عشر سنوات لم تعلمه اللغة الإنجليزية!
الاحد / 18 / ربيع الأول / 1443 هـ - 18:51 - الاحد 24 أكتوبر 2021 18:51
تؤكد نظريات اكتساب اللغة على أن الإنسان يملك قدرة هائلة على التقاط عدة لغات دفعة واحدة في بداية حياته، ثم تبدأ تلك القدرة في الانحسار تدريجيا كلما تقدم به العمر، خصوصا حينما ينتقل الإنسان من مرحلة اكتساب اللغة language acquisition وهي مرحلة التقاط اللغة عفويا في صغره إلى مرحلة تعلم اللغة language learning، وهي التي تتم في المدارس والمعاهد النظامية وبطريقة مقصودة.
والحقيقة أن ما يتم في هذه المرحلة من حياتنا وما نشاهده محليا هو خليط مجتمعي ممن اكتسبوا اللغة وممن تعلموها، مع تفوق واضح جدا لمكتسبي اللغة من مواقف الحياة الطبيعية، مثل أولئك الذين رافقوا أسرهم في الخارج، ومن عمل مع متحدثي اللغة الأجنبية أو تواجد في مجتمع يتحدث بلغة مختلفة أو تابع البرامج والأفلام واستمع بكثرة لمقاطع باللغة الأجنبية، وأصحاب هذا النمط بلا شك أكثر ثقة في حديثهم باللغة الأجنبية، وأحد استماعا، وأسرع تفاعلا، وذلك لعظيم أثر المخالطة والتفاعل اللغوي الطبيعي بين المتحدث للغة الأم ومكتسبها.
السيناريو الثاني ليس بعملية اكتساب وإنما عملية (تعلم)، وهي التي تتم في المدارس والمعاهد وغيرها من بيئات الدراسة، والتي يجلس فيها المتعلم والمدرس للحديث عن اللغة نحوا وصرفا ومفردات وتحدثا واستماعا وقراءة وكتابة وسيناريوهات، وكل ذلك يتم بطريقة في مجملها (مصطنعة) وغير طبيعية، لأنها ليست في واقع طبيعي يتفاعل مع أحداث حقيقية وقائمة.
وللأسف فإن ما يحدث في بيئاتنا التعليمية اللغوية ليس (تعلم لغة) بل (تعلم عن اللغة)، والفرق هنا واضح، فالأولى أي (تعلم اللغة) تعني وضع الطالب في مواقف تعليمية مصطنعة، ومثال ذلك أن يفترض المعلم أن طلابه في محطة للباص أو في مقهى أو في ملعب رياضي ثم يبدأ الدرس بالنمو وفقا لتلك الحالة، وتأتي المفردات وسياق الأحداث تبعا له.
أما الثانية أي (التعلم عن اللغة) فهي تعني أن يدور جل وقت المحاضرة أو الحصة حول قواعد اللغة الأجنبية التي تشبه الرياضيات، أو أنظمتها الصوتية الوظيفية التي توحي بأن الطالب يدرس نوتات موسيقية أو ربما في تفكيك بنيوية الكلمات وتقسيم النص إلى أجزاء، وهي بالمجمل العام ممارسات حشو مهول لمعلومات عن اللغة دون أن تؤثر تأثيرا حقيقيا في تعلم اللغة بطلاقة واقتدار!
لذلك فإنني لم أستغرب يوما أن أسمع بضعف طالب درس اللغة الإنجليزية (مثلا) قرابة عشر سنوات ثم انتهى به المطاف غير قادر على الحديث لمدة دقيقة واحدة متصلة عن نفسه أو ما يحيط به من أحداث بسيطة، ولو بكلمات مبتدئة وسهلة، فهو لم يتعلم اللغة بل تعلم عن اللغة!
