الرأي

متى تطوى صفحة مديونيات المؤسسات الصحفية على الجهات الحكومية؟

موفق النويصر
في كل مرة أقرر فيها اعتزال الكتابة في الشأن الإعلامي، والاكتفاء بالتواجد في مدرج المتفرجين أسوة بالآخرين، أجد أمامي قائد الكتيبة الصحفية خالد المالك متوسطا ملعب الإعلام، وبين قدميه كرة المؤسسات الصحفية يحاول تمريرها لأحد رفقاء دربه، فلا يجد منهم أحدا، فأضطر إلى نقض عهدي السابق، والنزول إلى أرض الملعب واستلام الكرة منه، علني أساعده في تسجيل هدف ينتشل هذه المؤسسات من حالة التردي والجمود التي تمر بها.

وعند الحديث عن المؤسسات الصحفية فلا صوت يعلو اليوم على صوت مديونياتها على جهات حكومية، وما يدور من همز ولمز حول صحة هذه الأرقام المليونية، ومحاولة البعض إلقاء اللوم عليها وحدها في تعثر هذا الملف.

ولمن لا يعلم بقصة المديونيات، هي مبالغ مستحقة على جهات حكومية عدة، تعود في أقصاها إلى عام 2007، تقدرها المؤسسات الصحفية بنحو 175 مليون ريال، والجهات الحكومية لا تنفيها بالكلية ولا تفعل شيئا لإثباتها، وتأخر حسمها لا يضر بالمؤسسات ومنسوبيها وحدهم، بل يمتد لجميع الشركات المرتبطة بها كالتوزيع، والورق، والأحبار، والمطابع.

وسواء كانت المبالغ 175 مليونا أو أقل من ذلك، تظل مديونيات لخدمات قدمتها المؤسسات الصحفية لتلك الجهات ولم تقبض ثمنها.

وهذا الملف لولا أن تصدى له وزير التجارة الدكتور ماجد القصبي بعد أن كلف بوزارة الإعلام وأمر بتشكيل «لجنة سداد» لمتابعة تلك المستحقات، لما تحرك ملف المطالبات عن مكانه، حيث بدأت اللجنة أول اجتماعاتها افتراضيا في 13 يونيو 2020، واستمرت في الانعقاد بشكل دوري حتى يونيو 2021.

ورغم مرور أكثر من سنة على عمل اللجنة، إلا أنها لم تستكمل التدقيق في كامل المديونيات مع جميع الجهات الحكومية، حيث استهدفت في المرحلة الأولى الجهات الأكثر مطالبة ضدها، على أن تعاود نشاطها لاحقا بعد إنجاز هذه المرحلة.

ويسجل للجنة أنه رغم أن سلطتها توافقية، إلا أنها نجحت في تحريك ملف المديونيات قليلا، بسبب ضعف استجابة بعض الجهات، ورفض أخرى النظر في المطالبات، حيث صرفت المؤسسات نحو 31 مليون ريال، ولازالت النسبة المتبقية من المبالغ المقرة تنتظر التدقيق والصرف. أما الأخرى غير المثبتة فما زالت تراوح مكانها، وتنتظر تجاوب مسؤولي الجهات الحكومية مع نداءات المؤسسات لتأكيدها أو نفيها.

وهنا قد يتساءل البعض ما الذي يمنع إثبات المديونيات أو ينفيها؟ ولهؤلاء أقول، المشكلة تكمن في أن المؤسسات الصحفية مطالبة بمخاطبة كل إدارة فرعية لأي جهة حكومية بالمديونية عبر الاتصال الهاتفي المباشر أو البريد الالكتروني، وبالتالي استجابة تلك الإدارة للاتصال وتكليف أحد منسوبيها بالبحث في أرشيفها الورقي عن أصل التعاميد أو السداد، وفي حال ثبت لديها السداد تسقط المديونية، وإلا فعليها الإقرار بالمطالبة ورفعها لوزارة المالية للتدقيق النهائي واعتماد صرفها، وتلك قصة أخرى.

المعضلة، أن الإدارات الحكومية تنتشر في مختلف مناطق المملكة، ورغم تزويد اللجنة للمؤسسات الصحفية بأرقام اتصال تلك الإدارات، إلا أن أكثر مسؤوليها لا يتجاوبون معها، خاصة لو أنها تطلب منهم البحث في دفاترها القديمة، أضف إلى ذلك أن المؤسسات ليس لديها مكاتب أو مندوبين في تلك المواقع للمراجعة المباشرة والإلحاح في الطلب، وبالتالي ليس أمام المؤسسات سوى الاتصال التلفوني لإنجاز الأمر، و»تكرم» مسؤولي تلك الإدارات والقيام بعملهم.

ومن يستمع لقصص إدارات التحصيل ومعاناتهم عند تحصيل الديون، يستطيع أن يؤلف مرجعا علميا في هذا المجال، حيث يتفنن مسؤولو تلك الإدارات في اختبار صبر المحصلين بكثرة الطلبات والأعذار والتسويف، وصولا لتملصهم من السداد أو عدم البحث في سجلاتهم.

ومع ذلك لا تتوقف المؤسسات عن ابتكار حلول عدة لتثبيت حقها، كأن تنتدب أشخاصا لتلك الإدارات من أقرب نقطة لها، تبدأ مهمتهم بإقناع مسؤوليها السماح لهم بدخول أرشيفها، وتمكينهم من البحث في ملفاتها نيابة عنها، وعند العثور على أصل التعاميد وتأكيد صحتها من مسؤولي الإدارة، تختتم المهمة بتصويرها ضوئيا ورفعها على منصة وزارة المالية للاعتماد والصرف.

المفارقة أن الحل الذهبي والكفيل بإنهاء هذه الأزمة، يتمثل في تزويد المؤسسات الصحفية لكل جهة حكومية مركزية (وزارة أو هيئة أو رئاسة أو مديرية) بمديونيات إداراتها في مختلف المناطق، وبسلطتها على تلك الإدارات، تطلب منهم تزويدها بما يثبت وجود المديونيات عليهم أو سدادهم لها، إلا أن هذا الحل لا يلقى قبولا لدى تلك الجهات لأسباب غير معلومة.

ختاما؛

أجزم أن المؤسسات الصحفية تتقبل أي إجراء تقره الدولة وأجهزتها المختلفة، سواء كانت رسوما أو غرامات تأخير أو إيقافات، ولا تمانع أن تمارس تلك الجهات صلاحياتها المنصوص عليها بالنظام كاملة، في المقابل تتوقع أن ينظر لها بعين العدل والإنصاف عند مطالبتها بمستحقاتها، وليس أقل من التعامل بجدية مع نداءاتها المتكررة بتثبيت مديونياتها وسرعة صرفها أو تقديم ما يبطلها. فحالة التسويف وشراء الوقت التي تمارس ضدها، يجعلها المتضرر الأوحد في هذه المعادلة، والنتيجة النهائية مزيدا من الديون ومزيدا من الغرامات.. فهل سيأتي اليوم الذي تطوى فيه صفحة تلك المديونيات؟!

@alnowaisir