الرأي

هل تنقذ هيئة مستقلة قطاع التعليم الأهلي؟

خالد الدعيلج الشمري
أصدر مجلس الوزراء اللائحة التنظيمية للمدارس الأهلية بتاريخ 13/8/1395هـ، بحيث تخضع المدارس الأهلية لإشراف الجهة الحكومية المختصة بالنوع المماثل من التعليم، ولتفتيشها من النواحي الفنية والصحية والإدارية والاجتماعية والمالية، وكل ما تقتضيه مصلحة التربية والتعليم، كما تلتزم بتنفيذ تعليماتها. وقد تولت وزارة المعارف الإشراف على مدارس البنين الأهلية، في المقابل أشرفت الرئاسة العامة للبنات على مدارس البنات الأهلية، فقد كان إشرافهما إشرافا شبه كامل على تلك المدارس؛ نظرا لكون عدد من الوزارات الحالية لم تكن موجودة حينها، فكانتا تصدران التراخيص بدون سجلات تجارية، وتصرحان بالموافقة على المباني المستأجرة دون الرجوع للبلدية أو الدفاع المدني، وتعتمدان مواقع مشاريع المباني المدرسية، ومخططاتها التعليمية، وتعتمد المعارف التأشيرات وترسلها مباشرة إلى وزارة الخارجية لتصل سريعة إلى القنصليات المعنية، ثم تكون لجان المقابلات للوافدين وتعتمد قبولهم بخطابات للقنصليات، بل وتقوم مشرفات الرئاسة بمراجعة إيرادات ومصروفات مدارس البنات.

غير أن ذلك الإشراف الموزع على الجهتين قد تحول بكامله إلى وزارة المعارف فقط، عندما تم دمجها بالرئاسة في 9/1/1423هـ، مما زاد العبء على الوزارة، ثم ازداد ذلك العبء عندما تم دمج التعليم العالي والتربية والتعليم تحت مسمى وزارة التعليم في 9/3/1436، ليضاف إلى الوزارة كل من التعليم الجامعي الحكومي والأهلي، وفي فترة لاحقة أصبحت وزارة التعليم مسؤولة عن التعليم الأهلي العام والتعليم الأجنبي والتعليم الجامعي الأهلي والتدريب.

ومن خلال هذا الاستعراض السريع نجد أن التعليم الأهلي والأجنبي الذي يشكل حاليا نسبة تقل عن 13% تقريبا من التعليم العام، مما يجعل حجم مدارسه في منظومة الوزارة لا يتجاوز 4% تقريبا، حيث يكاد ينحصر إشراف الوزارة في غالب الأحوال على الجانب التعليمي ومتابعة جودته وتحديد الرسوم.

وبسبب الانشغال الكبير لمسؤولي الوزارة بمسؤوليات الوزارة الضخمة يتأثر نصيب التعليم الأهلي تبعا لذلك. وهذا يفسر لماذا وبعد ما يزيد على 50 عاما ما زالت مشاركة القطاع دون 13% تقريبا، ولا شك أن هذه المشاركة دون المستوى المستهدف بالتحول الوطني 2020، بزيادة نسبة المشاركة من 14% إلى 25%، وهي ذات النسبة التي لم تتحقق في خطة الوزارة العشرية 1425/1435.

إن النمو البطيء والضعيف للقطاع ليس مستغربا لوجود قرارات من الجهات ذات العلاقة تؤثر مباشرة في الاستثمار؛ فعندما تضع الشؤون البلدية والقروية اشتراطات خاصة بمواقع المشاريع التعليمية ومبانيها بحيث تراعي فيها الجوانب البيئية والهندسية؛ سيترتب على هذه الاشتراطات وبشكل تلقائي ارتفاع في تكاليف هذه المشاريع وكلفة تشغيلها، وكذلك إذا حددت وزارة التعليم رسوم التعليم الأهلي والأجنبي، فهذا يؤثر على مصدر تمويلها الأساس. وفي كلا الحالتين ينبغي أن تكون هناك جهة حكومية متخصصة في الاستثمار تناقش هذه الجهات وتبين لها أثر هذه القرارات على الاستثمار، ومدى قدرة القطاع عند تطبيقها على الاستمرار والنمو.

إن قطاع التعليم الأهلي في الحقيقة إنما هو استثمار في التعليم، في ظل وجود منافس قوي يقدم خدمة التعليم بالمجان وهو التعليم الحكومي، ولذا فقطاع الاستثمار من نوع خاص يتطلب مجموعة من التنظيمات المناسبة له، حتى يختاره المستثمرون من بين مجموعة من النشاطات الجاذبة والمغرية لسرعة أرباحها وقلة مخاطرها، ولذا يتمنى المستثمرون أن يكون لوزارة الاستثمار دور في رعاية التعليم الأهلي والتعاون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة لتحقيق مستهدفاته الكفيلة باستمراره ونموه.

ومن أسباب تأخر نمو هذا القطاع أيضا كثرة الجهات التي تنظم نشاطه، حيث تسعى كل جهة إلى تحقيق مستهدفاتها، بدون رؤية موحدة تنظم هذه المستهدفات بما يعزز هذا الاستثمار ويجعله جاذبا، ويحقق مصلحة تلك الجهات. وهذا ما يدعونا إلى المناداة بإنشاء هيئة مستقلة للتعليم الأهلي، تضع رؤية استراتيجية شاملة لهذا القطاع تستمدها من رؤية 2030، وتنسق مع الجهات ذات العلاقة كالتعليم والشؤون البلدية والموارد البشرية والاستثمار والمالية لتحقيق هذه الرؤية، ولمساعدة تلك الجهات على تحقيق مستهدفاتها في هذا القطاع وفق رؤية منبثقة من رؤية 2030، التي تسعى إلى رفع درجة جودة الحياة، والسماح بافتتاح المزيد من المدارس الأهلية.