وبعد كل هذا فإن وزارة التعليم ممثلة في مصممي المناهج ومطوري برامج اللغة الإنجليزية مطالبة بشدة لإعادة النظر لتكون الممارسة التدريسية لتعليم اللغة لا للتعلم عنها، وأن يكون جو القاعة الدراسية تفاعليا معتمدا بالدرجة الأولى على الاستماع ثم التحدث دون الولوج في أي مناقشات حول قواعد اللغة أو تراكيبها الصوتية والمورفولوجية، وأن تكون كامل حصص اللغة في سياق ما يسمى اللغة الإنجليزية اليومية daily English، بحيث يتم التركيز على تلك المواقف التي تمس حياة المتعلم الأساسية في مأكله ومشربه وملبسه وتنقلاته وتعاطيه مع البائع والموظف والوالدين والأصدقاء ومنافذ السفر وأماكن السياحة مع جرعات استماع وتحدث بسيطة حول بعض المواقف الأقل شيوعا، ليكون هنالك تكامل لغوي مقبول.
الأمر في دور التدريب يخضع لنفس القاعدة من حيث أهمية التدريب على الاستماع والحديث حول ما يسمى لغة العمل marketplace language، مع الامتناع الفوري عن أي دروس في القواعد أو الصوتيات أو البنيوية اللغوية بمختلف مستوياتها، واستبدال كل ذلك بلغة ورش العمل ولغة المصانع ولغة مفاوضات البيع والشراء ولغة عقد الصفقات ولغة اختبار جودة المنتج، ومثلها لغة استقبال النزلاء والترحيب بالعملاء وتقديم المنتجات الجديدة وإقناع المشتري ووصف المشاكل الهندسية ووضع حلولها.
مجمل القول إننا نحتاج لتسونامي لغوي يعصف بالتقليدية التي ما زلنا نعيشها في تعلم اللغات الأجنبية، والتي أصبحنا غير قادرين على مواراة أثرها السلبي، فنحن ما زلنا نجد أن البعض درس الإنجليزية أكثر من عقد من الزمن ورغم ذلك لا يستطيع الحصول إلا على درجة متدنية في اختبارات اللغة الدولية، بل تجده ينخرط في دراسة اللغة الأجنبية بعد سفره للدراسات العليا ويتقنها في عام واحد غالبا، مما يؤكد بأننا أهدرنا وقتا طويلا في دور التعليم والتدريب كان بإمكاننا استغلال نصفه أو ربعه أو أنقص منه قليلا لتحقيق مكاسب وترشيد إنفاق ومواكبة عصر جديد، والسلام.
dralaaraj@
والحقيقة أن ما يتم في هذه المرحلة من حياتنا وما نشاهده محليا هو خليط مجتمعي ممن اكتسبوا اللغة وممن تعلموها، مع تفوق واضح جدا لمكتسبي اللغة من مواقف الحياة الطبيعية، مثل أولئك الذين رافقوا أسرهم في الخارج، ومن عمل مع متحدثي اللغة الأجنبية أو تواجد في مجتمع يتحدث بلغة مختلفة أو تابع البرامج والأفلام واستمع بكثرة لمقاطع باللغة الأجنبية، وأصحاب هذا النمط بلا شك أكثر ثقة في حديثهم باللغة الأجنبية، وأحد استماعا، وأسرع تفاعلا، وذلك لعظيم أثر المخالطة والتفاعل اللغوي الطبيعي بين المتحدث للغة الأم ومكتسبها.
السيناريو الثاني ليس بعملية اكتساب وإنما عملية (تعلم)، وهي التي تتم في المدارس والمعاهد وغيرها من بيئات الدراسة، والتي يجلس فيها المتعلم والمدرس للحديث عن اللغة نحوا وصرفا ومفردات وتحدثا واستماعا وقراءة وكتابة وسيناريوهات، وكل ذلك يتم بطريقة في مجملها (مصطنعة) وغير طبيعية، لأنها ليست في واقع طبيعي يتفاعل مع أحداث حقيقية وقائمة.
