الرأي

اقترض يا ذيبان

علي الحجي
قبل أيام فوجئت بإعلان تجاري على التلفزيون يحل مشكلة ضيوف الفجأة بقرض سريع، وآخر مستعد لتسهيل احتفالك بمولودك بقرض آخر، في حين لم ينتهِ الموظف بعد من القروض الشخصية المتجددة كل خمس سنوات، ولا قروض العقار التي تعدك بالصمود لآخر يوم في حياتك، وبعدها يتولى التأمين الذي سددته مسبقا الوفاء بالمتبقي، في حين ما زالت مظاهر الزيف الاجتماعي تتمدد وتستحوذ على ما يملكه المواطن وما لا يملكه، فالمزايدة في الهدايا والتعامل معها كدين واجب السداد، وشكليات وبروتوكولات الزيارات والمناسبات، وتكاليفها الباهظة وقتا ومالا وأسلوبا، حولت العلاقات من بسيطة سلسة إلى جامدة متكلفة، فأماتت الألفة، وأحيت الكلفة، وجعلت المواطن بين خياري الغرق والانعزال.

وحسب مسح دخل وإنفاق الأسرة الأخير الذي أجرته الهيئة العامة للإحصاء 2018، فإن متوسط الدخل الشهري للأسرة السعودية بلغ نحو 14,823 ريالا، في حين بلغ متوسط الإنفاق الاستهلاكي الشهري للأسر السعودية 14584 ريالا، ويظهر فيه جليا أن الإنفاق الاستهلاكي يستحوذ على نسبة تتجاوز 98% من إجمالي دخل الأسرة، في حين لا يكاد يُخصص شيء للادخار أو الاستثمار والتطوير.

نعلم أن لثقافة المجتمع دورا رئيسا في كمية الهدر الهائل للموارد، بإلباسه لباس الفضيلة حينا، واتقاء الوصمة في حين آخر، وهي بذلك فرعان، الأول ثقافة مجتمع تشجع على الهدر، وتتفنن في ابتكار مظاهره، وتبرير سلوكه، وتجبر الفرد على السير في ترهاته، والثاني ثقافة فرعية قبلية ومناطقية تكتسب وهجها من خلال التسليط الإعلامي خاصة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، التي خلقت تنافسية غبية، وعززت المظاهر الكاذبة، والسلوكيات الممجوجة، وصدرتها للمستهلك بشكل ساطع مزخرف، فتلقفها الآخر وكأنها النموذج الطبيعي اللائق واللازم اتباعه.

وتكشف لنا هذه الإحصائية الغياب التام للمؤسسات الاقتصادية والتعليم والإعلام عن دورها التوعوي للحد من هذا الهدر لدخل الأسرة، خصوصا ما يتعلق بأهمية الادخار، وكيفية حساب أرباح القروض، والمبالغ التي يتحملها المستهلك عند الشراء بالتقسيط، والشروط الخفية في عقودها.

كما أن من الواجب تعزيز ثقافة الكرم الواسع، وعدم حصرها في مظاهر البذخ والهدر للطعام، والتنافس في النافع، كثقافة التطوع والرياضة والاعتدال والتواضع واحترام الآخر، وتعزيز المواطنة والتقبل بدلا من التفاخر الفارغ، والتبرير الفاغر لما لا نفع منه.

aziz33@