العالم

السوريون بالخارج يتعرضون لأكبر عملية ابتزاز

نظام الأسد خيرهم بين دفع آلاف الدولارات أو مصادرة أملاكهم يوسف: أموال البسطاء تستخدم لشراء أسلحة وقتل المزيد من الناس علي: أبلغونا أن الرسوم التي ندفعها مشاركة في المجهود الحربي جعفر: لن أشارك في تمويل النظام الذي أرسلنا إلى المنفى

معاناة السوريين تستمر في الخارج (مكة)
عملية ابتزاز كبرى يتعرض لها السوريون الفارون من وطنهم، والذين يعيشون لاجئين في عدد كبير من دول العالم، حيث تفرض عليهم إتاوات مالية مقابل إعفائهم من التجنيد، مع تهديد الممتنعين عن الدفع بمصادرة أصول عائلاتهم في سوريا والاستيلاء عليها، وفق تقرير حديث أصدره مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد ومؤسسة سراج.

وتحولت الأموال التي تنقل للنظام بحقائب دبلوماسية من سفاراته بالخارج، إلى مصدر دخل رئيس لمواجهة الأزمة المالية الطاحنة التي يعاني منها، في ظل ندرة الموارد والحرب التي يخوضها على جميع الجبهات.

نقل التقرير الذي نشرته قناة «الحرة» الأمريكية آلام وأوجاع عشرات اللاجئين البسطاء الذين يتعرضون للقهر من نظام بشار الأسد في الداخل والخارج.

مصادرة الممتلكات

وجد يوسف، وهو سوري يبلغ من العمر 32 عاما يعيش في السويد، نفسه أمام خيار مستحيل: إما الانضمام إلى جيش النظام الذي جعله لاجئا، أو المخاطرة بفقدان عائلته منزلها في سوريا، وارتفعت المخاطر بشكل ملحوظ في فبراير الماضي، عندما أعلن رئيس رفع البدل والإعفاء في مديرية التجنيد العامة في جيش النظام، إلياس بيطار، على فيس بوك أن لائحة جديدة ستسمح للسلطات بمصادرة ممتلكات «المتهربين من الخدمة» وعائلاتهم، مما جعل الضغط يتصاعد على يوسف ليتخذ قراره بشأن الخدمة العسكرية التي هي إلزامية للرجال السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 عاما.

في نهاية المطاف، آثر يوسف السلامة مضطرا، وشق طريقه إلى السفارة السورية في ستوكهولم، في يونيو الماضي، حاملا ثمانية آلاف دولار نقدا، لدفع رسوم سحب اسمه من قوائم التجنيد الإجباري، «سرت قشعريرة في عمودي الفقري أثناء تسلمي الإيصال»، بحسب ما ذكره لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد.

قتل الناس

بصوت مرتجف يقول يوسف «سيستخدم النظام السوري هذه الأموال لشراء أسلحة وقتل المزيد من الناس».

ويعد الشاب السوري واحدا من 4 ملايين شاب سوري مطلوبين للتجنيد، في بلد يبلغ عدد شبابه في سن التجنيد 17 مليون شخص، وفقا لبيانات البنك الدولي، من بينهم 114 ألف لاجئ سوري في السويد وحدها، وأظهرت الدراسات أن التهديد بالتجنيد الإجباري هو واحد من الأسباب الرئيسة التي تمنع عددا من اللاجئين من العودة لبلادهم.

وتمكنت الحكومة السورية من الاستفادة من الخوف من التجنيد الإجباري وسط الشباب الذين فروا من البلاد، لتحصيل إيرادات مالية وجني العملات الأجنبية من حوالي مليون سوري استقروا في أوروبا للمساعدة في دعم ميزانيتها المتعثرة بعد العقوبات الأمريكية

التي قطعت البلاد عن النظام المصرفي الدولي العام الماضي.

حقائب دبلوماسية

ويؤكد التقرير أن السفارات السورية بدأت أخيرا في تحصيل المدفوعات النقدية، حيث ترسل الأموال إلى البلاد عبر حقيبة دبلوماسية، وفقا لمسؤول في المطار ودبلوماسي سوري سابق، وتعد هذه الخطوة انتهاكا واضحا لاتفاقية فيينا لعام 1961 بشأن العلاقات الدبلوماسية، والتي تنص على أن «الطرود التي تتضمنها الحقيبة الدبلوماسية قد تحتوي فقط على وثائق دبلوماسية أو مواد مخصصة للاستخدام الرسمي».

وتظهر وثائق حكومية وتصريحات رسمية أن حكومة بشار الأسد توقعت أن تؤدي السياسة إلى زيادة الدخل بشكل كبير، مما يكشف عن المدى الذي سيذهب إليه النظام من أجل جمع الأموال.

