الرأي

كن جميلا.. تر الوجود جميلا!

أحمد الهلالي
«كم أتمنى أن تكتب عن (الحياة) فقد سئمنا أخبار (الموت)» عبارة أرسلتها لي الكاتبة مضاوي القويضي، قلبتها كثيرا، وأبحرت عبر ثنائية (الحياة والموت) التي كادت أن تكون رسالتي فيها، حتى نبهني الدكتور عبدالله الحيدري أن الموضوع سجل قبل أيام، فعدلت إلى غيرها. حين نتأمل (الحياة) بمعانيها المجردة، نجدها تلك الفترة المحددة التي تحياها الكائنات، حدها الأول (الولادة) وحدها الأخير (الموت)، وربما هي كذلك لكل الكائنات إلا (الإنسان)، الممتد عبر القرون في الماضي والمستقبل، فلا حدود لحياتنا لا بولادة ولا بموت، فقد ميّزنا الله عن الكائنات الأخرى بالعقل، وهو الامتداد الحقيقي لنا ماضيا ومستقبلا، فمن الماضي تعبرنا ثقافات بائدة وأقوال قديمة جدا خلدها (التدوين والرواية)، ويبعث العلم الحديث أعمق منهما حين يحلل العلماء الرميم ويستخرجون منها أسرارا لا تزال تتدافع حكاياتها في الأذهان، أما المستقبل فتمتد أفكارنا وخيالاتنا إلى القادم وما يحمله لنا. لم ينعم الأولون بما ننعم به اليوم، فما يملكه الإنسان العادي من وسائل الراحة يفوق ما ملكه الملوك والأباطرة في العصور القديمة، وهنا أتذكر قول الشاعر الكبير محمد السنوسي وهو يباهي بكهرباء جازان العصور، فيقول: سهر الليل بالقناديل (كسرى) وعلى الشمع كان يتلو (يزيد) أين تلك العصور من عصرنا العلمي نورا لا يعتريه الخمود وهذه أفضال الله على الإنسانية حين فتح الله العقول على بعض أسرار الوجود، وربما يأتي يوم يرى أهله أننا في كبد من العيش، ونصب لا يبلى. نتأفف من الحياة وتعقيداتها، ونتذمر من المشاغل وكثرتها، ولو تأملنا ذواتنا لوجدنا التعقيدات في دواخلنا، الانشغالات في عقولنا وأفكارنا غالبا، فتسوء الأمزجة إلى درجة القطيعة، وذم الدهر والحياة، وهذا ما يجعل (الحياة) في نظر الكثيرين كئيبة، ويزيد بؤسه حين يمتد البؤس إلى المحيطين به، فيظن السوء بكل المحيطين به، هذا (يحسده/ وذاك ينافسه/ وتلك تكيد له...). في مجالسنا نعرف الكثيرين ممن لا يخجلون من إبداء تذمرهم من الحياة، ونشر سوادهم الداخلي على أعين الجلساء، مع أن معظم الناس يأتي إلى المجالس والمنتديات لنسيان همومه ومؤرقاته، لكنه يخرج مثقلا بأضعافها ربما، ولو تلمسنا مواطن الضياء في زماننا وحياتنا لوجدناها أضعاف ما يحزننا، وهذا التلمس سيجعل أرباب السوداوية والتذمر ينحون إلى التغيير، فهو أهم مطالب حياتنا المعاصرة، التغيير المستمر في طريقة الحياة، وطريقة التفكير، وطريقة الحديث حتى، وكم أشعر بالشفقة على أصحاب النظرة إلى الحياة والعصر (بقناعات) راسخة في زمن سريع التغير، فهؤلاء حتما يعيشون خارج العصر، وإن عاشوا عصرنا فهم محرومون! إذا أراد الإنسان أن يحيا جميلا، فلا جمال يفوق (التفاؤل)، فهو قيمة عليا تندرج تحتها قيم مضيئة شتى، كالتجدد والسلام وحسن الظن والإشراق والاستبشار وغيرها من المبهجات، فحين تضيق الدنيا بالإنسان، ويضيء (التفاؤل) بجمال الغد، تضيء روحه وتتجدد طاقته الإيجابية ويحدث التغيير بإذن الله. جمال الحياة أن نعيشها حقيقة، وأن نحيا عصرنا الجميل الذي لم تذقه الإنسانية منذ أن خلق الله الكون، وأن نتخلص من العقد والأحقاد والكراهية، ونتعايش في حدود المعقول الذي لا يؤثر على توازن الحياة حتى تصبح ساذجة مملة لا قيمة لها ولا مبادئ. alhelali.a@makkahnp.com