لماذا يعشق السياح سجن سان فرانسيسكو؟
الثلاثاء / 28 / شوال / 1437 هـ - 00:00 - الثلاثاء 2 أغسطس 2016 00:00
عندما تطأ قدمك المطار الدولي للمدينة التي لا تنام؛ نيويورك، فدون شك أن زيارة (التايم سكوير) الشهير ستكون ضمن أول ثلاث محطات لك! ستأخذ كوبا من القهوة ثم تتكئ أمام لوحة نازداك العملاقة وتتأمل الداخل والطالع، وتضحك كثيرا من تفنن الناس حولك في استخراج السنتات من جيوب السائحين.
المشكلة ليست هنا.. المشكلة أنك مثل الأطرش في الزفة، ولا تعلم لماذا التايم سكوير أخذ كل هذه المكانة في قلوب السياح. لو سألت جارك الجالس بجانبك لماذا أتى للتايم سكوير؟ غالبا سيكون جوابه أنه ينتظر بدء المسرحية الفلانية، لأن منطقة التايم سكوير كلها عبارة عن مسارح، وعرف هذا المكان لمن ينتظر بدء مسرحيته التالية. لهذا لو أخبرت أي أمريكي أنك ذهبت للتايم سكوير، فسيكون أول سؤال يوجهه لك: أي مسرحية حضرت؟
وهذا يضيف بعدا آخر للمتعة، فبدلا من رحلة خاوية من كل شيء، ما أجمل أن تستمتع وتضيف لمعلوماتك فائدة هنا وأخرى هناك. عندما تعرف تفاصيل المكان حولك تضيف بعدا جديدا للاستجمام، تدخل في عالم آخر من الاستكشاف والسياحة الثقافية.
وعندما ينتقل المشهد من نيويورك إلى ميامي، ستجد حكاية ممتلئة جمالا وتناقضا! ففي الجزيرة التي يقصدها السياح في شرق ميامي والتي تحمل اسم (ساوث بيتش) ستجد العجب، وكيف جمعت هذه الجزيرة التناقضات! في شارعها الأشهر، الأوشن درايف، حيث تتناثر محلات الآيس كريم والقهوة على الجهة اليسرى منه، بينما شاطئها الساحر الممتلئ بالناس من أصقاع الدنيا على الضفة اليمنى منه. ولأنك في منطقة شاطئية فلك أن تتخيل بقية الصورة، حيث تظهر الساوث بيتش كرمز للحرية الشخصية والرأسمالية في أعلى نقطة لها. الغريب في المشهد السابق، أنه على الرغم من أن ساوث بيتش تعد ربما الأكثر تعريا في ولاية فلوريدا قاطبة، إلا أن الكثير لا يعلم أن مدارس هذه الجزيرة - المرحلة المتوسطة والثانوية - غير مختلطة! تماما كما لو كنت في حي النهضة أو الملز في وسط مدينة الرياض! ولم أصدق هذه المعلومة حتى وقفت عليها شخصيا، لأنها فعلا تمثل تناقضا صارخا وفي مكان لا يتجاوز قطره سوى كيل واحد تقريبا!
لهذا عزيزي القارئ وقبل أن تشد رحالك إلى جزر المالديف أو لندن، حاول أن تعرف ولو شيئا بسيطا عن تاريخ هذا المكان.. عن تراثه.. عن أهله.. كيف يفكر الناس هنا.. فجمع مثل هذه الخيوط يصنع منك إنسانا أكثر وعيا وإدراكا. أعرف شيئا من تاريخ لندن الطويل أو لماذا أصبحت جزر المالديف هي الدولة رقم واحد بالعالم في آثار الاحتباس الحراري. لا يليق بك أن تذهب لمدينة مثل إسطنبول وأنت لا تعلم أبجديات مثل محمد الفاتح والقسطنطينية وأيا صوفيا.
لا يليق بك مطلقا أن تذهب لمدينة مثل هذه ولا تمر على قبر الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري وكفاحه الطويل لفتح هذه المدينة. كذلك شاعرنا الكبير امرئ القيس، الملك الضليل، الذي جاب نجد ووثق جبال الدخول وحومل القريبة من مدينة القويعية حاليا في معلقته، وذكر فيها جبال الهضب ومأسل ومويسل، وغيرها من المواقع التاريخية التي تحتفظ باسمها إلى هذا اليوم. هذا الشاعر الجاهلي العربي الكبير - تخيل - انتهى به المطاف ودفن في تركيا، وهو أول من سن فكرة البكاء والوقوف على الأطلال في مطلع قصيدته الشهيرة: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.. بسقط اللوى بين الدخول فحومل.
(بالمناسبة كان العبد الضعيف كاتب هذه الأحرف في تركيا ليلة الانقلاب الأخير، كانت ليلة مخيفة ولكن الله ستر)!
انجرف القلم قليلا، وانتهت المساحة المخصصة هنا، وبقي السؤال المعلق: لماذا يعشق السياح سجن سان فرانسيسكو؟ ولماذا ظل سجنها هو قبلة السياح على الرغم من أنه لم يسجن فيه سياسي كمانديلا، وإنما شخص لا يعرفه أحد اسمه فرانك موريس، حيث قلب هذا الرجل سجن الكتراز رأسا على عقب! عفوا.. اسألوا الشيخ قوقل.
m.hathut@makkahnp.com