الرأي

الزهايمر

آلاء لبني
كان يسير بالسيارة متجها لبيته، ولكن عينيه تسمرتا عند الإشارة إلى أين يتجه يمينا أم يسارا؟، شلت ذاكرته فجأة، يدور في الشوارع لساعات يحاول أن يستحث الخلايا العصبية على تعزيز روابطها. حتى اهتدى لوجهته بصعوبة بالغة كأن نورا خافتا يتسلل لكهف عقله، وصل للبيت لتبدأ رحلة، ماذا حدث؟ ولماذا؟ غرق في تفكير عميق، لما أنسى كثيرا؟! الأسماء والتواريخ، أتلعثم في اختيار الكلمات المناسبة، لكن كيف نسيت طريق منزلي! لا فقط كنت مرهقا، حزينا أو مكتئبا قليلا، طمن نفسه مجرد توقف مؤقت أمر لن يتكرر، هل حقا لن يتكرر؟ من يجزم بذلك؟ تبادر القلق لذويه خوفا عليه طلبوا منه التريث قبل التنقل وحيدا، وعدم الاستهانة بذلك. السطور في الأعلى ليست من محض الخيال بل واقع لأحد الأشخاص ظل طويلا يبحث في تشخيص حالته، لتنقلب حياته رأسا على عقب للعزلة والانكماش، كانت حياته اليومية مزدحمة تتراص فيها التفاصيل والأحداث التي تسلل لها النسيان. يصيب الخرف قدرات الدماغ بالانخفاض بشكل تدريجي، وينبثق عنه أمراض كالزهايمر العدو الفتاك للعقل لتقلص الدماغ وضموره، وتصحبه أعراض نفسية وسلوكية، ويبدأ بمرحلة أولى مبكرة الأعراض فيها غير واضحة يصعب فيها التشخيص هل هو زهايمر أم لا؟ نسيان المواقف والأحداث والأماكن والتواريخ والأشخاص الجدد يتدرج انحسار الذاكرة والقدرة على القيام بالمهام بين المرحلة المتوسطة والمرحلة المتأخرة يصبح الشخص بحاجه لمساعدة من حوله للحركة ويفقد القدرة على الكلام وينتظر من يطعمه ويسقيه. رونالد ريغان أحد رؤساء أمريكا على حد قول ابنه أن والده كان بالمراحل الأولى من الزهايمر بولايته الثانية وهو بالبيت الأبيض مع أنه لم يشخص بالمرض إلا بعد مغادرته بخمس سنوات. لا أحد محصن من هذا المرض ليس هناك تطعيم أو جرعات، بالعكس تماما الطب يعجز عن إيجاد علاج شاف للزهايمر. وهو مرض خطير يزداد انتشارا بالعالم ويصاب به فوق عمر الستين ويكون أكثر شيوعا عند النساء من الرجال، وهناك حالات أقل للأعمار الأصغر. ويصيب 50% ممن يتجاوز 85 عاما. حسب ما ينشر بأن أكثر المصابين من الإناث ومن متوسطي الدخل والفقراء، لا يعني ذلك عدم وجود إصابة للأغنياء، بالطبع لا. أتساءل لماذا صرنا نسمع كثيرا عن الزهايمر، هل لزيادة الوعي أم زيادة المصابين وزيادة المسنين؟ أين يتوزع ويتركز المصابون في المملكة؟ كم عدد الأطباء الحاصلين على شهادات متخصصة بالزهايمر بالمملكة؟ أكثر من 130 ألف مصاب بالمملكة حسب بعض الإحصائيات المنشورة. أسباب الزهايمر الدقيقة مجهولة، لكن هناك عددا من عوامل الخطورة كالتاريخ العائلي للمرض، وتفاقم عوامل الخطورة كارتفاع سكر وضغط الدم، التدخين، التغذية غير الصحية، العزلة الاجتماعية. العلم والأطباء يقولون ليس هناك طريقة محددة للوقاية من المرض، لكن هناك نصائح لنمط الحياة الصحية والابتعاد عن التدخين والكحول والنشاط الذهني واللياقة البدنية..