الرأي

هل الطب مهنة أم وظيفة؟

مرزوق تنباك
قد لا يكون الفرق كبيرا وواضحا لدى الناس بين المهنة والوظيفة أصلا، ولكن التعريف يفرق بينهما، فالمهنة علم مبني على أساس الاحتراف والخبرة التي اختيرت اختيارا مناسبا حسب مجال العمل الخاص بكل مهنة، ويتطلب ذلك مهارات وتخصصات تحكمها قوانين لتنظيمها، وهي الحرفة التي بواسطتها يتم تطبيق الخبرة والمعرفة المتينة في بعض الحقول المتخصصة، ويمكن اعتمادها على فن تؤهل له الممارسة ويكتسب بالتدريب والتدريس، والمهنة باختصار حرفة تشمل مجموعة من المعارف والإمكانات العقلية والتدريبية والممارسة والتطبيق العملي، ومهنة الطب من أشرف المهن وأفضلها وهي متميزة ومختلفة عن الوظيفة. أما الوظيفة فهي مجموعة من المهام والاختصاصات يناط القيام بها لشخص معين تتوفر فيه بعض الشروط الضرورية لتولي أعباء الوظيفة العامة، وبذلك تختلف الوظيفة العامة من حيث واجباتها ومسؤولياتها، ومن حيث الحقوق التي تخولها الوظيفة لشاغلها بحسب موقعها وأهمية عملها في الهيكل التنظيمي، وهي تتبع نظاما وقوانين ولوائح يحددها القطاع الذي يعمل فيه الموظف أيا كان، إذن هناك فرق كبير بين الوظيفة والمهنة. استدعى هذا الحديث تجربة شخصية، فنحن سكان المركز نجد أنفسنا في كثير من الحالات معقبين لمعاملة تأتي من الأطراف ثم تستكين في أدراج بعض الموظفين في العاصمة فلا تأخذ طريقها إلى حيث يجب أن تذهب ولا يحركها من سكونها غير فزعة أحد سكان العاصمة ونجدته لصاحبها، وهذا وإن كان فيه مشقة وعناء إلا أنه من جانب آخر مهم لكسب خبرة عملية ومعرفة لما يواجه الناس من مشكلات في دهاليز البيروقراطية المتمترسة وراء اللوائح والأنظمة والقوانين الصلبة ولا سيما إذا كان صاحب الشأن غير مقيم في العاصمة فإن الحاجة إلى الفزعة واجبة، وقد تكون المهمة أصعب بعض الشيء حين يأتي مريض لطلب العلاج من المناطق البعيدة فتكون الفزعة أهم وأوجب والويل لمن لا يقوم بكل ما يجب القيام به من البحث عن أفضل المستشفيات وأمهر الأطباء وأول ذلك وأصعبه أن يجد سريرا في أي مستشفى إذا كان الأمر يتطلب ذلك. والسائد عند الناس وفي كل الأدبيات أن مهنة الطب تختلف عن كل المهن من جنسها، وتختلف عن الوظيفة من كل جوانبها، وأن الطبيب يستحضر قيما إنسانية عالية أهمها قبل العلاج الحالة النفسية التي يكون عليها عند لقائه لمرضاه وإشعارهم بعلاقة حميمة وبشاشة تجعل المريض موضع اهتمام خاص ورعاية طبية ويطمئن على أنه أصبح أمام صديق يشاركه آلامه ويخفف عنه هواجس المرض وكوابيس توقعات النتائج، وقد عهدت أن أطباءنا كانوا من هذا النوع وممن يحترفون الطب بمهنية عالية تشعر المريض ومن معه بكثير من الاهتمام وتزيل الحواجز النفسية بين الطبيب ومريضه، لكن يبدو أن الأمور لا تكون على ما يرام في كل الأحوال، فقد زرت عددا من المستشفيات الكبيرة الأهلية والحكومية أيضا في الآونة الأخيرة مع بعض من يحتاج إلى خدمتهم ومع سوء الحظ أنني شعرت بشيء من التغير والجفاف بين الطبيب ومرضاه، وأن العلاقة تحولت إلى علاقة وظيفية بحتة إن لم تكن تجارية مادية في المقام الأول، فقد اختفت البسمة من الوجوه واختفت العلاقة المهنية واللقاء البشوش واللغة الدافئة التي كان يقابل الطبيب مرضاه بها، كما قل الوقت الذي يحتاجه المريض لشرح تفاصيل الشكوى التي يعاني منها، وأصبح الوقت أهم عند بعض الأطباء من النظر في الحالة ذاتها، فلا يترك للمريض ما يكفي للتفاهم وتوضيح معاناته، ولم يزد اللقاء في أكثر الأحيان عن دقائق معدودة، كما كانت صفة الاستعجال والعبوس هي الظاهرة على ملامح بعض من لقيت من الأطباء في القطاعين العام والخاص. هذه ملاحظة عابرة أدركتها بنفسي وأرجو ألا تكون عامة عند كل أحبائنا الأطباء والإشارة إليها تحذير منها وتنبيه وتذكير بحق المهنة الشريفة واحترام آدابها، والذكرى تنفع المؤمنين. marzooq.t@makkahnp.com