بين الديانات والعادات
الثلاثاء / 27 / ربيع الأول / 1443 هـ - 19:22 - الثلاثاء 2 نوفمبر 2021 19:22
يحدث أن تمر الأفكار والأديان والمذاهب بمرحلة طويلة من السبات والركود والتكرار والرتابة حتى تكاد تصاب بالتصلب والجمود وتصبح التقاليد الاجتماعية عاملا فاعلا في التعليمات الدينية والمذهبية وتمتزج بها حتى لا يكاد يفرق الناس بينما هو ديني وما هو مذهبي لتفسير الدين، وبينما هو من العادات والتقاليد التي يضيفها الإنسان إلى القيم الدينية المقدسة فتختلط تعاليم الدين بممارسات البشر وتصبح جزءا من التشريع الذي يعمل به ويحافظ عليه ويقدسه العامة بل وحتى المتخصصون في الشرائع السماوية واللاهوت الديني.
وفي التاريخ القديم والحديث شواهد كثيرة على ما يصاب به الموروث الثقافي والديني بشكل خاص من التمازج بين الديانات والتقاليد والعادات مما يستوجب أن تكون المراجعات مهمة لبيان ما بينهما من الفواصل، ولا يقوم بذلك إلا عقول تثير السؤال والاستشكال فيما هو وسائد وفيما هو معروف.
ويكون لهذه العقول تأثير كبير على التغيير والتجديد والتمحيص الذي يفرق بين المتشابهات ويميز بين الحق والباطل فيما يرثه الناس عادة وفيما يتلقونه تعليما دينيا صحيحا ويكون نقطة فاصلة في تاريخ البشر وبذرة قوية نابتة من صلب التفكير المختلف ولا يقوم بذلك غير المختصين وأهل العلم بالشريعة المراد الاجتهاد في تعاليمها.
في بداية القرن الثالث عشر الميلادي بلغت الكنيسة الكاثوليكية حد التحجر والتصلب المسيحي فجاء القديس توما الأكويني 1225م من الوسط الكنسي الكاثوليكي ومن طبقة النبلاء فأعلن وجوب مراجعة تعاليم الكنيسة وطالب بالعودة إلى الفلسفة وضرورة تعاليم أرسطو والأخذ بفلسفته وفتح كوة واسعة في جدار الكاثوليكية الصلد على العقلانية والفلسفة الإغريقية وحتى تراجم ابن رشد وفلسفته التي ترجمت إلى اللاتينية أخذت مكانها في أفكاره، وجادل رجال الكنيسة وخرج على تشددهم ووجدت آراؤه طريقها إلى طلابه والناس كافة.
أحدث تجديد الأكويني هزة قوية في تعاليم الكاثوليكية الجامدة، وقد استمر الجدل حول آرائه في الأوساط الدينية أكثر من مئتي سنة، ليأتي مارتن لوثر1483م وهو أحد الرهبان القديسين مثل توما بالزلزال المرعب الذي حطم المسيحية وقسمها إلى شطرين قائمين إلى اليوم الكاثوليك والبروتستانت.
كانت ثورته على الكنيسة حين بلغت حدا لم يستطع تحمله عندما شرعت بيع صكوك الغفران للخلاص من الخطايا؛ فأعلن مارتن الوثر أن الحصول على الخلاص أو غفران الخطايا هو هبة من الله وليس من البابا، ولا يجب القيام بأي عمل يكفر الخطايا غير اللجوء إلى الله والإيمان برسالة المسيح والتصديق بما جاء في الانجيل.
وهكذا كان الإصلاح الذي أخرج أوروبا من ظلام العصور الوسطى قد قام به رجلان من رجال الدين ومن داخل الكنيسة نفسها، وقبول أقوالهما هو ما شجع الناس على الوثوق بهما واتباعهما وخروجهما ليس على الدين الذي يدينون به ولكن على تفسير رجال الدين الذي يحيطون به أنفسهم ويحافظون به على مكاسبهم ومكانتهم ويستغلون جهل الناس والعامة بحقيقة الدين نفسه وتعاليمه.
والخلاصة أن المصلحين من رجال الدين هم الذين يجب أن يبينوا للناس ما هو واجب عليهم في دينهم مهما كان الرأي السائد الذي يكون عليه العامة أو حتى الخاصة الذين يرون المزاوجة بين الدين وتعاليمه والعادات والتقاليد المرتبطة بهما.
في الأسبوع الماضي استمعت لمقابلة مع رئيس هيئة الأمر بالمعروف الشيخ عبدالرحمن السند يتحدث عن أمر في غاية الأهمية هو المنكر ودرجاته وما يترتب عليه ومن يقوم به ومن يأثم لو أنكر المنكر وقد كان في حديثه جلاء من مختص عارف في حدود المنكر وقضاياه وما يترتب عليه، وقد وضح أمرا ما كان يعرفه حتى الخاصة قبل ما أعلن وقال: «إن تغيير المنكر قد يكون منكرا أيضا»، والشيخ السند حجة فيما يقول؛ لأنه من أهل الفقه والمكلفين في الأمر.