وكشف التقرير أن جيش النظام السوري ووزارة المالية ووزارة الخارجية والبنك المركزي وجهاز التجنيد العسكري لم تستجب لطلبات المشروع للتعليق على المعلومات.

أزمة خانقة

وتعاني سوريا من أزمة اقتصادية خانقة تفاقمها العقوبات الاقتصادية وآخرها التي فرضتها واشنطن بموجب قانون قيصر، وتكبدت الليرة السورية، التي لا تكاد تبلغ الآن 1% من قيمتها قبل الأزمة مقابل الدولار، المزيد من الخسائر، مما جعل دفع مقابل الواردات الحيوية مثل القمح ومنتجات النفط أكثر صعوبة.

ويؤكد الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت أرميناك توكماجيان، أن النظام يحتاج إلى العملة الأجنبية بشكل ملح، «وكلما زاد عددها، كلما طالت مدة بقائه»، واتجهت الحكومة بشكل متزايد إلى الشتات لملء خزائنها.

أغلى تكلفة

وبحثا عن موارد إضافية، فرضت الحكومة السورية رسوما عالية جدا على استخراج جواز السفر، حتى بات الأغلى في العالم، حيث يبلغ سعره حوالي 298 دولارا (1118 ريالا سعوديا) لجواز السفر الجديد، ونحو 812 دولارا (3045 ريالا سعوديا) لتسريع عملية الحصول عليه، وفقا لصحيفة «ذا غارديان» البريطانية.

وتتوقع ميزانية سوريا لعام 2021 أن تصل الإيرادات من رسوم الإعفاء العسكري إلى 240 مليار ليرة سورية (189 مليون دولار)، ارتفاعا من 70 مليار ليرة سورية في عام 2020، وفقا للنسخ المنشورة في الجريدة الرسمية السورية.

ويؤكد الاقتصادي السوري، كرم شعار، للمشروع، أن الإيرادات المقدرة تشكل 3.2% من إيرادات الميزانية لهذا العام، ارتفاعا من 1.75% في عام 2020.

قائمة انتظار

وتوضح السويد كيف يتم تطبيق التعديلات الجديدة بين اللاجئين السوريين، حيث قام مراسلو مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، بثلاث زيارات إلى السفارة السورية في ستوكهولم، بين يونيو وأغسطس، وأحصوا ما معدله عشرة متقدمين في اليوم ينتظرون في قائمة الانتظار للإعفاء من الخدمة العسكرية.

وقال موظف بالسفارة، لمراسل متخف من المشروع، إنه لا يستطيع تحديد عدد الذين تقدموا بطلب للحصول على إعفاء من الخدمة، ولكن كانت هناك «زيادة كبيرة» في النصف الأول من عام 2021، والتي عزاها إلى إعلان فبراير.

وأضاف الموظف «في بعض الأيام، يأتي إلينا عشرة، وفي أيام أخرى قد يصل الرقم إلى 50». إذا كان هذا دقيقا، فهذا يعني أن السفارة قد تتلقى ما يصل إلى 400 ألف دولار نقدا في بعض الأيام.

ابتزاز مرفوض

وذكر مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، مع عشرة لاجئين سوريين، ثمانية في السويد، وواحد في ألمانيا، وواحد في لبنان، والذين قرروا دفع رسوم التجنيد، أن بعضهم، مثل يوسف، كان خائفا من احتمال مصادرة الأصول في سوريا، لكن بعضهم الآخر كانت لديه أسباب أخرى مثل علي، البالغ من العمر 29 عاما، الذي دفع الرسوم بتشجيع من عائلته، التي اعتبرت المبلغ «شكلا من أشكال المشاركة المباشرة في المجهود الحربي السوري».

ويخشى عدد من السوريين تمويل النظام الذي يشعرون بأنه مسؤول عن إرسالهم إلى المنفى، ويقول عبدالله جعفر، البالغ من العمر 35 عاما، والذي يعيش في غوتنبرج، ثاني أكبر مدينة في السويد، منذ ثماني سنوات، إنه يرى أن مدفوعات الإعفاء من التجنيد نوع من الابتزاز، وأوضح «لدي المبلغ كاملا، ويمكنني أن أدفعه، لكنني لن أفعل ذلك، لأن هذه الحكومة غير شرعية».

ماذا يدفع اللاجئون السوريون؟

298 دولارا ثمن استخراج جواز السفر السوري الجديد

812 دولارا ثمن استخراج جواز سوري سريع

8 آلاف دولار يدفعها الباحث عن الإعفاء العسكري

189 مليون دولار عائد رسوم الإعفاء العسكري

3.2 % حجم الإيرادات المنتظرة للميزانية من الإعفاء العسكري