الرأي

رئيس الجامعة في الميركاتو الأكاديمي!

بندر الزهراني
سألني ذات ليلة أحد القراء عبر «تويتر» عن سر جمود جامعاتنا وعن أسباب تخلفها (إن كانت فعلا متخلفة)، ولماذا هي ليست كالجامعات الأمريكية مثلا؟ فرددت مستعجلا في إجابتي وقلت: راجع مقالاتي وستجد فيها الجواب الكافي، وعندما وضعت رأسي على مخدتي أتهيأ للنوم، وقد أغمضت عينيَّ استعدادا للارتقاء الروحي والاسترخاء الذهني، قفزت تلك الأسئلة إلى فضاء أفكاري ملخبطة موجات (ثيتا) ومعطلة رحلة الإقلاع، فقلت معاتبا نفسي: ليتني أجبته حينها بما يخطر على البال، على الأقل نمت هانئ الضمير مطمئن النفس، وسلمت من الوساوس وهمهمات الصدور!

الواقع يقول إن جامعاتنا ليست متخلفة بالمعنى الذي يعكس أنها لا تعمل أو لا تقدم شيئا، لا طبعا، فهي تعمل وتقدم أشياء وأشياء، والدولة مقابل ذلك تصرف عليها مليارات الريالات، ولكنها جامعات متخلفة بالمعنى الذي يفيد أنها متأخرة وبعيدة كل البعد عن المنافسة الحقيقية، والسبب في تخلفها هذا لا يرجع لقلة الدعم المادي أو عدم الاهتمام والرعاية الحكومية أو أنه بسبب ضعف تأهيل الطاقات البشرية، كلا ثم كلا، ولكنه بسبب غياب أو انعدام مقومات القيادة لدى الإدارات الأكاديمية، إما بالفطرة التي لا حول لنا فيها ولا قوة، وإما بسبب الاختيار الخاطئ المبني على تقاطع المصالح بين شركاء المنفعة!

لسوء الحظ أن رئيس الجامعة عندنا لا يختار لنبوغه الإداري أو لشخصيته القيادية، ولا لمكانته العلمية أو آرائه الفلسفية، كلا، وإنما يختار بتوصية من رئيسه النافذ لاعتبارات شخصية، ظاهرها تراكم خبراته الإدارية في تصريف الأعمال، وباطنها يعلمه الله، وكأننا كما لو كنا في ورشة للسيارات -يتولى إدارتها الأقدم تعيينا والأكثر ممارسة- لا في حاضنة للفلاسفة والمفكرين، ولذلك نجد جامعاتنا متخلفة في جانب الإبداع والابتكار وناجحة نسبيا في دائرة تصريف الأعمال.

علينا أن نتفق جميعا أن رئيس الجامعة يجب أن يكون مفكرا وفيلسوفا، أو يكون متخصصا بارعا في الإدارة، فالمفكر الحقيقي حساباته لا تتوقف عند الحصول على المنصب أو الحفاظ عليه أو حتى الحصول على بدلات مالية كمخصصات اللجان والأبحاث التطويرية، أبدا، المفكر فوق إبداعاته الفكرية يقدس الفكرة المجردة لا الكرسي المرصع بالإغراءات، ولذلك استقالته نجدها مكتوبة (في جيبه) يقدمها أنى شعر بعجزه عن الإبداع والابتكار أو لم ينجح في تجسيد أفكاره وتنفيذها في الميدان، وهنا الفرق الجوهري بينه وبين أي رئيس آخر.

قبل ما يزيد عن عشر سنوات اقترحت على رئيس جامعة الملك عبدالعزيز مشروع الجامعة الخضراء، وكان المشروع عبارة عن تحويل الحرم الجامعي من مجرد أبنية بلا أرواح، ومواقف للسيارات، إلى منطقة استوائية خضراء طوال العام، فقوبل مقترحي بالرفض والإهمال، لم يكن المقترح صعبا ولا عسيرا في ظل توفر المادة والقدرة على اتخاذ القرار، ولم يكن بحاجة إلا لقائد حقيقي يؤمن بالفكرة ويبحث عن سبل تحقيقها، ولذلك عندما جاء ولي العهد وهو القائد الفذ -حفظه الله- بمبادرة زراعة الـ10 مليارات شجرة كان الوطن كله أخضر لا الجامعة فحسب!

إذن القيادة الأكاديمية هي بيت الداء، وهي مكمن العلة، واستبدالها بقيادات عصرية مؤهلة بالفطرة ومدججة بالفكر والفلسفة هو الدواء، وهذه الخطوة الصحيحة إن حدثت فهي ضرورة لازمة لإنجاح رؤية ولي العهد الطموحة، فالإدارات من ذوات العقول الأداتية ما عادت تصلح لهذا العصر، ولا يمكن الاعتماد عليها أو الوثوق بها، ولا يمكن أبدا لرئيس جامعة أن يكون رئيسا وهو لا يحسن أن يلقي كلمة في حفل طلابي، فضلا عن أن يلقيها في حفل يحضره قادة البلاد وعلماؤها ومفكروها! هل تذكرون مقالي (اعطونا صوفيا وخذوا الكراسي)! ترى هل ما تزال متاحة للانتقال رئيسا للجامعة ولو في الميركاتو الأكاديمي!

drbmaz@