن تسميته بإعادة هيكلة للوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بما يتناسب مع تغيرات الظروف والتهديدات التي تشهدها المنطقة، وهو ما تؤكد واشنطن أنها تسعى «للتكيف» معه. ونجد في تصريحات أخرى وردت على لسان مستشار وزارة الخارجية الأمريكية ديريك شول ما يوضح الصورة بشكل أكبر، حيث قال «إن بلاده تبحث في الوقت الراهن نطاق الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، بما يتناسب مع طاقاتها ومتطلباتها الأمنية»، وقال «نظرا للتحديات التي نواجهها في أنحاء العالم، فضلا عن مواردنا المحدودة، فإن هدفنا هو إيجاد الحجم المناسب لهذا الوجود العسكري، بما يتيح التواجد والقدرة الكافية لحماية مصالحنا وتحقيق أهدافنا المشتركة، مع استبعاد حقيقة أننا قد أخللنا التوازن باحتياجاتنا في أماكن أخرى».
يقول المستشار الأمريكي «البنتاغون نيابة عن الرئيس الأمريكي جو بايدن، يدرس جدوى تعديل رقعة الوجود العسكري الأمريكي في جميع المناطق»، مشيرا إلى أن «منطقة الشرق الأوسط وأوروبا والمحيط الهندي والمحيط الهادئ هي مفتاح السياسة الخارجية للولايات المتحدة.. لقد نشرنا هناك من 40 إلى 50 ألف جندي، ولدينا العديد من القواعد العسكرية هناك، وهذا مهم للشرق الأوسط».
كل ما سبق يؤكد حقيقتين مهمتين أولهما أن إدارة الرئيس بايدن لا تسعى لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بشكل تام بمعنى الابقاء على انتشار محدود يتناسب مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية بغض النظر عن مصالح الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين، والحقيقة الثانية أن نهج الرئيس بايدن لا يأتي من باب الحرص على علاقات الشراكة والتحالف مع دول المنطقة ولكن باعتبار هذا الوجود ركيزة من ركائز تنفيذ شعار بايدن الذي قال فيه «أمريكا عادت».