الرأي

نسخ برمجيات التصوف

محمد أحمد بابا
في تهذيب النفس وتربيتها وتعويدها على مقاييس معينة من التحمل وبلوغ أقصى درجات التأقلم مع شتى البيئات الروحية والمزاجية في الدنيا مساحة كبيرة لخوض الكثيرين من دعاة (التصوّف) وتسليم مفاتيح السلوكيات والتخطيط اليومي في الأعمال الدينية والدنيوية لشيخ أو صاحب (طريقة) أدرى بمصلحة مريديه.. ولم تخلُ المراجع والمؤلفات القديمة من فلسفة معقدة ومبسطة لهذه العلاقة التي تربط كثيرا من القلوب المتلهفة لنجاح في حياتها ومبتغاها بتعليمات من اعتقدت اعتقادا جازما أن لديه حلولا جذرية لكل مشكلاتها المعنوية والمادية بشيء من الرجاء أن تكون في مأمن من زلات الذنوب والآثام والتعلق بالدنيا.

الملاحظ في مهنية التلقي والتنفيذ بين الطرفين الأساسيين في نظرية (التتلمذ) الصوفي هو ما تحمله المعطيات من طابع برمجي لا ينفك عن تخطيط (استراتيجي) يعنى بالنفس الإنسانية ويستحضر تلون الأرواح واختلاف التوجهات في البشر وتجدد المشاعر التي يحملها إنسان وتبلد الأحاسيس التي ماتت لدى إنسان آخر.

وقد أعثر وأنا أتخيل ذلك المنظور الذي ينظر به المهتمون باستمرار العمل بالبرنامج التصوفي على مجموعة من القواعد والقوانين التي يمكن أن تحوّر لصالح تربية المجتمعات وتنشئة الأجيال بغض النظر عن المضمون الذي تعتنقه طريقة صوفية أو تتبناه منهجية أخرى؛ فما أعنيه هو تكامل الأوامر مع أمثلة التطبيق.

فالصبر والتصبّر الذي يعتبر شعارا لأغلب المجالات الصوفية من أنجع العلاجات والأدوية لكثير من الأمراض التي تؤرقنا حيال عدم ظهور نتائج التربية والتعليم والتأديب على أبنائنا وشبابنا بل وأنفسنا عموما، والمقدار المستوعب الذي يهتم به شيخ الطريقة ويعطيه بقدر يناسب كل مريد قد لا يتفق مع مريد آخر في سرعة الاستجابة أو بطء الفهم والهضم من أفضل الوسائل التي لو اعتنى بها من يرجو مشاهدة آثار أصيلة في نفس يربيها أو إنسان يدربه.

حتى إن أرفع المقامات التي يأمل المنخرطون في طقوس التصوف في العالم بلوغها من اعتماد على النفس بعد وصول مرتبة عالية من الدربة والممارسة هي ذاتها التي يحتاجها كل إنسان يعيش في مجتمع له تقاليد وعادات ودين ونظام وقوانين، إذ العبرة بأن يكون من الفرد رقيب على نفسه قبل أن يكون للغير رقابة على تصرفات فردية قد تحدث في ظلام أو خفاء دون منكر أو معاقب.

فكيف لنا أن نصل لحد نثق فيه بالمجتمع ومكوناته التركيبية دون أن يكون لدينا أدنى شك في مصداقية مع أنظمة وتعاليم صوّت عليها وارتضاها مع مجموعته المنتخبة والمختارة لتكون هي القاضي حين حدوث المخالفات أو النزاع، وكيف لنا أن نأمن على جهد بذلناه سنين طويلة في الحرص على تكوين الأطفال عقليا وعلميا وتدريب الموظفين والموظفات مهنيا وسلوكيا وتوعية المجتمعات ممارسة وتطبيقا دون أن نخضع مدخراتنا وبرامجنا لتكون رقيبا ومخبرا لا هم له سوى ضبط المخالفين.

اعتقادي أن تطبيق (برمجيات التصوف) في مناحي الحياة المختلفة خاصة التي تعنى باستمرار التأهيل والسيطرة على التصرفات لها ما يبررها في الوضع الراهن، لأن ترك الأمور على جوانح الأقدار ومقتضيات الصدفة عبث وعجز، وتجدد الشكوى والتضجر والتذمر من إفرازات التأخر والرجعية والتناقضات المجتمعية هو فوضى كلام (وفضفضة) مجالس لا تُسمن ولا تغني من جوع.

فليكن الباحث في الأمور الاجتماعية والنفسية والسلوكية (شيخا) وليكن المستهدف والمعني بتلك الأنشطة الرامية لتوعية المجتمعات وتغيير النظرة العقيمة للأشياء (مريدا) وليصبر القائمون على بذل الإرشاد وبرامج التثقيف وخطط التنمية الاجتماعية على أعمالهم ودعوتهم وعلى مستهدفيهم ومحبيهم ولا يستعجلوا نتائج قولهم وفعلهم وجهدهم ولا يضعوا (بيضهم في سلة واحدة).

وليصبر الفرد والإنسان العادي والمتوسط والمثقف على مقدار الجرعة المقدمة له وليهتم بالتطبيق أولا بأول وليباشر المداومة على تحديث (البيانات) كل ما سنح له الوقت ولا يستعجل التخرج قبل انقضاء ساعات التدريب التي هي زبدة البرنامج الحياتي كله.

@albabamohamad