الرأي

الطبيب الإنسان

علي المطوع
الطب مهنة إنسانية عظيمة، والطبيب إنسان قبل أن يكون صاحب تخصص يشفع له بالتماس مع مرضاه كشفا ومكاشفة لكثير من الخبايا والأسرار التي يحجم الشخص في حال مرضه على قولها لأحد سوى ذلك الطبيب الذي استأمنه على حياته وخصوصياته.

قبل أيام ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بخبر مفاده أن الدكتور محمد الأحمري المشرف على مركز الأمير فيصل بن خالد لأمراض القلب في عسير، كان قد كسر كل بروتوكلات العمل الرسمية ورمى بها وراء ظهره عندما قرر الانتقال إلى مدينة محايل عسير والتي تبعد عن أبها حوالي تسعين كلم، لمتابعة حالة مريضة أنهك المرض قلبها ليتوقف عن العمل مما جعل إمكانية نقلها إلى أبها - مقرر المركز - إجراء يشوبه شيء من الخطر؛ لبعد المسافة قياسا بالحالة وخصوصيتها، وخطورة تحريكها من مكانها خوفا من تبعات ذلك الإجراء.

الخبر ليس جديدا في سبقه ورصده ولكن الجديد والمثير يكمن في هذا الطبيب الذي قدم إنسانيته على ما سواها من مفاهيم والتي جعلته يتجشم عناء بعد المسافة متجاهلا ذلك الروتين الذي لا يفرض عليه أخذ هذه المبادرة وتحمل تبعاتها، ولكنها المسؤولية وقبل ذلك الضمير الذي دفع بهذا الطبيب ليكون استثناء لكل قواعد الرتابة التي تحد من العطاءات الإنسانية الواجبة تجاه المكلومين والمتعبين.

انتهت القصة بأداء الطبيب لواجبه على أكمل ما تقتضيه المهنية والمسؤولية والحس الإنساني، وبدأ فصل آخر من فصول إبراز هذا العمل وجعله قاعدة بدلا من كونه استثناء وخبرا تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي ليكون السبق الذي يحتفل ويحتفى به ثم ما يلبث أن يطويه النسيان في زحمة الأخبار، وهنا نتساءل عن المسؤولية المجتمعية لأصحاب الحرف والمهن العالية المستوى، ما هي أطرها وتنظيماتها الواضحة والصريحة، وما هي الأبعاد التي تستوجب من الجميع الدفع بها كمفهوم وقناعة يجب تأصيلها بين المختصين وشرائح المجتمع المختلفة؟

إن المجتمع بحاجة إلى مثل هذه المبادرات وبحاجة أكثر إلى تأصيل وتفعيل هذه المفاهيم وتنظيمها وفق قواعد وإجراءات محددة ودقيقة تسهم في إبراز مثل هذه الجهود والدفع بها والرفع من مستوى تقديمها كخدمات إنسانية خارج الأطر الرسمية وما تقتضيه من شروط ومتطلبات، وهذا الأمر يقتضي تعزيز الجوانب التطوعية وإبرازها في المجتمع وإبراز كل من يسهم في خدمة المجتمع من خلال هذه الأعمال التي تعكس مستوى عال من الأخلاق والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع وأبنائه، ثم يأتي بعد ذلك الجانب الإعلامي الحكومي والخاص، والذي يجب عليه التعاطي مع هذه الصور وإبرازها لتكون صورا ناصعة تعكس وتجسد أخلاق المجتمع السعودي وتعاضد أهله وقدرة هذا المجتمع بكل أعضائه على القيام بأعمال إنسانية ترسخ مفهوم التكامل الإنساني والتكافل الاجتماعي بكل صوره ومناشطه التي ترسخ مفاهيم العدالة والمساواة في المجتمع وتزيد من صور الحب والوئام بين أفراده.

alaseery2@