الرأي

الصحة النفسية الرقمية والإكراه الرقمي (Digital Duress)

بدر بن هديان
رغم الإيجابيات التي تقدمها الحلول الرقمية في مجال الصحة النفسية، من قبيل الإنترنت، والبرمجيات وتطبيقات الحواسيب والهواتف الجوالة، فإنها جملة من السلبيات المثيرة للقلق، إذ أنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية، تعرف بما يسمى بالإكراه الرقمي (Digital Duress) نتيجة تراكم الحمل المعلوماتي، حيث يشعر الفرد بضغط استخدام التكنولوجيا فينعكس ذلك على مهاراته وثقته بنفسه، وهو ما يزيد في تعقيد مشاكله بزيادة جملة الاضطرابات التي يعاني منها مثل التوتر والقلق والاكتئاب والخمول والأرق، وغيرها، كما تعيق تحرر الأفراد من العزلة الجسدية التي تنشأ بفعل هذه الاضطرابات وهي الاضطرابات ذاتها التي تسعى أدوات الصحة النفسية لعلاجها.

وفي محاولة منها لتفادي هذا الإكراه الرقمي، سعت بعض الجهات المتخصصة في الاعتماد على مقاربة تقوم على الجمع بين تدخلات مختلفة ومتنوعة تفضي إلى تحقيق نتائج أفضل وأكثر شمولا؛ لأنها تعالج المشكلات المعروضة من كل الجوانب الرقمية وغيرها.

إن اختلاف قنوات تعزيز الصحة النفسية هو أمر أساسي من أجل مجتمع واع بأهمية الصحة النفسية، ومن هذه القنوات ما تعتمده المجتمعات المتقدمة من مشاريع مجتمعية مثل معارض التعليم لتعزيز الصحة النفسية، إذ يمكن للمعرض أن يقدم ما لا تستطيع تطبيقات الجوال مثلا تقديمه خاصة في مواضيع ثرية وحساسة مثل مسائل الصحة النفسية في بيئة آمنة وموثوقة، أن يكون وسيلة فعالة ورائعة لمواجهة مشاكل الصحة النفسية، إذ أن الأنشطة الجماعية التي تتوفر فيه تسمح بالتواصل مع أشخاص آخرين يمرون بنفس التجربة النفسية، وهو ما يساعد على التقليل من الشعور بالوحدة، فنتجاوز إيجابيا ما هو متاح اليوم عندنا من حلول لا تتجاوز المحادثة أو أحيانا بعض ورش العمل المدفوعة الأجر.

ولا يمكننا تجاوز ذلك إلا بمقاربة متعددة الوسائط تزيد من الوعي والمحادثات حول قضايا الصحة النفسية التي عندما تصبح مفتوحة وصادقة، تعم فوائدها على الجميع، والمعارض توفر المساحات الآمنة لتحقيق ذلك باعتبارها مكانا مثاليا مهنيا وفي مستوى تبادل الآراء حول تجارب حياتية مختلفة، ومن أبرز المعارض التي تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف، معرض Mind بمتحف فيكتوريا بملبورن بأستراليا.

وسوف تشجع هذه المعارض الحديث في المستوى المجتمعي على الحديث في مسائل مهمة منها مسألة الوصمة فالحديث عنها، مثلا، يعتبر من إحدى الطرق الفاعلة والمستخدمة في التحرر من الأفكار الخاطئة حول الصحة النفسية وتطوير تعاطف الآخرين مع المصابين بالاضطرابات النفسية، وإعادة تقييم السلوكيات والمعتقدات السابقة وفسح المجال للتطور والنمو وهي فرصة ممتازة للمركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية الذي أعرف اهتمامه بهذه الموضوع للعمل على مثل هذا المشروع.

إن طرق التطرق إلى مثل هذه المسائل المهمة عديدة، منها المعارف، فهي لا توفر فضاء ترفيهيا فحسب، وإنما توفر مساحة للتعلم أيضا بحرية الاختيار وصياغة المعاني الفردية للأشياء، وهو ما يعني سيطرة الزائر نفسه على ما يرد أن يتعلمه فيتمتع بتجربة مختلفة تماما، على عكس ما يواجهه في المدرسة أو الجامعة، بحيث يحقق هذا النوع غير الرسمي من التعلم مساحة خالية من الضغوط والتوترات وهو ما يسهل عملية استيعاب المعارف المقدمة بطريقة يسيرة.

فاختيار المساحات الثقافية أن تستكشف مواضيع الصحة النفسية يزيد من الوعي، وقد تم ذلك بالفعل من خلال البرامج والمعارض المتعلقة بالموضوع. وقد بينت الدراسات أن زيارة المعارض المجتمعية يزيد من الرفاهية العاطفية التي توفر أحاسيس التواصل والتفاؤل واحترام الذات والمرونة والدعم والهدوء والراحة وغيرها من غير إكراه.

BenHadyan@