الرأي

حديث حول نوبل

عبدالله العولقي
من المعهود عن الكاتب الراحل نجيب محفوظ انضباطه التام والتزامه الشديد ببرنامجه اليومي الذي يتضمن نوم القيلولة، وعندما اتصل أحد المسؤولين بمنزله أخبر زوجته بضرورة إيقاظه لأنه فاز بأعلى جائزة أدبية في العالم، بيد أن كاتبنا الكبير اعتقد أنها مزحة وأكمل نومه، وبعد أن استفاق وشرب فنجان قهوته وجد السفير السويدي يطرق باب شقته لتهنئته بالفوز!

وذات الأمر حصل مع الأديب عبدالرزاق بن قرنح الفائز بالجائزة لهذا العام، فعندما اتصلت به الأكاديمية السويدية لإبلاغه بالفوز وهو يعد غداءه في المطبخ لم يصدق هو الآخر واعتبرها مزحة، لكن المتصل السويدي أخبره أن يبقى هادئا لمدة عشر دقائق حتى يستوعب الخبر، لتنهال بعد ذلك عشرات الاتصالات ومن كافة أنحاء العالم لتهنئته بهذا الإنجاز الكبير.

يذكر أن الروائي عبدالرزاق قرنح يعود إلى جذور حضرمية من جنوب الجزيرة العربية، لأسرة هاجرت إلى تنزانيا في شرق أفريقيا، وبعد حصول المجازر العنيفة التي نالت العرب في ستينات القرن الماضي هاجر إلى بريطانيا، وهناك أكمل تعليمه حتى وصل إلى درجة علمية مرموقة هناك، بيد أن عشقه للكتابة الأدبية وولعه بالخيال الروائي جعله يكتب باللغة الإنجليزية مجموعة ثرية من الأعمال الإبداعية التي تستند في أغلبها إلى معاناة المهاجرين الأفارقة ومأساتهم في الغربة داخل أوروبا، وهذه الفكرة الإنسانية العميقة هي التي أهلته بجدارة لنيل جائزة نوبل الأدبية.

وبما أن الحديث عن جائزة نوبل والتي تعد أرفع جائزة عالمية، فيعاب عليها أنها تتخفى أحيانا وراء قضايا مسيسة؛ فخلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي منحت لأدباء منشقين عن روسيا، وفي السنوات الأخيرة منحت الجائزة في فرع السلام لأسماء كان عليها الكثير من اللغط كالرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وما حصل في عهده من حرائق وفتن الربيع العربي، بالإضافة إلى حصول أسماء مغمورة لا ترتقي أبدا لمستوى الجائزة كتوكل كرمان، وهذه القائمة تطول حول الأسماء التي لا تستحق هذه الجائزة الرفيعة.

يعاب أيضا على الجائزة الأدبية أنها انحصرت في السنوات الأخيرة على المحتوى الإنجليزي بالدرجة الأولى، يليه المحتوى الأوروبي كالفرنسي والألماني، ولهذا نجد أغلب الفائزين بها خلال الفترة الأخيرة يكتبون نتاجهم الإبداعي باللغة الإنجليزية، ومنهم بالطبع عبدالرزاق بن قرنح، كما أن المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ بالفوز كالصومالي نورالدين فارح أو التركي أوهان باموك أو الأفغاني خالد حسيني، جميعهم يكتبون أيضا باللغة الإنجليزية، وهذا مؤشر غير صحي على حقيقة واستقلالية الجائزة؛ فالعالم يعج بمبدعين كبار يكتبون بلغاتهم المحلية ويستحقون الجائزة عن استحقاق، ومن الإجحاف استبعادهم عن الفوز بهذه الجائزة الدولية الكبرى.

وأخيرا، يعتبر عبدالرزاق قرنح خامس أفريقي يفوز بالجائزة، وثاني عربي إذا اعتبرنا أصوله العربية بعد الأديب الكبير نجيب محفوظ، ولكن اللافت للأمر أن محفوظ وقرنح محسوبان لدى بعض وسائل الإعلام الغربية على الأدب الأفريقي وليس العربي، وهذه النظرة الثقافية تجعلنا لا نعول كثيرا حول طبيعة ومعايير هذه الجائزة الدولية؛ فالنظرة الإجحافية الغربية لا تزال قائمة تجاه ثقافتنا العربية، والتي تعج بأعلام كبار تستحق الجائزة عن جدارة واستحقاق.