الرأي

استراتيجية التوازن الأمريكية

محمد عبدالله القرني
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية على الشق الغربي من الكرة الأرضية سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وفي الجهة المقابلة في الشرق سيطر الاتحاد السوفيتي الشيوعي، حتى أن الفكر الشيوعي ساد في الشرق بشكل كبير بما في ذلك الشرق الأوسط، ومن تلك النقطة بدأ ما يعرف بالحرب الباردة بين معسكرين، الغرب بقيادة أمريكا والشرق بقيادة الاتحاد السوفيتي، حتى انتهى المطاف بالانتصار الأمريكي نهاية الثمانينات من القرن الماضي.

ومنذ ذلك الحين بدأت استراتيجية التوازن الأمريكية، ما بين حقب جمهورية صارمة وحقب ديموقراطية متراخية، فمع كل حقبة جمهورية نرى الاندفاع في الحروب والشجاعة في اتخاذ القرارات بغض النظر عن كونها قرارات صائبة أو لا، كما حصل في عهد بوش الأب في حرب تحرير الكويت، وبوش الابن في حربه على الإرهاب في أفغانستان واحتلاله للعراق، وحصار إيران اقتصاديا والانسحاب من الاتفاق النووي في عهد ترمب، وحين تنتهي الحقبة الجمهورية وتبدأ الحقبة الديموقراطية نرى التعامل اللين مع أعداء الولايات المتحدة والضغوط على الحلفاء والتساهل مع بعض الجماعات المتطرفة، والسياسة الخارجية الضبابية، كما حدث في فترة بيل كيلنتون من سياسات متساهلة وعدم التعامل بشكل جدي مع القاعدة في مهدها وبدايتها، وعلى يد زوجته هيلاري تم إحباط الثورة الخضراء في إيران في سنة 2009، وبعد ذلك تم توقيع الاتفاق النووي المخل مع إيران من قبل أوباما، وشهد عهد أوباما خذلانا كبيرا لحلفاء أمريكا إبان ما يسمى بالربيع العربي، وكما نرى الآن في عهد بايدن وعودة المباحثات مع إيران وتمكين طالبان من حكم أفغانستان.

التساؤل يكمن في حقيقة تلك السياسة هل هي مجرد اختلاف أحزاب وآراء أو أنها تسير وفق سياسات معينة تفرضها عليها السي آي إيه والكونجرس أو أن هنالك خطوطا حمراء عريضة لا يمكن لأي الحزبين تجاوزها، من المرجح أن تكون الثلاثة سويا اختلاف أحزاب ورسم سياسة من الاستخبارات والمجلس التشريعي وخطوطا حمراء عريضة.

تلك هي سياسة أمريكا لسنوات، تمسك بالعصا من وسط اليمين في الأزمان الجمهورية وتمسكها من وسط اليسار في الأزمان الديموقراطية، إلا أن الفجوة قد كبرت مؤخرا واتضح ذلك جليا في الانتخابات الأخيرة، ومن المتوقع أن تفقد أمريكا ذلك التوازن قريبا بعوامل معززة لذلك، مثل تخبطات السياسة الديموقراطية اليسارية «وتطرفها» مما يعزز الفجوة مع السياسة اليمينية المحافظة أكثر، وسرعة نمو الاقتصاد الصيني، وقد نشهد فعليا بداية النهاية منذ السيطرة بعد الحرب العالمية الثانية وانتهاء العصر الغربي وبداية العصر الشرقي.