ولو قال أحد بما قال من خارج دائرة رجال الدين لما قبل قوله ولا أقر الناس بتفسيره بل قد يتعرض لأشد البلاء من العامة، ولكن مكانته الدينية وعلمه بما يقول جعل الناس يتساءلون لماذا تأخر البيان عن وقت الحاجة؟ ويشكرونه على ما قال وما يرى ولو جاء متأخرا، وهكذا يكون الإصلاح والتجديد يأتي من داخل المنظومة التي يراد إصلاحها والتجديد في تعاليمها؛ ليكون مقبولا إذا نشره العارفيون في تعاليم الدين الذي ينتمون إليه، وأهل مكة أعلم بشعابها.
@Mtenback
وفي التاريخ القديم والحديث شواهد كثيرة على ما يصاب به الموروث الثقافي والديني بشكل خاص من التمازج بين الديانات والتقاليد والعادات مما يستوجب أن تكون المراجعات مهمة لبيان ما بينهما من الفواصل، ولا يقوم بذلك إلا عقول تثير السؤال والاستشكال فيما هو وسائد وفيما هو معروف.
ويكون لهذه العقول تأثير كبير على التغيير والتجديد والتمحيص الذي يفرق بين المتشابهات ويميز بين الحق والباطل فيما يرثه الناس عادة وفيما يتلقونه تعليما دينيا صحيحا ويكون نقطة فاصلة في تاريخ البشر وبذرة قوية نابتة من صلب التفكير المختلف ولا يقوم بذلك غير المختصين وأهل العلم بالشريعة المراد الاجتهاد في تعاليمها.
في بداية القرن الثالث عشر الميلادي بلغت الكنيسة الكاثوليكية حد التحجر والتصلب المسيحي فجاء القديس توما الأكويني 1225م من الوسط الكنسي الكاثوليكي ومن طبقة النبلاء فأعلن وجوب مراجعة تعاليم الكنيسة وطالب بالعودة إلى الفلسفة وضرورة تعاليم أرسطو والأخذ بفلسفته وفتح كوة واسعة في جدار الكاثوليكية الصلد على العقلانية والفلسفة الإغريقية وحتى تراجم ابن رشد وفلسفته التي ترجمت إلى اللاتينية أخذت مكانها في أفكاره، وجادل رجال الكنيسة وخرج على تشددهم ووجدت آراؤه طريقها إلى طلابه والناس كافة.
أحدث تجديد الأكويني هزة قوية في تعاليم الكاثوليكية الجامدة، وقد استمر الجدل حول آرائه في الأوساط الدينية أكثر من مئتي سنة، ليأتي مارتن لوثر1483م وهو أحد الرهبان القديسين مثل توما بالزلزال المرعب الذي حطم المسيحية وقسمها إلى شطرين قائمين إلى اليوم الكاثوليك والبروتستانت.
كانت ثورته على الكنيسة حين بلغت حدا لم يستطع تحمله عندما شرعت بيع صكوك الغفران للخلاص من الخطايا؛ فأعلن مارتن الوثر أن الحصول على الخلاص أو غفران الخطايا هو هبة من الله وليس من البابا، ولا يجب القيام بأي عمل يكفر الخطايا غير اللجوء إلى الله والإيمان برسالة المسيح والتصديق بما جاء في الانجيل.
وهكذا كان الإصلاح الذي أخرج أوروبا من ظلام العصور الوسطى قد قام به رجلان من رجال الدين ومن داخل الكنيسة نفسها، وقبول أقوالهما هو ما شجع الناس على الوثوق بهما واتباعهما وخروجهما ليس على الدين الذي يدينون به ولكن على تفسير رجال الدين الذي يحيطون به أنفسهم ويحافظون به على مكاسبهم ومكانتهم ويستغلون جهل الناس والعامة بحقيقة الدين نفسه وتعاليمه.
والخلاصة أن المصلحين من رجال الدين هم الذين يجب أن يبينوا للناس ما هو واجب عليهم في دينهم مهما كان الرأي السائد الذي يكون عليه العامة أو حتى الخاصة الذين يرون المزاوجة بين الدين وتعاليمه والعادات والتقاليد المرتبطة بهما.
في الأسبوع الماضي استمعت لمقابلة مع رئيس هيئة الأمر بالمعروف الشيخ عبدالرحمن السند يتحدث عن أمر في غاية الأهمية هو المنكر ودرجاته وما يترتب عليه ومن يقوم به ومن يأثم لو أنكر المنكر وقد كان في حديثه جلاء من مختص عارف في حدود المنكر وقضاياه وما يترتب عليه، وقد وضح أمرا ما كان يعرفه حتى الخاصة قبل ما أعلن وقال: «إن تغيير المنكر قد يكون منكرا أيضا»، والشيخ السند حجة فيما يقول؛ لأنه من أهل الفقه والمكلفين في الأمر.
ولو قال أحد بما قال من خارج دائرة رجال الدين لما قبل قوله ولا أقر الناس بتفسيره بل قد يتعرض لأشد البلاء من العامة، ولكن مكانته الدينية وعلمه بما يقول جعل الناس يتساءلون لماذا تأخر البيان عن وقت الحاجة؟ ويشكرونه على ما قال وما يرى ولو جاء متأخرا، وهكذا يكون الإصلاح والتجديد يأتي من داخل المنظومة التي يراد إصلاحها والتجديد في تعاليمها؛ ليكون مقبولا إذا نشره العارفيون في تعاليم الدين الذي ينتمون إليه، وأهل مكة أعلم بشعابها.
@Mtenback