الرأي

انتصار وأي انتصار!

منى سالم باخشوين
أنت لا تنتصر حين تخدع من هم حولك بطريقة تفضح نوايا لا تليق بإنسانية أو بأخلاق عامة أو أخلاق مهنة. وأنت لا تنتصر حينما تتخلى عن بعض مبادئك لأن هناك سببا ما لتفعل ذلك. المبادئ ليست مطاطا. وتمسكك بها لن يكون عدم مرونة. هذا ينطبق على فرد أو مؤسسة أو كيان كبير لشعب كامل. بعض الشعوب عرفت بالحكمة أو الشجاعة أو السلام.. من أين تعتقد حصلت على هذه المميزات؟ من تمسكها بمبدأ. من عملها الدؤوب على أن تكون هكذا على مر الأيام. ليس سهلا أن تتمسك بمبدأ وكل ما حولك يشدك إلى قاع تتناثر فيه المبادئ وتنكسر وتنهزم تحت ضغط المصالح والمطامع. بل من السهل جدا أن تفتح يديك لينفلت من بينهما ما كنت تمسكه من مثل ويسقط وتسقط أنت معه. من أعلى المنازل في الجنة هي تلك المنزلة لأحاسنكم أخلاقا. هل تعتقد أن حسن الخلق أمر بسيط؟ أن تكونه وتصونه وتحافظ عليه؟ ليس بسيطا أبدا وإنما هو لأصحاب الهمم العالية الراقية وهم كثر ولكننا لا نرى إلا من نريد أن نرى أحيانا أو ما يرينا إياهم المجتمع والإعلام بهبوط أو ... هبوط. فنظن بذلك أنه لم يعد هناك وجود لهؤلاء الرائعين بأخلاقهم ومبادئهم التي لا تهون إن هان الوقت وأحداثه من حولهم، والتي لا تتأثر بصدأ الرخص وتعري الأخلاق واستسهال العيش بين أحضان بيئة أصبحت مجنونة لا تعقل ما يحدث من كثرة تسارع الأحداث وسقوط القدوة وغياب الرادع من داخلنا وخارجنا. سندفع ثمن كل ذلك من استقرارنا ومن تقدمنا ومن ثباتنا ومن سعادتنا.. أفرادا وشعوبا، والتاريخ خير عبرة. محموم عقلي وأنا أكتب الآن ما أكتبه لأني أرى أننا نغوص في حضارة تقنية نستفيد منها الفتات وتأخذ من أرواحنا أجمل ما فيها. نغش في كل تعاملاتنا تجارة وعملا ووظيفة وأسرة، ولا نحافظ على عهد ولا وعد، ونكذب حتى نعتاد الكذب، وإن واجهنا أحد بكل ذلك نستخف به ونمضي كأن شيئا لم يحدث وكأنه أتى من كوكب لا نعرف لغته. لماذا صرنا ننسى كيف نجيد التعامل؟ كيف نحب؟ كيف نصدق؟ وصرنا نحرص على كيف نجيد الخداع و»الفهلوة» والإطاحة بسوانا في حفر؟ لماذا لم تعد تهزنا آهة معذب ولا دمعة يتيم؟ أين ذهبت قلوبنا وودعتنا ولم تعد؟ لماذا لم نعد نجيد عملنا ولا نعطي الآخر حقه إذا ما كنا في مكان يخولنا لذلك؟ لماذا أول ما نفكر به إذا ما صرنا في منصب ما أو وضع سلطة أيا كانت حتى لو زوج وزوجة... لماذا أول ما نفكر به هو استغلال هذا الذي نحن فيه أسوأ استغلال حتى نخرج ونحن نشعر بالانتصار؟ أي انتصار؟ أن تغش، أن تكذب، أن تخدع، أن تدلس، أن تهدم بيتا، أن تشتت شعبا، أن تؤلم قلبا، أن تدوس بهمجية أو حتى بمنتهى «الثقافة» على آخر وتدمر حلمه أو أمانه أو رجاءه؟