إلخ. نرى المرض حولنا متخفيا يهاجم أشخاصا نعرفهم وقد ارتأيت ذبول امرأة قوية تحمل العديد من المسؤوليات ليتولى أمرها بنهاية المطاف من يقوم بكافة شؤونها. هناك حالة يصعب توصيفها فيما يحدث في عقل المريض فيلم The Father جسد حالة الضياع والارتباك وماذا يحدث في عقل المريض وركز على معاناة المصاب، ربما لن تستمتع بالمشاهدة، لكن ستشعر بمعاناة المصاب وحالته. بهذا الشهر يوافق اليوم العالمي للزهايمر وهنا يظهر الدور المهم بالتوعية: بأعراض الزهايمر المبكرة فليس كل نسيان زهايمر، ومراحله وما يتبعه من تقلبات المزاج والرعاية الصحية والنفسية والمعالجة وتوفير أدوية لتخفيف الأعراض والدعم...إلخ. فلهم حقوقهم في توفير الرعاية الكافية من وزارة الصحة، والتخطيط الواسع لتقديم الخدمات المتنوعة فأعداد المرضى في تزايد، تعليم ذوي المرضى، فهم يتعلمون تجارب الصواب والخطأ. حضرت لقاء للجمعية السعودية الخيرية لمرضى الزهايمر، وتحدث أحدهم أنه كان يطعم والدته بشكل خاطئ كان ممكن أن يتسبب باختناقها. وأخرى أوضحت مدى الصعوبة التي واجهتها بعدم توفر الأدوية المرتفعة الثمن خلال الحظر بأزمة كورونا. قد يتبادر للبعض بما أنه لا علاج له لا فرق من اكتشافه، وهذا خطأ فهناك علاجات تدعم المرضى. ذكرني بالكتابة عن المرض أحد الأفاضل صاحب التجربة برعايته لوالدته وإيمانه بمدى نقص المعلومة والاحتياج، وقد اختصر أبرز أشكال المعاناة:
  • عدم التشخيص المبكر وصعوبته.
  • يوجد نقص في كفاية المرجعيات والجمعيات التي تساعد على التعامل مع الحالة وتكون عونا.
  • أسعار العلاج المرتفعة جدا.
  • عقوق البعض من خدمة المريض.
  • عدم مراعاة ظروف الموظف الذي يرعى مصابا بالزهايمر.
فليست القضية المريض فقط بل الدعم الأسري ومستوى الوعي الذي يجب أن يكون لتدارك الحالة وتقبل المريض الذي يصبح شخصا جديدا عليك بتصرفاته غاضبا أو هادئا فقد يكون كثير الكلام كثير الأسئلة أو يصبح العكس. نحن البشر مختلفون في قدرات العطاء والتحمل والتكيف؛ فتجد ببعض الأسر ذلك الرضي أو الحنون والمتحمل لكسرة المريض وتجد آخر يهرب لا يستطيع تحمل ذبول شخص يحبه أمام عينه خاصة في ردات الفعل الأولى. مشاركة تجارب الناس وطرق تعاملهم مهمة بشكل كبير لمعرفة الاحتياجات ولتكوين روابط الدعم لمواجهة ذاك المرض والدعم النفسي، فمن يقوم برعاية مريض الزهايمر يجب أن يلقى دعما اجتماعيا ونفسيا؛ ليستطيع الصمود. من يمر بتجارب لو مشابهة قليلا يستشعر أهمية الموضوع، ولي شخصيا تجربة تراجع ذاكرة والدي بشكل كبير كعدم تذكر أسماء الأشخاص الجدد، مع ضعف إمكانية تشخيصه، والتيه بين أسباب عديدة كجلطات الدماغ، وقد تجد طبيبة بالمستشفى الحكومي تنظر بحالة المريض جلسة واحدة ولا تعنى بإعطائه مراجعة! في حين تجد في العيادات الخاصة طبيبا يعطي رقم جواله لكي يتابع حالة المريض وكافة التفاصيل اليومية، ويقوم بالاتصال على المريض ليتواصل معه ليستطيع الوصول لتشخيص صحيح ويجري العديد من الاختبارات لاستبعاد الأمراض الأخرى، لكن ذاك كله مقابل مبالغ باهظة الثمن، مجمل الناس لا تستطيع تحمل تكاليفها. ختاما: لا تركن لأي قوة فلا تعلم مدى دوامها، وخذ بالأسباب وكن عونا ومعينا. (اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا). AlaLabani_1@