وللأسف فإن ما يحدث في بيئاتنا التعليمية اللغوية ليس (تعلم لغة) بل (تعلم عن اللغة)، والفرق هنا واضح، فالأولى أي (تعلم اللغة) تعني وضع الطالب في مواقف تعليمية مصطنعة، ومثال ذلك أن يفترض المعلم أن طلابه في محطة للباص أو في مقهى أو في ملعب رياضي ثم يبدأ الدرس بالنمو وفقا لتلك الحالة، وتأتي المفردات وسياق الأحداث تبعا له.
أما الثانية أي (التعلم عن اللغة) فهي تعني أن يدور جل وقت المحاضرة أو الحصة حول قواعد اللغة الأجنبية التي تشبه الرياضيات، أو أنظمتها الصوتية الوظيفية التي توحي بأن الطالب يدرس نوتات موسيقية أو ربما في تفكيك بنيوية الكلمات وتقسيم النص إلى أجزاء، وهي بالمجمل العام ممارسات حشو مهول لمعلومات عن اللغة دون أن تؤثر تأثيرا حقيقيا في تعلم اللغة بطلاقة واقتدار!
لذلك فإنني لم أستغرب يوما أن أسمع بضعف طالب درس اللغة الإنجليزية (مثلا) قرابة عشر سنوات ثم انتهى به المطاف غير قادر على الحديث لمدة دقيقة واحدة متصلة عن نفسه أو ما يحيط به من أحداث بسيطة، ولو بكلمات مبتدئة وسهلة، فهو لم يتعلم اللغة بل تعلم عن اللغة!
وبعد كل هذا فإن وزارة التعليم ممثلة في مصممي المناهج ومطوري برامج اللغة الإنجليزية مطالبة بشدة لإعادة النظر لتكون الممارسة التدريسية لتعليم اللغة لا للتعلم عنها، وأن يكون جو القاعة الدراسية تفاعليا معتمدا بالدرجة الأولى على الاستماع ثم التحدث دون الولوج في أي مناقشات حول قواعد اللغة أو تراكيبها الصوتية والمورفولوجية، وأن تكون كامل حصص اللغة في سياق ما يسمى اللغة الإنجليزية اليومية daily English، بحيث يتم التركيز على تلك المواقف التي تمس حياة المتعلم الأساسية في مأكله ومشربه وملبسه وتنقلاته وتعاطيه مع البائع والموظف والوالدين والأصدقاء ومنافذ السفر وأماكن السياحة مع جرعات استماع وتحدث بسيطة حول بعض المواقف الأقل شيوعا، ليكون هنالك تكامل لغوي مقبول.
الأمر في دور التدريب يخضع لنفس القاعدة من حيث أهمية التدريب على الاستماع والحديث حول ما يسمى لغة العمل marketplace language، مع الامتناع الفوري عن أي دروس في القواعد أو الصوتيات أو البنيوية اللغوية بمختلف مستوياتها، واستبدال كل ذلك بلغة ورش العمل ولغة المصانع ولغة مفاوضات البيع والشراء ولغة عقد الصفقات ولغة اختبار جودة المنتج، ومثلها لغة استقبال النزلاء والترحيب بالعملاء وتقديم المنتجات الجديدة وإقناع المشتري ووصف المشاكل الهندسية ووضع حلولها.
مجمل القول إننا نحتاج لتسونامي لغوي يعصف بالتقليدية التي ما زلنا نعيشها في تعلم اللغات الأجنبية، والتي أصبحنا غير قادرين على مواراة أثرها السلبي، فنحن ما زلنا نجد أن البعض درس الإنجليزية أكثر من عقد من الزمن ورغم ذلك لا يستطيع الحصول إلا على درجة متدنية في اختبارات اللغة الدولية، بل تجده ينخرط في دراسة اللغة الأجنبية بعد سفره للدراسات العليا ويتقنها في عام واحد غالبا، مما يؤكد بأننا أهدرنا وقتا طويلا في دور التعليم والتدريب كان بإمكاننا استغلال نصفه أو ربعه أو أنقص منه قليلا لتحقيق مكاسب وترشيد إنفاق ومواكبة عصر جديد، والسلام.
dralaaraj@